افتتحته قبل الحرب مباشرةً في سورية.. شركة الإسمنت الفرنسية العملاقة لافارج دفعت الملايين إلى داعش
أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أنّ شركة "لافارج" الفرنسية، الأكبر في العالم في مجال إنتاج الأسمنت، متورّطة بدفع ملايين الدولارات لتنظيم "داعش"، حتى تتمكن من مواصلة العمل في فرعها في سورية الذي افتتحته قبل الحرب مباشرةً. وكشفت الصحيفة أن ما أسمته بـ"الصفقة القاتمة" يتجاوز دفع أموال الحماية، إلى معاملة الشركة للتنظيم كحليف استراتيجي، بحيث كانت "لافارج" تشتري المواد الخام من بائعين معتمدين من قِبَل "داعش"، وتزود التنظيم بالأسمنت، وتدفع له المال لتضييق الخناق على المنافسين، وتحديداً واردات الأسمنت القادمة عبر الحدود من تركيا. وشدّدت الصحيفة على أنّ إدارة الفرع السوري في لافارج كانت على علم تام بما تفعله، وقد حاولت جاهدة إخفاءه، لافتةً إلى أن الرئيس التنفيذي للشركة في سورية، برونو بيشو، أرسل رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وسيط، يشدّد فيها على عدم إظهار اسم الشركة في تصاريح المرور التي يصدرها تنظيم داعش للشاحنات، والاكتفاء بعبارة "مصنع الأسمنت". ورأت الصحيفة أنّ كون المصنع الواقع في الجلابية، شمالي سورية، واحداً من 1600 مصنع تابعاً للشركة في 61 دولة حول العالم، لا يجعل ما يحصل فيه بعيداً عن ملاحظة المقر الرئيسي، مؤكدةً على تواطؤ المسؤولين التنفيذيين في مكاتب "لافارج" في باريس في العلاقة مع داعش، كما تظهر عشرات رسائل البريد الإلكتروني والوثائق الداخلية. وكانت وزارة العدل الأميركية، وبناءً على مثل هذه الأدلة، قد وجّهت اتهامات جنائية ضد "لافارج"، التي اندمجت مع شركة هولسيم السويسرية العملاقة في العام 2015، وفرضت عليها غرامة قدرها 778 مليون دولار، ووصف أحد المدّعين العامين تصرفات "لافارج" بأنها "جريمة مذهلة". وعلى أثر هذه الدعوى، رفعت مجموعة تضم أكثر من 800 أيزيدي، دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد الشركة بسبب مساعدتها للتنظيم الذي قتل واختطف واغتصب الآلاف من أفراد هذه الأقلية الدينية شمالي العراق، كما رفع آخرون عانوا من إرهاب "داعش" دعاوى قضائية منفصلة، بينهم صحافيون وجنود وعمال إغاثة أميركيون.
ونقلت الصحيفة عن أحد المحامين قوله إنّ هذه الدعوى، ودعوى أخرى تواجهها الشركة في فرنسا، تبقى قضايا مدنية، ولو خسرتها "لافارج"، فإن العواقب ستكون مألوفة للغاية، إذ تدفع الشركة مبلغاً معقولاً كتعويضات، وتتلقى من المحكمة توبيخاً صارماً، وتعود إلى العمل كالمعتاد. وتشكل الشركات المتعدّدة الجنسيات أهدافاً مراوغة في مجال جرائم الحرب، بحسب الصحيفة، التي أوضحت أنّ سلوك الشركات غالباً ما يتم في الخفاء، لذا فإن الحصول على الأدلة أمر صعب، مستعيدةً مقولة للمحامي إدوارد ثورلو في القرن الثامن عشر، مفادها أنّ "الشركات ليس لديها أجساد لتعاقبها، ولا أرواح لتدينها"، لذا فلا معادل مؤسسي حتى الآن لوضع مجرم حرب خلف القضبان مدى الحياة. وأشارت الصحيفة إلى أنّ "لافارج" الواثقة من قدرتها على إخفاء آثارها، كانت تقوم بتمرير الأموال عبر 54 حساباً مصرفياً مختلفاً، لجعل المعاملات صعبة التتبع، وفقاً لما أظهرته الدعوى القضائية الجارية في الولايات المتحدة، وبالنسبة لوسطائها، كانت "لافارج" تبرم عقوداً غامضة لخدمات مثل "الاستشارات البيئية"، حتى تتمكن من إرسال الأموال المخصصة لتنظيم "داعش" إليهم. وقال أحد المديرين التنفيذيين في الشركة للصحيفة، إنّ الحكومة الفرنسية عرفت بالتأكيد أنّ لافارج تدفع للإرهابيين المال للسماح لها بالبقاء في البلاد، قائلاً "لم تكن فرنسا تريد أن تخرج لافارج من سورية في ذلك الوقت". وأشارت إلى أن مدير أمن لافارج في باريس، جان كلود فيار، وهو جندي سابق في القوات الخاصة الفرنسية، التقى أجهزة المخابرات الفرنسية 33 مرة على الأقل، بين العامين 2012 و2014، وفقًا لصحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية. وصرح رئيس عمليات الشركة، أن وزارة الخارجية الفرنسية شجعت الشركة على البقاء في سورية، للحفاظ على العلم الفرنسي مرفوعاً، بينما قال وزير الخارجية الأسبق لوران فابيوس أثناء التحقيق معه إنه "لا يتذكر الأمر بوضوح".