مشروب الشاي.. الصيت للإنجليز والفعل للروس
يدعونه لدى أهل الشام "خمير وفطير"، وفي مصر "شاي بالخمسينة"، وفي تركيا "شاي السماور"، أما في ورسيا فيطلق عليه "زافاركا"، وجميعها مسميات لشيء واحد هو مشروب الشاي على طريقة كل شعب.
فما سر "الزافاركا" الروسيةّ؟!
اشتهر عبر التاريخ كبار شاربي الشاي في العصر الفيكتوري بإنجلترا، التي أصبح فيها أنواع للشاي بعدد "رزم الفجل"، فللفطور شاي، ولاستراحة الصبح الشاي، ولفترة الغداء شاي، وللعصر شاي، وللمساء شاي، وللسهرة شاي، ولفترة ما بعد منتصف الليل شاي، لكن كل أنواع الشاي هذه لا تعني أكثر من عبارة "الصيت للإنجليز والفعل للروس"، فاليوم ولى زمن الشاي ورجالاته وعشاقه من البريطانيين، ليصبح في العالم أكثر خبراء الشاي ينتمون إلى العرف الروسي، ما يحق عليهم الوصف بأنهم الأكثر تفانياً وأمانة لهذا الشراب!
فالروس يشربون الشاي في أي فنجان أو طبق، لتدفئة الجسد، أو على العكس تبريده، كما أنه سبب للتسامر والهدوء والسكينة، والأهم طريق وفرصة لإقامة الصداقات، وإدخال الفرح والبهجة للنفوس.
ومن هنا جاءت أهمية "الزافاركا" وقيمتها، التي خصت البلاد بمشروب الشاي المركّز المصنوع خصيصاً لحفل الشاي الروسي، وبالتالي تستطيع ماكينة " زافاركا" أو إبريقها إذا صح عنها القول لصناعة عصارة الشاي "المركز من نقيعه"، والتي تتم عادة في إبريق شاي صغيرة تقع على "الساموفار"، لصنع كوب كامل من الشاي، وهنا تضاف كمية صغيرة من "زافاركا" لأول مرة إلى كوب الشارب، (النقيع المركز)، ثم يضاف الماء الساخن من السماور، وهو بحكم الأتراك إبريق مكون من قطعتين، الأولى لنقيع الشاي المركز والثاني للماء الساخن، على أن يوضع نقيع الشاي فوق بخار الماء الساخن لتشكيله بالتركيز المطلوب، ومن هنا يمكن لشارب الشاي التحكم في قوة الشاي عن طريق إضافة zavarka (نقيع مركز) أكثر أو أقل (للماء الذي بفضل بخاره تكون النقيع المركز أي "زافاركا"، وهذا يتوقف على تفضيل الذواق ومدى رغبته .
ومن الطبيعي أن لا يكون كل أنواع الشاي جيدة لصنع الزفاركا، فالعديد من أنواع الشاي تصبح مريرة عندما تغمرها فترة طويلة، وعليه فمن المهم أن تجد الشاي الذي يحافظ على نكهة لطيفة، حتى لو بقيت في الوعاء لساعات، والماء النقي يغلي تحتها، ويحول بخارها نوع الشاي إلى الزفاركا، ولهذا يقترح "كيري كوبيليوس" أن الأفضل لمزيج شاي الزافاركا هو الكارافان الروسي، أي مزيج من الشاي ذي النكهة الدخانية، والذي يقال عنه أنه يذكرك بنكهة الشاي، التي تشق طريقها عبر "أوراسيا" عن طريق البر؛ حيث استوعبت أوراق الشاي بشكل طبيعي الدخان الناتج عن نيران المخيم، وبالتالي يصل الشاي إلى "الزافاركا" مع هذه النكهة والرائحة الخاصة.
ولعل من عادت الروس التي تشابه الكثير من أعراف العالم في شرب الشاي تنكيه الشاي، فهم يحبون شربه جانب الليمون، كشراب أضحى تقليدي في روسيا، كما يحبونه بالنكهة الدخانية، مثلما يشربه أهل الشام مع شرائح الليمون وأوراق النعنع، وليس كما يفضله المصريون بالكشري "الحبات المركزة"، أو مع الحليب، والمدعة "شاي باللبن"، وعموماً في كل دول العالم يرغبون بالشاي كمشروب لتسخين الجسد شتاء، وفي الصيف لتبريده، والمساء للمزاج، وتحلية السهرات، لكن في رسوا يضاف إلى ذلك أنه ليس مهماً أن ترغب بشرب الشاي، لكن عليك أن تؤمن أنه طقس لا يمكن أن تعيش دونه.