لغم الكلمات.. وأفواه بلا ضمير
مع فنجان قهوة الصباح واحتساء شاي المساء تمضي العيون نحو ما يتم نشره على صفحات التواصل الاجتماعي، أصبح من لا يرتاد الفيس وتوتير أميا بالمعلومات، إلى هنا والأمر يمكن تقبله، ولكن هل ما نتصفحه هو الحقيقة بعينها أو نصفها أو إشاعة يراد منها الكثير!. الوضع بأغلب مجالاته غدا كالجبل الذي انهار فجأة، أو كالمطر الجارف بسيوله أو الإعصار الحاصد لكل ما يعترض طريقه.. زوبعة عنوانها مموه، وتحمل عناوين عدة وللأسف أغلبها سلبي النتائج، منشورات شخصية تحمل النصح ولكنها مع الاستمرار وعلى مر الزمن بدأت تشكل سلوكا ومبادئ جديدة، والنتيجة حنين للماضي بتعامله وأسلوب حياته.
صعوبة الحياة التي ننبذها الآن هي نتاجنا، ولكن لم نشعر بالخيبة حتى بدأ الحصاد، بعيداً عن عالم هجرناه ببساطته عالم قليلة فيه كانت تنهدات القهر. وبدون ترتيب يقودنا الحال للإشارة إلى سوق العمل بعنوان التجارة شطارة وأنا ومن بعدي الطوفان، الاتجار لأجل المال والغاية تبرر الوسيلة، ضاربين عرض الحائط القيم والأخلاق.. لايكاد يمر يوم إلا ويتجلى فيه عمل المضاربات وزيادة الأسعار بلا ضوابط فيختلف سعر السلعة من بائع لآخر وبذات الشارع، تجد في التعليقات حوار الزائرين ومنه يمكننا الجزم أن البعض لايزال يحمل الرأفة بحال المستهلك فيربح بنور الله، في حين نجد من لا تشبعه الأرباح مهما علت وهم وإن كانوا قلة لكنهم مركز توتر واتلاف عصب لشعب لم ترحمه الظروف لسنوات. سنوات حاول فيها السوري، ولايزال يحاول أن يعود للحياة التي نامت بعيداً كذكريات تعود كلما اشتد الحزن بالنفوس لتنطق الآهات بالشوق لها. ولم تقف معاني الاتجار عند السلع والبضائع فهاهي سوق الكلمات والنشر يزداد رواجا ولايقل خطورة عن لقمة العيش. منشورات بلا رقيب ولاحسيب وصفحات سهلت عملية النشر وإن قلنا عملية زرع الألغام فلن نكون قد أسرفنا بالتوضيح. عالم صغير انقلبت فيه المعطيات بمجرد كلمة، اختلفت فيه المفاهيم وتلونت الأحاسيس.. الناشر يرسل رسالة تعبر عن ألمه وصعوبة الحياة وأنه لا يشعر بالرضى ويأتي غيره لينسخ ويلصق وتتكرر كلمات الاستياء وقلة قليلة من يحثون على الأمل ويعملون لرفد الوطن بالخير وإن كان يسيرا لكنه عطاء وكم من عطاء بسيط يثمر ويكبر خيراً بخير. لم تكن الأزمة التي نحياها الآن بعد مااسموه ربيعا.. وهو خريف العمل الجاحد وحصاد رماد نار الحقد والجهل. إلا جسر عبور لجني ما نزرع. وإن نحن إلا جزء من عالم أغلبه يشكو البؤس ووقف الحال، وحالنا جاء بالمزيد الخاص بعد فرض قانون قيصر ووباء كورونا والأحداث التي حلت بدول الجوار، انقلاب عالمي طوى بقوة وجبروت الطمع الذاتي الذي تفشى عنه مرار الحاضر، تجار ومستهلكون، مال وفقر، جوع وترف. لقمة العيش أصبحت حديث الساعة بأغلب الصفحات الفيسبوكية وتوتير والخوف من فقدها، تصحبها الأزمات التي تتوالى أو تأتي دفعة واحدة منتظرة الخلاص بعد عودة الأمن والأمان لكل بقعة من بقاع وطننا الحبيب. وهنا لليوتيوب حصة كبرى من بث الطمأنينة بنفوس العامة إن أراد ذلك ولكن للأسف منهم من يستغل الأحداث ليصنع منها محتوى يجذب متابعة أكبر وإن كان الحامل شائعات فمن الممكن التلاعب بالعنوان للجذب وجعل المضمون أشبه بنميمة جمعة أصحاب، يتخللها سمعت من فلان وأكد مصدر.. ويكون ما تحدث عنه اليوتيوبر اما استنتاج أو توقع .. وكم فقد الكثير منا الأمل وكم خسر لمجرد المتابعة. أبواق تصدح والوطن جريح، سطور بماذا تفكر لا تتوقف عن المزيد من اللا وعي بالنتائج وضمائر معلقة لحين الفرح لرؤية الاعجابات والتعليقات متغافلين عن الألم جراء تصفح عام من إنسان بسيط يحب العيش بسلام، لكن لا يستطيع وسط ضجيج الكلمات المشحون بحوارات الشارع السوري، والتي يتم تحميلها أكثر المعاني سلبية وتعتيم ما يجب توضيحه إيجابا، في منشورات تلقى شعبية واسعة وروادها كثر من عامة الشعب. فكم من منشور يحمل سمة الخبر وتصدقه العامة وهو مجرد شائعة لهدف ما، والأهداف تصب بخيرها على الفاسدين وتزف شرها على روادها المتصفحين. وكما لهؤلاء وجود، فللمفكرين وأصحاب الرأي السديد وجود أيضا وربما لهذا السبب نجد من يتفهم الوضع ويفتش عن حلول ويتحلى بالإرادة لتجاوز الصعاب لإيمانه بأن استمرار الحال من المحال، ولابد للحظر ونتاجه أن ينتهي، وستبقى للمواقف ذاكرة لا تمحوها السنين. إلى الآن نستحضر كيف تعامل الغرب وأغلب الدول العظمى بفترات الحرب وكيف نهضوا بأرضهم من الرماد للخضرة والإنتاج. عندما يعطي الفرد للمجتمع لا العكس، ينهض المجتمع ليعطي الجميع. والنهوض الآن أصعب من السابق، مع وجود فوضى النشر الإلكتروني وسهولة تداول الأفكار وبالتالي الإيمان بها وتصديقها وأبسط ما يمكن هو تأثيرها بقوة أو بضعف، هي لم تعد فكرة تم نشرها بل أصبحت حديثاً متداولا يكبر ككرة الثلج المتدحرجة، عالمنا الآن نوافذ عرض تحمل أفكارا سرعة نشرها أقوى من ملمس النار للشيح. فهل سنجد مع الأيام فلاتر أو ضوابط لها! الكلمة هي الحياة والحروف التي يسهل نشرها يصعب محوها من عقول الملايين، فلنتق الله فيما نقول وليكون الوطن وسلامته الهدف فيه ومنه نرتقي ونتعافى من حال أتعب الجميع. دمتم ودام الوطن وحماة الوطن بألف خير .