سيريا ستار تايمز - وكالة إخبارية عالمية


كيف استُهدف قادة الحشد على صفحات الأخبار فقط؟


كان لافتاً نشر أخبار بعد منتصف ليلة أمس، عن استهداف في منطقة التاجي ببغداد لموكب من الحشد الشعبي، وتداول مجموعة من قيادات الحشد على أنهم كانوا ضحية الاستهداف، وخصوصاً أن من قام بنشر هذه الأخبار كانت صفحات عالمية لا تعنى بنشر الأخبار العاجلة، بل بالقصص الأكثر انتشاراً.

يوم السبت عند الساعة 1:47 صباحاً بتوقيت القدس، نشرت صفحة "Moments MENA" التابعة لشركة "تويتر"، والتي تنشر أبرز القصص التي تحظى بتفاعل كبير على الموقع، تغريدةً أعلنت فيها "مقتل 6 أشخاص من بينهم نائب قائد ميلشيا سرايا الخراساني حامد الجزائري في القصف الذي شنته أمريكا على منطقة التاجي في بغداد"، بحسب قولها.

اللافت أن الصفحة التي ترصد "أهم الأخبار" المتداولة على "تويتر"، نقلت الخبر عن صفحة "صحيفة المناطق السعودية". وهي صفحة إلكترونية تهتم بالشأن السعودي المحلي، نشرت الخبر عند الساعة 1:25 صباحاً، وزعمت أن مصدره "التلفزيون العراقي"، في حين أن الأخير لم يذكر أو يحدد أياً من الشخصيات المستهدفة، لا بل على العكس من ذلك، فإنه نقل تسجيلاً صوتياً عن الجزائري ينفي فيه مقتله في الغارة.

بعد نفي سيريا ستار تايمز في الساعة 01:41 مقتل أيّ قيادي في الاستهداف الأميركي، حذفت "Moments MENA" التغريدة المنقولة عن الموقع السعودي، لكنها نشرت تغريدةً أخرى عند الساعة 2:04 صباحاً بتوقيت القدس، بعنوانٍ مختلف لم تحدد فيه اسم أيّ قيادي في الحشد الشعبي، بخلاف التغريدة الأولى، مكتفيةً بالقول "قصف جديد شنته أمريكا على منطقة التاجي ببغداد أسفر عن قتلى"، لكن بقي مصدر الخبر هو الموقع السعودي، بمعنى أن الضغط على خبر Moments MENA يأخذ المتصفح إلى خبر الموقع السعودي، والذي بقي منقولاً عن التلفزيون العراقي، الذي لم يورد هذا الخبر أبداً.

بدا واضحاً أن الصفحة التابعة لشركة "تويتر" تعمدت نقل هذا الخبر تحديداً عن موقعٍ مغمور لا هوية واضحة له، ولا يتمتع بأية مصداقية، في حين أن معظم أخبارها الأخرى تُنقل عن صحف ومواقع ووكالات عالمية وتكون موثقة. مقابل ذلك، فإن معظم المواقع والصحف العربية على وجه التحديد نقلت الخبر عن "Moments MENA" كمصدرٍ موثوق، من بينها "المصري اليوم" و"الشرق الأوسط"، في حين أن "Moments MENA" لم تقم بالتأكد من التلفزيون العراقي أو أقلها من المواقع العراقية الموثوقة عن صحة الخبر. قبل ذلك، وتحديداً عند الساعة 12:48 صباحاً، قام الصحفي والكاتب في العديد من الصحف العالمية، حسن حسن، بإعادة تغريد لخبر حول الاستهداف الجوي في التاجي، وذلك بعد حوالي 10 دقائق من نشرها على الصفحات.

بعدها، نشر حسن تغريدةً أخرى قال فيها إن "الإعلام العراقي الرسمي أكد حصول الضربة...".

في البداية، أكد حسن الضربة نقلاً عن الإعلام العراقي الرسمي، ليعود بعدها وينشر تغريدة يتحدث فيها عن "أخبار متداولة" تقول إن المستهدف هو القيادي في الحشد الشعبي شبل الزيدي، أعقبها بتغريدٍ أخرى نقلاً عن موقع قناة "الحرّة" عن "مقتل قائد ميليشيا عراقية وشقيقه وخمسة من مساعديه في هجوم أميركي جديد" مع صورة للقيادي شبل الزيدي.

واللافت أن قناة "الحرة" نقلت الخبر بدورها عن وسائل إعلام عراقية لم تسمّها. وعند الساعة 1:30 صباحاً وبالتوازي مع نشر الخبر على صفحة "صحيفة المناطق السعودية" نشر حسن تغريدةً زعم فيها أن كتائب "عصائب أهل الحق" أعلنت مقتل حامد الجزائري، نائب قائد "سرايا الخراساني" في غارة جوية، وذكر في الخبر أن عصائب "أهل الحق" موالية لإيران.

يتضح أن قناة "الحرة" والصحافي حسن حسن، استندا في أخبارهما على مواقع عراقية ذات توجه معادي للحشد الشعبي، ومن ضمنها "وكالة أنباء العراق الدولية" (وعد) وهي وكالة غير رسمية (من أوائل الذين نشروا الخبر عند الساعة 12:53 صباحاً)، بالإضافة إلى موقع "بغداد بوست"، الذي يديره المدعو سفيان السامرائي، المعروف بقربه من الإمارات المتحدة، والذي نقل الخبر عن مصادر أمنية لم يحدّدها.

إذاً، ما بين الساعة 12:45 والساعة 2:30 صباحاً تم الترويج لأسماء قياديين من "الحشد الشعبي" بطريقة ممنهجة ومقصودة على أنهم قتلوا في "حادثة التاجي". عدّة صحف ومواقع وقنوات عربية نقلت مزاعم مقتل قيادات الحشد عن تلك المواقع والصفحات، من دون التأكد من صحتها. ولم تقف الأمور عند العراق بل تعدتها إلى اليمن، حيث نشرت صفحة "intel sky" التي ترصد نشاط الطائرات في منطقة الشرق الأوسط، نشرت تغريدةً تحدثت فيها عن غارةٍ على اليمن "استهدفت شخصية حوثية مهمة" لم تسمها، بعد نشرها لتغريدةٍ تحدثت فيها عن تحليقٍ للطائرات الحربية الإسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية. لكن الأغرب من ذلك، كان الترويج لإمكانية حدوث غارة على سوريا بالتوازي مع ما حصل في العراق.

نحن في سيريا ستار تايمز راقبنا مسار الأحداث لحظة بلحظة، استمراراً لتغطيتنا الطويلة يوم أمس الجمعة، وكنا نرصد نشر الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتس اب، لذلك استنتجنا أنها حملة تخويف وتهويل ممنهجة ومنظمة، نشرح من خلال هذه النقاط: - توقيت النشر: تم النشر بعد منتصف الليل، أي في وقت يكون الغالبية نائمون، وخصوصاً بعد نهار طويل من المتابعة، أيضاً وسائل الإعلام في الشرق الأوسط والتي كانت منهمكة في تغطية نبأ الاستشهاد منذ ساعات الفجر الأولى، قد أوقفت تغطياتها وعادت إلى الرصد العادي، ما يعني إمكانية تمرير خبر يحتاج وقتاً كبيراً للتأكد من صحته ونفيه. يعرف مستخدمو منصة "تويتر" يحظى بأكبر نسبة تفاعل في هذا التوقيت بالنسبة للجمهور الغربي وخصوصاً في الولايات المتحدة، ما يعني أن فيه رسالة للجمهور الأميركي. - عملية التهويل سبق ومورست قبل ذلك، وخصوصاً لحظة إعلان استشهاد سليماني والمهندس، حيث نشرت وسائل إعلام عربية أخباراً عن اعتقال قادة آخرين في الحشد الشعبي، منهم هادي العامري والشيخ قيس الخزعلي، والذي تبينت أنها أخبار عارية من الصحة.

- تهدف هذه الحملات بالدرجة الأولى إلى التخويف ونشر الذعر، ضمن المجتمعات المستهدفة، وهنا الحديث بالتحديد عن بيئة محور المقاومة، والاستفادة من خبر كبير كاغتيال سليماني والمهندس للإيحاء بأن المحور بكل قياداته وفصائله ومناطق انتشاره ضمن دائرة الاستهداف، ما يوحي بالضعف والتوتر، ويثبت ذلك أن الأخبار التي انتشرت ترافقت مع استهدافات في اليمن، واستهداف قادة عدة في العراق. - نلاحظ أيضاً أن هذه العملية قامت على مبدأ نشر الأخبار على منصات ذات حضور عالمي، لتأخذ منها وسائل إعلام إقليمية ومحلية، وهو ما يتم بالطريقة العكسية في الأخبار العادية، فصفحة مثل Moments MENA تنشر القصص التي تم التفاعل عليها وأصبحت حدثاً كبيراً ساهمت وسائل الإعلام المحلية في نشره. - من المعلوم استخباراتياً أن تقنية بث المحتوى الزائف التي تم اعتمادها في هذه الحالة، تستخدم لاستدراج الشخصيات المستهدفة لتصرح عن مكان وجودها، حين تضطر لنفي أنباء استهدافها، فيسهل تتبعها استخبارياً، أو ليقوم الجمهور المتابع والمهتم ببث أخبار عن هذه الشخصيات وكشف معلومات قد تكون مفيدة لأجهزة استخبارات معينة، لناحية رصد التحركات ومسار انتشار الأخبار وإعادة توزيعها. - بعض الأشخاص قاموا بالتنبيه من نقل هذه الأخبار والشائعات وخطرها، ومحاولة الطلب من النشطاء عدم نشر الأسماء دون التثبت، وهذا يحتم ضرورة التنبيه بشكل دائم من مسؤولية نشر المعلومات والأخبار والتحري عنها وعن مصادرها قبل النشر.

سيريا ستار تايمز - syriastartimes,