سيريا ستار تايمز - وكالة إخبارية عالمية


صفقة الغواصات والاستثناء البريطاني الغريب: محادثات سرية وأجندة خفية.. لماذا لم تستدع فرنسا سفيرها في لندن؟


على عكس ما تحاول باريس إخفاءه، لعب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دورًا رائدا في شراكة "أوكاس" ( Aukus) الجديدة التي تضم، فضلا عن بريطانيا، الولايات المتحدة وأستراليا، وفقًا لما نقلته صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية عن وسائل إعلام بريطانية. وهذا ما جعل الصحيفة تتساءل في بداية تقرير لها حول الموضوع عن السبب الذي جعل فرنسا تحرص على التقليل من أهمية دور المملكة المتحدة في التحالف مع واشنطن وكانبيرا لتزويد أستراليا بغواصات نووية.

فلماذا لم تستدع باريس، أول أمس سفيرتها كاثرين كولونا في لندن من أجل "التشاور"، كما فعلت مع سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا، لإبراز مدى غضبها من فسخ عقد الغواصات؟ تتساءل لوموند. ولمحاولة استيضاح خلفية هذا الموقف الفرنسي، نقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي فرنسي قوله، في حديث لوكالة رويترز، إن باريس ترى أن المملكة المتحدة إنما رافقت "بطريقة انتهازية" العملية التي انتهت بإلغاء عقد الغواصات بين أستراليا وفرنسا، ويبقى الجاني الرئيسي في قصة الخيانة والتستر هذه بين الحلفاء هو، وفقا لفرنسا، أستراليا التي فسخت عقدا تاريخيا بعد 5 سنوات من توقيعه دون إنذار مسبق، كما لعبت الولايات المتحدة دورًا حاسما حين وافقت على مشاركة كانبيرا تقنيتها النووية، وفقا للصحيفة.
لكن جونسون، حسب ما نقلته لوموند عن مصادر في داونيغ ستريت، لم يلعب دورا ثانويا على الإطلاق في إبرام شراكة أوكاس، بل كان جزءًا من اجتماع ثلاثي حاسم مع الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون على هامش قمة دول السبع في كورنوال (منتصف يونيو/حزيران الماضي) والتي استضافتها بريطانيا.
وأضافت لوموند أن وسائل الإعلام لم تأل اهتماما يذكر بذلك الاجتماع، مشيرة إلى أن أول اتصال لأستراليا كان مع البريطانيين، كما أكدت ذلك صحيفة تايمز (Times) البريطانية أمس .

كما ذكرت تلك الصحيفة أن الاتصال المذكور ربما جرى في مارس/آذار الماضي بين رئيس البحرية الملكية البريطانية ألسير توني راداكين ومايكل نونان نائب الأدميرال الأسترالي، أما الأميركيون فقد استغرق إقناعهم بهذه الصفقة وقتا أطول. وهذا ما جعل لوموند تتساءل: هل يميل الفرنسيون إلى التقليل من شأن البريطانيين؟ لتجيب بأن جونسون لا يحظى بتقدير كبير في باريس ولا في بروكسل، إذ يُنظر إليه على أنه زعيم غير جدير بالثقة، سهل عليه النكوث بالتزاماته الدولية بعد أشهر فقط من التوقيع عليها، حسب الصحيفة. ولفتت لوموند إلى أن باريس لا ترغب ربما في زيادة تدهور علاقاتها مع شريك اقتصادي ودفاعي رائد مثل لندن، ولئن كان بين البلدين خلاف بشأن المهاجرين، فإن فرنسا تدرك أن عليها أن تعمل بشكل وثيق مع بريطانيا في المستقبل على غرار التدخل في مالي، وربما لهذا السبب لا تلوم فرنسا لندن على صفقة الغواصات، كما يرى جيمي جاسكارث، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة المفتوحة والمحرر المشارك لمجلة دراسات الأمن العالمي، "فلكي تكون أوروبا بقوة دفاعية ذات مصداقية، يجب أن تُشرك لندن".

نيويورك تايمز: صفقة الغواصات.. محادثات سرية وأجندة خفية

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) أن الولايات المتحدة وأستراليا بذلتا جهودا كبيرة للحفاظ على سرية مفاوضاتهما حول صفقة الغواصات النووية والحؤول دون علم باريس بها. وقالت الصحيفة في تقرير أعده مراسلها في البيت الأبيض وشؤون الأمن القومي ديفيد سانجر، إن المفاوضات حول الصفقة الجديدة بين الأميركيين والأستراليين بدأت بعد وقت وجيز من تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث تواصل الأستراليون مع الإدارة الجديدة قائلين إنهم توصلوا إلى أنه يتعين عليهم إلغاء الاتفاقية التي أبرموها مع فرنسا والتي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار لتزويدهم بعشرات الغواصات الحربية، بحسب ما صرح به مسؤولون أميركيون وبريطانيون.

وأشار التقرير إلى أن الأستراليين أعربوا عن خشيتهم من أن الغواصات الفرنسية التي تعمل بالطاقة التقليدية قد يكون طرازها قديما بحلول موعد تسليمها. وأعربوا عن رغبتهم في الحصول على أسطول من الغواصات الأقل ضجيجا والتي تعمل بالطاقة النووية والمصممة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بغرض استخدامها لتسيير دوريات في مناطق بحر جنوب الصين بحيث تكون مخاطر اكتشافها أقل. وقالت نيويورك تايمز إنه لم يكن من الواضح كيف ستلغي أستراليا صفقتها مع فرنسا والتي كانت قد تجاوزت الميزانية المرصودة لها وتسابق الزمن للوفاء بالتزامها في الموعد المحدد. ونقلت عن مسؤول أميركي كبير القول "لقد أخبرونا (الأستراليون) أنهم سيهتمون بالتعامل مع الفرنسيين". تشغيل الفيديو

"التمحور في آسيا"

وقالت نيويورك تايمز إن جو بايدن، الذي جعل من التصدي لطموحات الصين الإقليمية محور سياسته للأمن القومي، أخبر مساعديه أن تلك الغواصات فرنسية الصنع لن تفي بالغرض المطلوب، ولا تملك القدرة على أن تجوب المحيط الهادي لتظهر بشكل مفاجئ قبالة الشواطئ الصينية، لتضمن بذلك للغرب عنصر مفاجأة عدوه عسكريا. وأوضحت أن قرار بايدن يشير إلى أنه بدأ تنفيذ إستراتيجية كانت قد وضعت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قبل 12 عامًا، وأطلقت عليها الإدارة آنذاك اسم "التمحور في آسيا"، وكان المسؤولون الأميركيون يدركون أنها تنطوي على مخاطر السير على ألغام سياسية عندما يشعر الحلفاء القدامى والتقليديون في أوروبا بأنه تم التخلي عنهم. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين على دراية بالمفاوضات بين واشنطن وكانبيرا القول إن المسؤولين الأميركيين والأستراليين اتفقوا على أن الفرنسيين إذا علموا بعملية التفاوض حول الغواصات النووية التي ستلغي صفقتهم مع أستراليا التي تعد أكبر صفقة للدفاع في تاريخ فرنسا، فسيسعون لا محالة إلى تخريب الصفقة الأميركية البريطانية الجديدة مع أستراليا. ولذلك قرروا أن يقتصر التفاوض بشأن الصفقة على مجموعة صغيرة جدًا من المسؤولين، وعدم إخطار الفرنسيين بها.

سرية تامة

وقالت الصحيفة إنه طوال شهور المفاوضات مع الأميركيين والبريطانيين حول صفقة الغواصات النووية، لم يكشف الأستراليون للفرنسيين عن عزمهم إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، التي تطلب التوصل إليها سنوات من التفاوض بين الطرفين وكانت أهم صفقة لمبيعات الدفاع الفرنسية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم القول إن المسؤولين الأميركيين بمن فيهم الرئيس بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن لم يخطروا المسؤولين الفرنسيين خلال لقاءاتهم بهم بشأن الصفقة التي يتفاوضون مع أستراليا لإبرامها. وأكدوا أن كبار المسؤولين في إدارة بايدن أطلعوا المسؤولين الفرنسيين على الاتفاق الأمني مع أستراليا وبريطانيا قبل ساعات فقط من الإعلان الرسمي عنه في البيت الأبيض خلال مؤتمر افتراضي بين كل من بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون. وقد قاد ذلك إلى تفجر أزمة دبلوماسية بين فرنسا وأطراف الاتفاق وخلق أزمة ثقة مع باريس الحليف القديم للولايات المتحدة.

رد باريس فاجأ واشنطن

وقالت نيويورك تايمز إن المسؤولين الأميركيين كانوا يصرون على أن إخطار الفرنسيين بشأن الصفقة الأمنية مع أستراليا لم يكن مسؤوليتهم، لكن بعد تفجر الأزمة مع باريس التي فاجأتهم حدة رد فعلها، يعرب بعضهم الآن عن ندمهم على عدم إصرارهم على أن يطلع الأستراليون الفرنسيين على الصفقة. وكانت فرنسا أعلنت في بيان أول أمس استدعاء سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا فورا للتشاور، على خلفية مبادرة "أوكوس" (Aukus) بين أميركا وبريطانيا وأستراليا، والتي عدّتها باريس "طعنة في الظهر". وندد بيان لوزارة الخارجية الفرنسية بالتخلي عن صفقة الغواصات التي أبرمتها أستراليا وفرنسا منذ عام 2016، وقال إن الإعلان عن شراكة جديدة مع الولايات المتحدة سلوكٌ غير مقبول وستؤثر عواقبه على مفهوم فرنسا لتحالفاتها وشراكاتها، وأهمية منطقة المحيطين الهندي والهادي بالنسبة لأوروبا. وصرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمس بأن بلاده تعيد تقييم موقفها تجاه حلفائها في إطار الرد على إعلان الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في وقت سعت فيه واشنطن وكانبيرا لتهدئة الغضب الفرنسي.



سيريا ستار تايمز - syriastartimes,