خاص - رئاتنا تحترق... مساحاتنا الخضراء الّتي تمدّنا بالأوكسجين على موعدٍ سنويٍّ دائم و مكرّر مع الحرائق
خاص سيريا ستار تايمز : مي منصور
غاباتنا، أشجارنا، مساحاتنا الخضراء، هي رئاتنا الّتي تمدّنا بالأوكسجين، هي ملاذنا الأجمل الّذي نلجأ إليه لراحة الأنفس و الأرواح عندما تضيّق علينا مشاغلنا و أعمالنا و تضغط على أعصابنا ، جبالنا الخضراء على موعدٍ سنويٍّ دائم و مكرّر مع الحرائق، منها المفتعل بسبب الإهمال و الإستهتار و انعدام المسؤوليّة، و منها الطّبيعيّ بسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى من معدّلاتها مع الجفاف الزّائد و اشتداد سرعة الرّياح، إذ تكفي شرارة واحدة لإحداث الكارثة و في كلّ مرّة نطفئ بها الحريق، يحذونا الأمل أن نتعلّم من الدّروس المستفادة لكي لا نقع في عين الكارثة مجدّداً في الموسم الّذي يليه، لكن و للأسف، بمجرّد إخماد النّيران، تخمد معه ذاكرتنا القصيرة و ننسى الأسباب، و ننسى معها معاناتنا و خسائرنا و قلّة حيلتنا و تواضع أدواتنا، نطوي الصّفحة و ننتظر، نتباكى قليلاً ثمّ ننسى، و كأنّ شيئاً لم يكن في معظم دول العالم، تلجأ الحكومات إلى إجراءات احترازيّة لحماية غاباتها و مسطّحاتها الخضراء لأنّها تعتبرها في مقدّمة ثرواتها القوميّة، فتشقّ الطّرق الحراجيّة في أكثر الأماكن وعورةً لتساعد سيّارات الإطفاء و رجال الدّفاع المدني بالوصول إليها، و تجهّز طائرات (صهريج) مدنيّة تكون على أهبّة الإستعداد دائماً في موسم الجفاف و الحرائق لمؤازرة فرق الإطفاء في أشدّ المناطق وعورةً، و في بعض الحالات تلجأ لاستحداث مساحات (فراغات) بين صفوف الأشجار تشكّل مانعاً طبيعيّاً يحول دون انتقال الحريق لما يليها من الأشجار المنكوبة، فماذا فعلنا نحن لحماية غاباتنا؟ الحقيقة لم نفعل شيئاً، دائماً ننتظر وقوع الكارثة، و دائماً نرتجل الحلول بشكل آني و لحظي، و دائماً تكون خسائرنا فادحة " .. و من ضمن الخسارات الكبيرة التي تحدّث عنها المهندس الزراعي " أوس منصور " : أننا ستواجه خلل بالتوازن البيئي يؤثر على التنوع الحيوي.. نباتات و حيوانات (موت العديد من الحيوانات بشكل مباشر و ممكن أن يظهر حيوانات تعيش في بيئة مفتوحة) رغم المنظر المقفر للغابة بعد الاحتراق، يمكن استعادة الغطاء النباتي والنظام البيئي بشكل طبيعي... ولكن تختلف قدرة الغابات على تجديد نفسها بعد الحرائق... بعض الغابات عندها قدرة عالية وسريعة ومنها لا مما يؤدي إلى تراجع الغطاء النباتي و فقدانه .. الأشجار تترك بذورها بالتربة تنمو ثانيةً كما يحدث بعد الحرائق ولكن هل الظروف البيئية والنشاط البشري قادرين على استعادة الغابة لوضعها السابق؟؟! إن فقد الغطاء الغابوي يؤدي إلى ضعف التربة بسبب التعرية، وخصوصاً عند هطول الأمطار الغزيرة بعد الحرائق ، وإذا كان تردد الحرائق في نفس المكان كبيراً لدرجة يعرقل تجدد الغابة، قد تبدأ عملية تدهور التربة والتصحر.. حبا اللّٰه الأشجار و النّباتات الخضراء بميزة التّجدّد، و كثير من الغابات عادت خضراء من جديد بعد عام أو عامين، لكن ما يحزّ في النّفس هي تلك الأشجار المعمّرة الّتي يزيد عمرها عن خمسين أو مئة عام و ربّما أكثر، و بعض الأصناف النّادرة الّتي خسرناها دون تعويض، و لا ننسى أيضاً البيئة الحيوانيّة الّتي تعيش في كنف الغابات ، هذه الحيوانات أيضاً فقدت جحورها و بيئتها الحاضنة، ستهاجر إلى أماكن أخرى أكثر أماناً و إضافةً إلى ذلك سنذكر بعض الاحصائيات المتعلقة ب " نسبة الغابات الطبيعية في المحافظات السورية و نسبة الحرائق بها : - في عام 1993 كانت نسبة الغابات الطبيعية في : اللاذقية : 29,33 و إدلب: 6,88 و حماة : 4,93 و طرطوس : 9,32 - في عام 2008 نسبة الحرائق في الغابات لأسباب مجهولة كانت : اللاذقية : 40,46 و الغاب : 46,38 و مصياف : 69,85 و ادلب : 48,15 و طرطوس : 44,76 ... أما الحرائق المقصودة : اللاذقية : 9,29 و الغاب : 6,02 و مصياف : 23,63 و ادلب : 0,92 و طرطوس : 53,38 أما عن حالات الاهمال فكانت كالتالي : اللاذقية : 10,94 و الغاب : 8,43 و ادلب : 10,13 أما إدلب و طرطوس كانا غائبان عن الحرائق آنذاك .. فكما تجري العادة .. تكرر المشهد ذاته عام 2019 : فطرطوس كانت لها الحصة الأكبر، حيث بلغ عددها 60 حريق نشبت في مناطق :" السودا و التفاحة و درتي و سد الباسل و مفرق الصناعة " .
اللاذقية : أكثر من 51 حريق نشب معظمها في منطقتي " جبلة و القرداحة " حمص : نشبت 3 حرائق تمركزت في مناطق " وادي النصارى " أما الكارثة الكبرى كانت هذا العام 2020 : " صلنفة - القرداحة - الغاب - مصياف " ف كان تطويق النار بمنتهى الصعوبة إذ التحقت قوى من الجيش العربي السوري لتعمل رديفة للدفاع المدني و انضمّت مروحيات للتعاون أيضاً في عدة مناطق و منها " مروحية إيرانية شقيقة " تعاضدت و كانت كتفاً بكتف هناك و لا سيما في " ريف حماة " على وجه الخصوص لكن ! حتى الآن لم يتم جرد الاحصائيات الدقيقة للمناطق المتضررة و التي تعافت من اندلاع الحرائق يقول المثل العربيّ : " درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج"، و دراهم وقايتنا غير متوفّرة للأسف، و إن توفّرت، لن تتوفّر معها اعتبار حماية محيطنا الحيوي أولويّةً قصوى تجب المحافظة عليه و حمايته و تأمين وسائل الوصول السّريع إليه برغم كلّ الجهود ، لكن ! ثمّة جمرٌ تحت الرّماد، نأمل أن يأتي العام القادم بتغيير و تجهيز أفضل لحماية الغابات أكثر ، كي لا نندب أشجارنا و غاباتنا في موسم الحرائق و نبكي عليها كما كلّ عام ، لأنّ درهم وقايتنا سيتحوّل كالعادة إلى قناطير مقنطرة من العلاج.