لبنان.. الأزمة تتأجج في الشارع وسط تحذير من العواقب
تأجج الوضع في لبنان، خلال الأيام الأخيرة، مع سقوط مئات الجرحى من المتظاهرين وقوات الأمن، في احتجاجات تطالب بالتغيير السياسي وتنحية الفساد الذي جر اقتصاد البلاد إلى شفير الهاوية. وأجرى الرئيس اللبناني، ميشال عون، مشاورات مع كبار المسؤولين في البلاد، مثمنا جهود قوات الأمن، ودعا إلى التمييز بين المتظاهرين ومن وصفهم بمثيري الشغب. وأصيب السبت أكثر من 377 شخصا، من جراء مواجهات غير مسبوقة منذ اندلاع التظاهرات في 17 أكتوبر الماضي، على إثر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها البلاد. وأطلقت قوات الأمن في بيروت، السبت والأحد، الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، واستخدمت خراطيم المياه لتفريق متظاهرين تجمهروا قرب مجلس النواب، مصرين على اقتحام المجلس. وجرى تكليف الوزير السابق حسان دياب، الشهر الماضي، بتشكيل الحكومة الجديدة، بدعم من جماعة حزب الله وحلفائها، لكن لم يتم إعلان اتفاق على تشكيل حتى الآن. من ناحيته، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري، الاثنين، إن لبنان بحاجة إلى "حكومة جديدة على وجه السرعة توقف مسلسل الانهيار والتداعيات الاقتصادية والأمنية".
المشنوق: "حصاد متوقع"
وقال وزير الداخلية اللبناني السابق وعضو البرلمان الحالي، نهاد المشنوق، إن التوتر الذي شهدته بيروت، مؤخرا، ناجم عن تفاقم الوضع الاقتصادي وعجز الساسة عن تشكيل حكومة تنقذ البلاد من الخراب. وأوضح المشنوق، في حديث مع قناة "سكاي نيوز عربية"، أن الوضع صار مترديا في لبنان بشكل مقلق، حتى أن أزمة الكهرباء دخلت عامها الحادي عشر، بينما كانت البلاد تقدم خدمات ممتازة في مرحلة إعادة الإعمار بعد سنة 1992. ويرى المشنوق أن تعبير الناس عن مطالبهم بهذا القدر من الغضب أمر متوقع، في ظل تواصل الأزمة السياسية فيما يفترض أن حسن دياب يفاوض أحزابا متحالفة ومتفاهمة، لكن لا شيء غير الشلل المستمر. وأشار إلى أزمة المصارف ومهاجمتها من محتجين، متسائلا حول رد الفعل المنتظر ممن وصفهم بـ"الرهائن" أي ما يقارب مليون و850 ألف مودع لبناني وغير لبناني لا يستطيعون أن يسحبوا مبالغ تفوق 200 دولار "هل ينتظر أن يعبروا هؤلاء عن فرحتهم مثلا". ونبه المشنوق إلى أنه ليس بوسع أي طرف أن يضبط ردود الأفعال في البلاد، مؤكدا أن المتظاهرين وعناصر الأمن يشكلون ضحايا للأزمة في نهاية المطاف "الاثنان مقهوران".
وأورد المشنوق أن الاجتماع الأمني الكبير الذي انعقد، بين الرئيس عون ومسؤولين كبار سعى إلى تعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية، بعدما ظهر خلل وتقصير خلال الآونة الأخيرة. أما الحملة التي تشن من أطراف في فريق رئيس الجمهورية ضد حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، ففي غير محلها، بحسب المشنوق، لأن الأزمة الحالية نشأت بسبب الفراغ السياسي والتعطيل الذي تعرضت له عدة حكومات، ولا يمكن أن تعزى لسلامة. وأضاف أن المؤسسات الدستورية في لبنان تعطلت نحو سبع سنوات ونصف بعد سنة 2005، سواء بتعطيل مجلس النواب أو حصار رئاسة الحكومة، حتى أن تشكيل الحكومة كان يستغرق عاما كاملا في بعض الأحيان "كل ذلك كان بسبب تمسك حزب الله بالانحياز للسياسة الإيرانية وعرقلة حكومة فؤاد السنيورة في 2007 وإقالة الحريري في سنة 2010". وأكد المشنوق أنه لو كانت هناك مؤسسات طبيعية في لبنان لما اشتكى أحد من حاكم البنك المركزي "الذي دفع عنهم ثمن الانتظار وعدم إجراء أي إصلاحات جدية".
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري، إن لبنان بحاجة إلى "حكومة جديدة على وجه السرعة توقف مسلسل الانهيار والتداعيات الاقتصادية والأمنية"، بينما التقى الرئيس ميشال عون مع قادة الأجهزة الأمنية لوضع خطة لردع الجماعات المسؤولة عن العنف. وأضاف الحريري في تغريدات على حسابه في تويتر: "استمرار تصريف الأعمال ليس هو الحل، فليتوقف هدر الوقت، ولتكن حكومة تتحمل المسؤولية". وتابع: "حكومتنا استقالت في سبيل الانتقال إلى حكومة جديدة تتعامل مع المتغيرات الشعبية، لكن التعطيل مستمر منذ 90 يوما فيما البلاد تتحرك نحو المجهول".
وتأتي تصريحات الحريري والاجتماع الأمني بعد مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين خلال اليومين الماضيين هزت العاصمة بيروت. وتلك هي أسوأ موجة عنف منذ بدء الاحتجاجات ضد النخبة الحاكمة في أكتوبر، إذ شهدت إصابة المئات بسبب استخدام قوات الأمن لمدافع المياه والرصاص المطاطي لتفريق المحتجين الذين رشقوها بالحجارة. ولم يتفق الساسة اللبنانيون على حكومة جديدة أو خطة لإنقاذ الاقتصاد منذ أن دفعت الاضطرابات الحريري إلى الاستقالة من منصب رئيس الوزراء في 29 أكتوبر، مما قوض مساعي التعافي من الأزمة. وجرى تكليف الوزير السابق حسان دياب، الشهر الماضي، بتشكيل الحكومة الجديدة، بدعم من جماعة حزب الله وحلفائها، لكن لم يتم إعلان اتفاق على تشكيل حتى الآن. وأضعفت هذه الأزمة الثقة في القطاع المصرفي، وزادت من مخاوف المستثمرين بشأن قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها لتسديد ديون خارجية ضخمة.
اجتماع أمني
وقالت مصادر إن الرئيس ميشال عون التقى مع قادة الأجهزة الأمنية اليوم لوضع خطة لردع الجماعات المسؤولة عن العنف التي جمعت الأجهزة الأمنية معلومات مفصلة عنها، مع حماية الممتلكات والمحتجين السلميين. ومن أسباب تأجيج الاضطرابات في لبنان الضغوط المالية الشديدة التي أدت لتدهور قيمة العملة وارتفاع الأسعار، ودفعت البنوك إلى فرض قيود على سحب وتحويل المبالغ النقدية بالدولار خشية هروب رؤوس الأموال. وتسببت تلك الإجراءات في تأجيج مزيد من الغضب بين المودعين الذين أنهكتهم تلك الإجراءات. وفي بيان نشرته الوكالة الوطنية للإعلام، قالت جمعية المستهلك إنها لاحظت "ارتفاع الأسعار، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، بمعدلات تتجاوز 40 في المئة خلال ثلاثة أشهر".