تولي دولة الإمارات العربية المتحدة تطوير قطاع نقل ذكي ومستدام أهمية كبيرة، حيث يعد هذا القطاع من أسرع مصادر الانبعاثات الكربونية نمواً في العالم، ويلعب النقل المستدام دوراً محورياً في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتحسين جودة الهواء، وتعزيز الاستدامة البيئية الشاملة.
ومع استمرار التوسع العمراني، باتت هناك حاجة إلى اعتماد تقنيات مستدامة وأكثر نظافة وكفاءة في معالجة تحديات النقل، لا سيما وأن الدولة تعتمد مفهوم الاستدامة عاملاً مشتركاً بين كافة خططها التنموية وخياراً استراتيجياً ومقوماً رئيسياً ومحورياً من مقومات تحقيق التنمية الشاملة.
وتعتبر السيارات الكهربائية خياراً استراتيجياً يساهم في خفض الانبعاثات في قطاع النقل الذي يشهد تغيرات تقنية كبيرة، حيت تشكل مستقبل قطاع النقل المستدام، الذي يحظى بأهمية متزايدة مع التزام دولة الإمارات بالاستثمار في الحلول المستدامة وبما ينسجم مع المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، وإعلان 2023 عاماً للاستدامة في الدولة واستعدادها لاستضافة قادة العالم في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 28».
وتتماشى الفوائد البيئية الناتجة عن انتشار المركبات الكهربائية والمتمثلة في المساهمة في الحد من الانبعاثات الكربونية وزيادة جودة الهواء، مع الأهداف الاستراتيجية للدورة الثامنة والعشرين من «كوب 28»، التي تستضيفها الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر المقبل في مدينة إكسبو بدبي، حيث يسعى المؤتمر إلى مناقشة طرق ترسيخ الاستدامة في كافة القطاعات.
مستقبل السيارات الكهربائية
وتشهد أعداد السيارات الكهربائية والهجينة في الإمارات تزايداً بشكل متسارع، وهو ما يبدو جلياً بشكل أكبر في أساطيل سيارات الأجرة التي باتت تسير على طرقات معظم إمارات الدولة، في الوقت الذي تشهد فيه الدولة ارتفاعاً في اقتناء المركبات الشخصية التي تعمل بالكهرباء خلال السنوات الأخيرة، حيث أسهم قرار تحرير أسعار الوقود الصادر في العام 2015 في تسريع وتيرة هذا التحول.
وتقود دولة الإمارات التغيير نحو مستقبل السيارات الكهربائية في المنطقة، حيث نجحت منذ 2021 في تحويل ما يزيد على 20% من أساطيل السيارات التابعة للجهات الحكومية إلى مركبات كهربائية.
وتشهد ثقافة قيادة السيارات الكهربائية انتشاراً كبيراً بين كافة فئات المجتمع الإماراتي لدورها في الحفاظ على البيئة وخفض نسب الانبعاثات الكربونية، فضلاً عن التكلفة المتدنية لشحن بطارية السيارات في دولة الإمارات، حيث تصل تكلفة شحن سيارة كهربائية نحو 7.5 درهم عبر الأجهزة الكهربائية المنزلية، بالنسبة لكل مركبة تسير لمسافة 400 كيلومتر.
محفزات إماراتية
وتُخفِّض السيارة الكهربائية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تبلغ نحو 70% مقارنة بتلك التي تطلقها نظيرتها التقليدية، الأمر الذي يجعلها وسيلة مستدامة تساعد على تعزيز جودة الهواء بسبب مساهمتها في خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فضلاً عن أنها تقلل التلوث بفعل الضوضاء نتيجة تسببها في صوت أكثر انخفاضاً وكذلك احتياجها لتكاليف صيانة أقل. كما أنها تتطلب كميات أقل من السوائل الأكثر تلويثاً للبيئة مثل زيت المحرك والسوائل المبردة. وفي الوقت الذي تحتاج فيه كل من السيارة العادية والكهربائية إلى تغيير البطاريات في الوقت المناسب، إلا أن التخلص من بطارية السيارة الكهربائية أقل تلويثاً من نظيرتها التقليدية.
ووفرت دولة الإمارات الكثير من المحفزات التي تشجع الأفراد على استخدام السيارات الكهربائية وكذلك استخدام وسائل النقل المستدامة والتي تعتمد على معدل استهلاك للطاقة أقل سنوياً، من أجل ترسيخ بيئة مستدامة من حيث جودة الهواء، والمحافظة على الموارد الطبيعية، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتطبيق التنمية الخضراء، الأمر الذي يصب في اتجاه تحسين جودة الحياة وترسيخ مكانة الإمارات باعتبارها نموذجاً يحتذى به عالمياً في مجال الاقتصاد الأخضر.
توطين الصناعة
وترسيخاً لجهود دولة الإمارات نحو الانتقال إلى حلول النقل الخضراء افتتحت مجموعة «إم جلوري القابضة»، في العام الماضي مصنع الدماني لتصنيع السيارات الكهربائية في مدينة دبي الصناعية التابعة لمجموعة تيكوم، حيث تعد المنشأة الصناعية الأولى من نوعها في دولة الإمارات.
كذلك وقعت كيزاد التابعة لقطاع المدن الاقتصادية والمناطق الحرة في مجموعة موانئ أبوظبي في سبتمبر 2022 اتفاقية تأجير مع شركة "إن دبليو تي إن" تتضمن تأسيس منشأة لتجميع السيارات الكهربائية في إمارة أبوظبي بهدف تلبية الطلب المتنامي على خيارات النقل المستدام.
وتُشغِل "إن دبليو تي إن" بموجب الاتفاق منطقة مخصصة لتصنيع السيارات واختبارها والخدمات اللوجستية ذات الصلة تمتد على مساحة 25 ألف متر مربع مطورة من قبل كيزاد، وبطاقة إنتاجية سنوية تتراوح ما بين 5 إلى 10 آلاف سيارة كهربائية سنوياً مجمّعة وفق نظام تجميع قطع الغيار غير المفككة بالكامل للمركبات الكهربائية. وستشهد المرحلة الثانية من المشروع رفع الطاقة الاستيعابية الإنتاجية إلى 50 ألف سيارة سنوياً.
بنية تحتية متطورة
ونجحت دولة الإمارات بفضل امتلاكها بنية تحتية متطورة وقدرات تكنولوجية حديثة في أن تحتل مركز الصدارة على مستوى منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد شواحن السيارات التي تمتلكها. وتعكف الدولة حالياً على إدخال شركات جديدة تعمل على توفير أجهزة شواحن متطورة قادرة على شحن السيارة بالكامل خلال مدة تتراوح ما بين 15 إلى 20 دقيقة، الأمر الذي سيشجع فئات جديدة على امتلاك سيارات صديقة للبيئة.
ووفرت دولة الإمارات بنية تحتية متكاملة لمحطات شحن السيارات الكهربائية، حيث تتوزع مواقع الشحن بكثافة كبيرة في إمارات الدولة المختلفة، وقد سجلت مبادرة «الشاحن الأخضر للمركبات الكهربائية» التي أطلقتها هيئة كهرباء ومياه دبي في 2015، لتحفيز اقتناء المركبات الكهربائية، حتى نهاية 2022 أكثر من 720 ألف عملية شحن تم رصدها من خلال استخدام محطات الشاحن الأخضر التابعة للهيئة من خلال 9653 مركبة كهربائية مسجلة في المبادرة، حيث زودت الهيئة عبر المبادرة ما يزيد على 13,264 ميجاوات ساعة من الكهرباء لشحن المركبات الكهربائية في إمارة دبي منذ العام 2015، مما ساهم في قطع ما مجموعه 66,322,543 كيلومتراً باستخدام المركبات الكهربائية.
وحققت المبادرة نجاحاً تمثل بوصول عدد محطات "الشاحن الأخضر" في الوقت الحالي أكثر من 370 محطة شاحن أخضر، تتضمن ما يزيد على 650 نقطة شحن منتشرة في جميع أرجاء دبي. وتهدف هيئة كهرباء ومياه دبي إلى الوصول بعدد محطات الشاحن الأخضر إلى 1,000 محطة بحلول عام 2025. وكان لهذه المبادرة أثر كبير في الزيادة الملحوظة في أعداد السيارات الكهربائية في دبي.
محفزات حكومية
وفي إطار جهود دولة الإمارات لتشجيع استخدام وسائل النقل المستدامة المتمثلة بالمركبات الكهربائية والهجينة، أطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي موقعاً إلكترونياً شاملاً مخصصاً لأحدث المستجدات والمعلومات المتعلقة بالمركبات الكهربائية في دبي.
ويهدف موقع "مجتمع السيارات الكهربائية في دبي" إلى زيادة استخدام السيارات الكهربائية من خلال مركزية المعلومات المتعلقة بأحدث تطورات السيارات الكهربائية في دبي. كما يغطي الموقع أحدث الاستراتيجيات الحكومية والأهداف والمحفزات واللوائح ذات الصلة بالسيارات الكهربائية، إلى جانب أحدث طرازات السيارات الكهربائية المتوفرة في دولة الإمارات، ومعايير محطات الشحن والتركيبات والمواقع، فضلاً عن خطط التأمين المتاحة وقروض السيارات الخضراء لشراء المركبات الكهربائية.
حلول النقل الأخضر
وفي إطار استعداد دولة الإمارات للمستقبل ومواكبة التغيرات الكبيرة التي يشهدها قطاع النقل، وحرص الدولة على التحول نحو حلول النقل الخضراء، وقعت «بيئة لإعادة التدوير» اتفاقاً مع وزارة الطاقة والبنية التحتية والجامعة الأمريكية في الشارقة بهدف التعاون واستكشاف آفاق إنشاء أول مصنع لإعادة تدوير بطاريات المركبات الكهربائية منتهية الصلاحية، الأمر الذي يرسخ جهود دولة الإمارات الرامية إلى تحقيق الحياد الكربوني والنمو المستدام الخالي من النفايات لسوق المركبات الكهربائية، والذي يتماشى مع برامج الاستدامة الوطنية والإقليمية والعالمية.