اجتماع أفراد الأسرة على مائدة الطعام.. كيف يؤثر في حالتهم النفسية؟
مع اقتراب شهر رمضان المبارك تحاول الكثير من الأسر أن ترتب أوقاتها لتتناول وجبة الفطور معا في جو تسوده الألفة والوئام. وغالبا ما تفتقد الأسر هذا الجو في غير رمضان، حيث تبدو صورة اجتماع أفرادها حول الطاولة في وقت واحد لتناول الطعام، والحديث عما دار خلال يومهم، صورة من الماضي.
وبصورة خاصة تشعر الأسر التي لديها أبناء كبار بهذا الأمر، إذا كان الأبناء يميلون إلى أخذ وجباتهم إلى مكان هادئ لاستكمال واجباتهم المدرسية- أو حتى لا يحضروا للجلوس على الطاولة لتناول الطعام. ولكن مهما كانت صعوبة الأمر، فإن جمع أفراد الأسر لتناول الطعام سويا أمر يستحق الجهد، وفقا لما قالته الطبيبة النفسية إليزابيث رافاوف، التي لديها بعض النصائح للآباء الذين يواجهون صعوبة لإقناع صغار السن بفكرتهم. وحول سبب أهمية تناول الوجبات معا في جو عائلي، تقول إليزابيث إن أفراد الأسرة يجتمعون وينظرون في أعين بعضهم البعض، وتتاح لهم فرصة التقارب والتحدث حول أحوالهم، مضيفة أن هذه الوجبات أكثر من مجرد طعام، فهي تتعلق بالحب والاستمتاع. وأوضحت: "في النهاية يقولون إن الطريق لقلب الشخص هو معدته". وأشارت إليزابيث إلى أن الوجبات العائلية تتعلق أيضا بشعور المرء بالاهتمام به وقضاء الوقت سويا في حالة استرخاء، بدون الشعور بالضغط.
ولكن هل أصبح هذا الأمر من الماضي؟ تجيب إليزابيث: "هذا أمر نسمعه من الكثير من الأسر، لعدة أسباب مختلفة". وأضافت: "أحد الأسباب هو أن الجميع مشغولون بالقيام بأنشطتهم، إذ يمكن أن يكون الشخص مشغولا بالتحدث عبر الهاتف أو أنه يضع هاتفه بجانب طبقه. على أي حال، بما أن أماكن العمل تطالب العاملين بأن يصبحوا أكثر مرونة، فإن هذا يعني أنهم متاحون في المنزل وعلى مدار الساعة". وأوضحت أنه في بعض الأحيان يجب أن يتم العشاء سريعا، حيث إنه يمكن أن يكون لدى أحد أفراد العائلة موعد، أو ربما يقوم الأطفال باصطحاب وجباتهم إلى غرفهم. وأشارت إليزابيث أنه في هذا الوضع، يتعين على الأسر إعادة تقييم روتينها اليومي؛ للتعرف على ما يمنعها من الاجتماع سويا مرة في اليوم وقضاء وقت جيد سويا. وبالتأكيد هناك جميع الأسباب الظاهرية التي تم ذكرها، ولكن ربما تكون هناك أسباب خفية أيضا. ولكن ما هي طبيعة هذه الأسباب على سبيل المثال، تقول إليزابيث: "عند سؤال الناس عن هذا الأمر، تحصل في بعض الأحيان على إجابات مثيرة. الأطفال في بعض الأحيان يقولون إن هناك الكثير من التذمر عندما يأكلون سويا، حول ما إذا كان الأمر يتعلق بمدى سخونة الطعام أو سبب عدم تناول أحدهم نوعا ما من الطعام. وهم يقولون "إنه أمر مزعج". وأوضحت: "بعض الأحيان يشعر الأطفال أن تناول الطعام معا يشبه الخضوع للاستجواب"، مضيفة: "هناك هذه الأسئلة بشأن كيف كان يومك في المدرسة، أو ما إذا كنت حصلت على نتائج امتحان الرياضيات- إنك لا تحظى بفرصة لتناول الطعام في سلام". ومن ناحية أخرى، بالنسبة للأبوين، يمكن أن يصبح الأمر مثيرا للغضب الشديد عندما يطهون الطعام ويبذلون جهدا، ولا يأتي أحد عندما يدعون الأبناء لتناول الطعام. وفي نفس الوقت يمكن أن يصابوا باليأس ولا يقومون بالطهي إطلاقا. وحول ما إذا كان ما زال من المجدي إعادة الاتفاق على تناول وجبة يوميا سويا، تقول إليزبيث" بالتأكيد"، وقالت إن الأسر يجب أن تجتمع على الأقل مرة يوميا، في جو هادئ، حتى يكون لديهم أمر يتشاركونه ومساحة لتبادل أفكارهم، مضيفة أن مثل هذه اللحظات تعمل على استقرار الأسرة، حتى إذا اشتكى شخص ما في بادئ الأمر.
وإذا كان هذا هو الحال، يمكن أن يوضح الآباء بهدوء إنهم يعتقدون أنه من المهم أن يكون لديهم أمر ما يقوم به الجميع سويا، وأنه لا يجب أن يتناول أي شخص الطعام بمفرده في غرفته. وإذا استمر تذمر الأطفال، يمكن التحدث بشأن ما يحتاجه الجميع من أجل جعل تناول الطعام سويا تجربة ممتعة. وتقول إليزابيث بشأن ما إذا كان تناول الوجبات العائلية أمرا ضروريا كل يوم أو يكفي أن يحدث خلال عطلة نهاية الأسبوع: "إن ذلك يعتمد على كيفية تنظيم ذلك". وقالت إنها تعتقد أن تناول وجبة عائلية يوميا سوف يكون أمرا مثاليا، وأنه يجب محاولة تدبير هذا الأمر، مضيفة: "ليس فقط تدبيره، ولكن إيضاح أنه أمر مهم للغاية في حقيقة الأمر". وأوضحت أنه في حال أخفق هذا الأسلوب، يجب البدء في البحث في أسباب الإخفاق، وما إذا كان يمكن تغيير الأولويات لجمع أفراد الأسرة لتناول وجبة سويا. وأشارت إلى أنه يتعين على الآباء أيضا أن يكونوا صادقين مع أنفسهم: هل تناول الطعام سويا مصدر إزعاج لهم لأنه دائما يكون أمرا بالغ الصعوبة أو الجميع دائما يشتكي؟ وهذا يعيدنا إلى ما يحدث بالفعل. هل لا نأكل سويا لأن لا أحد يقوم بالطبخ، أو لأن كل شخص يقوم بإعدام طعامه ويأكل بمفرده؟ ما هو شعور كل فرد من أفراد الأسرة تجاه هذا الأمر". وأوضحت إليزابيث أنه في حال لم يتسن الاجتماع لتناول وجبة سويا يوميا، يجب محاولة التوصل لبدائل، ربما تناول عشاء أسري في ليال معينة، مع قضاء وقت سويا كأسرة خلال أنشطة أخرى. هذه أيضا مسألة يمكن مناقشتها بصورة جماعية. وأشارت إليزابيث إلى أنه يتعين على الآباء الذين لديهم مراهقون لا يريدون تناول الطعام معهم، أن يوضحوا أن تناول الجميع الطعام سويا أمر مفروغ منه، كما نصحت الآباء بسؤال أطفالهم عما يضايقهم، والتحدث حول كيفية التصرف حيال ذلك. وقالت إليزابيث إنه يجب على الآباء أن يأخذوا في الاعتبار أن الأمر الحقيقي هو أن اهتماهم بتناول وجبة أسرية يبعث برسالة إيجابية لأطفالهم. وأضافت: "بهذه الطريقة، تظهرون لهم أنه من المهم الاجتماع سويا، وأنهم يمثلون أهمية لكم، بعض الأطفال ربما يشتكون، ولكنهم سوف يتلقون هذه الرسالة. إدراك هذا الأمر يمكن أن يزيد الآباء قوة".