واشنطن بوست: اغتيال سليماني تصعيد دراماتيكي قد يؤدي إلى عنف واسع النطاق
علقت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية على اغتيال اللواء قاسم سليماني معتبرة أنه تصعيد دراماتيكي للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن يؤدي إلى عنف واسع النطاق في المنطقة وخارجها. وقالت الصحيفة إنه على الرغم من فترة طويلة من التوتر المتزايد بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تعهدت بموقف أكثر تشدداً من دعم طهران للجماعات الوكيلة لها، فإن الهجوم على شخصية لا تضاهى في المؤسسة الأمنية الإيرانية كان بمثابة مفاجأة لكثير من المحللين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه كان ينظر إلى أن ذلك من المحتمل أن يشعل رداً إيرانياً كبيراً. ووصف إيلان غولدنبرغ، الذي عمل على قضايا الشرق الأوسط خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، هذه الخطوة بأنها "تغيير كبير في اللعبة" في المنطقة.وقال غولدنبرغ، وهو باحث الآن في "مركز الأمن الأميركي الجديد": "إيران ستسعى للانتقام، فقد تصعد في العراق أو لبنان أو الخليج أو أي مكان آخر. قد تحاول استهداف كبار المسؤولين الأميركيين". وأضاف: "لسوء الحظ، أشك بشدة في أن إدارة ترامب قد فكرت في الخطوة التالية أو تعرف ما يجب فعله الآن لتجنب حرب إقليمية." ورأت "واشنطن بوست" أن الهجوم، الذي قال وزير الدفاع الأميركي مايك إسبر إنه مصادق عليه من قبل الرئيس ترامب، يثير أسئلة جديدة حول مقاربة الرئيس للشرق الأوسط. فبينما استخدم ترامب خطاباً مخادعاً وأذن بالعديد من الضربات ضد الحكومة السورية، حليفة طهران، فقد أعرب مراراً عن رغبته في إخراج الولايات المتحدة من الحروب الباهظة الثمن في المنطقة. وأضافت أن الهجوم بدا أنه يهدف إلى شل قوة كانت طليعة الجهود الإيرانية المستمرة منذ عقود لتشكيل الأحداث في الشرق الأوسط لصالحها. فقد انضم سليماني، الذي نشأ من بيئة فقيرة في جنوب شرق إيران، إلى فيلق "حرس الثورة" عندما كان شاباً، ثم تولى لاحقاً قيادة "قوة القدس"، جناحه الخارجي، في أواخر تسعينيات القرن العشرين. فتحت قيادته، وسعت القوة دعمها للجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في العراق، حيث ألقى المسؤولون الأميركيون باللوم على الميليشيات التي تدعمها إيران في قتل 600 جندي أميركي على الأقل بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. كما تمت تسمية القوة في مؤامرة 2011 لاغتيال دبلوماسي سعودي في مطعم في واشنطن. في السنوات الأخيرة، شوهد سليماني بانتظام يقوم بزيارات للميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا وأماكن أخرى، مما يدل ليس فقط على نفوذه العسكري ولكن على نفوذ دبلوماسي كبير. ولكن بعد أن استولى "داعش" على مساحات شاسعة من العراق في عام 2014، كانت الميليشيات العراقية المرتبطة بسليماني متحالفة مؤقتاً مع أهداف مكافحة الإرهاب الأميركية في العراق لأنها لعبت دوراً مهماً في الدفاع عن بغداد وسحق قبضة تنظيم "داعش" على المدن والبلدات العراقية. وقال مارك بوليميروبولوس، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والذي يتمتع بخبرة واسعة في مجال مكافحة الإرهاب في الخارج، والذي تقاعد هذا العام: "كان سليماني شخصية محبوبة في إيران، والأهم من ذلك، كان أداتهم الرئيسية المستخدمة لإظهار القوة في المنطقة". وأضاف: "من أجل شرعية النظام الإيراني، يجب توقع رد فعل قوي ضد الولايات المتحدة. يحتاج الرأي العام الأميركي إلى فهم أننا قد نفقد أرواحاً أميركية بعد هذا الفعل". كان رد فعل الكونغرس على الضربة، مع استثناءات قليلة، منقسماً على أسس حزبية، حيث حيا الجمهوريون الرئيسيون ترامب لتقديره "العدالة" بشكل حاسم ضد إيران، بينما حذر كبار الديمقراطيين من أن الضربة "غير المتناسبة" من شأنه أن تؤدي إلى "تصعيد لا مفر منه تقريباً". وفي حديثه للصحافيين، قال إسبر إن البنتاغون مستعد للقيام بعمل عسكري لاستباق هجمات الميليشيات. وأضاف: "لقد تغيرت اللعبة. ونحن على استعداد للقيام بما هو ضروري للدفاع عن موظفينا ومصالحنا وشركائنا في المنطقة." وقال مسؤول أميركي إن مناقشة الضربة بدأت بعد مقتل المقاول الأميركي. يوم الأربعاء، ألغى وزير الخارجي الأميركي مايك بومبيو فجأة رحلة مخططة إلى أوروبا الشرقية، مشيراً إلى ضرورة البقاء في واشنطن "لمواصلة مراقبة الوضع المستمر في العراق وضمان سلامة وأمن الأميركيين في الشرق الأوسط". وقال مسؤول أميركي رفيع مطلع على الأمر، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة المسائل الداخلية، إن بومبيو أراد أن يكون بالقرب من ترامب لإسداء المشورة له بشأن الوضع المتطاير. وقالت "واشنطن بوست": "ليس من الواضح ما هي الإجراءات التي ستتخذها إدارة ترامب لحماية الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين من الانتقام الإيراني". وقال مسؤولون أميركيون إنهم يتخذون خطوات للدفاع عن الأميركيين. وقال أحد المسؤولين "نحن ندرك جيداً احتمال الرد الإيراني". في الأسبوع الماضي، قامت الإدارة الأميركية بنشر 750 جندياً من كتيبة التدخل السريع من الفرقة 82 المحمولة جواً إلى الكويت، وهي نقطة انطلاق للقوات التي تدخل العراق. وتم إرسال حوالى 100 من مشاة البحرية إلى بغداد لحماية السفارة بعد حصارها. ويتمركز نحو 5000 جندي أميركي في العراق كجزء من الجهود المبذولة لمحاربة فلول "داعش" ودعم قوات الأمن العراقية. في حين أن عدد الدبلوماسيين هناك أقل بكثير مما كان عليه في السنوات الماضية، فقد اضطر مئات من موظفي السفارة إلى اللجوء إلى غرف آمنة خلال الحصار الذي وقع هذا الأسبوع. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين مطلعين على الوضع قولهم إن الدبلوماسيين في السفارة الأميركية المترامية الأطراف قد بدأوا في الاستعداد في حالة وجود أمر إخلاء محتمل. وقال مسؤول في قوة مكافحة الإرهاب في العراق إنه تم إصدار أمر بإغلاق جميع مداخل المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم وزارات حكومية رئيسية وسفارات أجنبية ونشرها داخلها. وفي وقت سابق من يوم الخميس، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي إن مجمع السفارة، الذي يحتوي على مكاتب ومساكن ويشغل أكثر من 100 فدان في المنطقة الدولية في بغداد، بقي آمناً. وقال ميلي: "هناك قوة قتالية كافية هناك، جوية وبرية، يمكن لأي شخص يحاول تجاوزها أن يصطدم بمنشار حديد". ورجحت "واشنطن بوست" أن تؤدي الغارة الجوية التي وقعت يوم الخميس إلى زيادة توتير العلاقات الأميركية مع الحكومة العراقية، والتي تضم مسؤولين كبار يُعتبرون موالين قويين لطهران. وتعيش الحكومة العراقية أزمة منذ أشهر وسط احتجاجات شعبية واسعة النطاق تركز على الفساد على نطاق واسع، وإلى حد أقل، على النفوذ الإيراني في العراق. ودفعت التعبئة الجماهيرية رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى الاستقالة في أواخر العام الماضي، رغم أنه لا يزال في منصبه كرئيس حكومة تصريف الأعمال.