سيريا ستار تايمز - وكالة إخبارية عالمية


هكذا يصبح التطبيع مع إسرائيل فريضة!.. الإعلام إسرائيلية تحتفي بزيارة وزير العدل السعودي الأسبق إلى معسكر أوشفيتس


الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ووزير العدل السعودي السابق محمد العيسى، سيجري زيارة نادرة إلى معسكر "أوشفيتس" في بولندا كجزء من إحياء ذكرى "الهولوكوست"، ووسائل إعلام إسرائيلية تعتبر أن الزيارة "استمرار للاتجاه السائد في السعودية".


ذكرت وسائل إعلامٍ إسرائيلية، أن يقوم الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي: محمد العيسى، اليوم الخميس، سيجري زيارة نادرة إلى معسكر "أوشفيتس" في بولندا كجزء من إحياء ذكرى "الهولوكوست". ومن المتوقع أن يصل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، التي تتخذ من مكة مقراً لها، إلى "أوشفيتس" برفقة قادة دينيين مسلمين آخرين من أكثر من 24 بلداً، ووفد يضم مسؤولين من اللجنة "اليهودية-الأميركية"، وفق ما ذكرته صحيفة "تايم أوف إسرائيل". وأشارت الصحيفة إلى أن العيسى الذي كان يشغل منصب وزير العدل في الحكومة السعودية، سيقوم إلى جانب رجال الدين ومسؤولين من اللجنة بجولة في متحف "تاريخ يهود بولندا" في وارسو، الجمعة. وسيزورون أيضا كنيس "نوزيك" في العاصمة البولندية ومسجد محلي، حيث تعتزم المجموعة أيضاً لقاء ناجين من المحرقة الجمعة في الكنيس، كما أن العيسى سيشارك في مأدبة "سبت مشتركة". وسائل إعلام إسرائيلية وصفت خطوة العيسى بـ"المهمة بين الأديان"، معتبرةً أنها "استمرار للاتجاه السائد في السعودية التي تقاوم وبشدة إنكار الهولوكوست وأي عمل معاد للسامية". وأضافت أن هذا الاتجاه بدأه العيسى قبل عامين عندما أرسل إلى متحف "المحرقة" في واشنطن رسالة عبّر فيها عن "تعاطفه مع الضحايا" وانتقد فيها من "ينكر المحرقة".


وتأتي زيارة العيسى المتوقعة لـ"أوشفيتس" بعد زيارته المتحف "لتخليد ذكرى المحرقة"، في العاصمة الأميركية واشنطن في أيار/مايو 2018. وفي كانون الثاني/يناير 2019 كتب العيسى مقال رأي في صحيفة "واشنطن بوست" أدان فيه "الجرائم البشعة" التي ارتكبها "النازيون"، وقال إن "المسلمين حول العالم يتحملون مسؤولية تعلم الدروس من المحرقة". يذكر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، استقبل في أيلول/سبتمبر الماضي، وفداً من الرموز الإنجيلية الداعمة "لإسرائيل" يرأسه الكاتب الإسرائيلي جويل روزنبرغ، في ثاني زيارة يقوم بها إلى السعودية. وخلال اللقاء الذي حضره العيسى، "جرى تأكيد أهمية بذل الجهود المشتركة لتعزيز التعايش والتسامح"، وفق ما ذكرته وكالة "واس" السعودية.


منذ سطوع نجمه في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع وصول محمد بن سلمان إلى السلطة، كان واضحاً المسار الذي خطّه أمين عام "رابطة العالم الإسلامي". إبرازه وإعطاؤه هذا الزخم الإعلامي لا يمكن فصله عن المسار السياسي الذي اتبعه بن سلمان، والهدف؟ تهيئة الأرضية للوصول إلى مرحلة "التطبيع" الكامل مع "إسرائيل". العيسى الذي كان وزيراً للعدل في الحكومة السعودية عام 2007، يشغل منصب عضو هيئة كبار العلماء منذ 2016، إلى جانب منصب الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة مقراً لها، منذ عام 2017. واظب خلال السنوات الأخيرة على أمرٍ محدّد لا يمكن إلا أن يؤدي إلى فتح باب التطبيع مع "إسرائيل" من خلفية دينية، وتحت ذريعة "حوار الأديان". البداية "الرسمية" لهذه المهمة بدأت عام 2017، عندما زار محمد العيسى، في تشرين الثاني/نوفمبر، يرافقه السفير السعودي في فرنسا محمد الإنكاري، أكبر كنيس يهودي في باريس. حينها، أعلنت الصحافة الإسرائيلية الخبر، ووصفتها بـ"الزيارة التاريخية". وبينما واظب الإعلام الإسرائيلي على التشديد أن العيسى مقرّب من بن سلمان، فإنه ذكر أيضاً أن الزيارة التي تمت بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسيي، وحاخام كنيس باريس الكبير موشي صباغ، "مؤشر جديد على دفء العلاقات بين إسرائيل والسعودية"، كما قالت صحيفة "جيروزاليم بوست". لم يكتفِ العيسى بالزيارة تلك، بل إن مراسل صحيفة "يديعوت أحرنوت" حاوره على هامش مشاركته في مؤتمر بالأكاديمية الدبلوماسية العالمية في باريس، حيث قال رداً على سؤال عمّا إذا كان "الإرهاب الذي تنفذه مجموعات ومنظمات باسم الإسلام ضد إسرائيل وأهداف يهودية، وتربطه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يقع في إطار الإرهاب الذي تعارضه بلاده لأنه يسيء للإسلام"، رد العيسى بأن "أي عمل عنف أو إرهاب يحاول تبرير نفسه بواسطة الدين الإسلامي مرفوض". وتابع: "الإسلام غير مرتبط بالسياسة، وهو ديانة سمحة وتفاهم ومحبة واحترام الآخر". ونشرت الرابطة على حسابها في ـ"تويتر"، بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، صورة لأمينها العام وهو يرعى ندوة بعنوان "حسن الجوار والعيش المشترك" في مدينة ميلوز الفرنسية، بمشاركة الحاخام الصهيوني إلي حيون، وهو حاخام مدينة ميلوز الفرنسية، وعضو في جمعية "الحوار اليهودي-الإسلامي".
بعدها بأيام، وفي تصريحات خاصة أدلى بها العيسى، عقب محاضرة ألقاها في باريس، قال الأخير " إن "أي عمل عنف أو إرهاب يحاول التستر وراء دين الإسلام لا مبرّر له على الإطلاق، ولا حتى داخل إسرائيل"، وفق ما ذكرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، التي اعتبرت أن العيسى ومنذ تعيينه في رئاسة "رابطة العالم الإسلامي" ينشر في العالم "صورة جديدة للإسلام السعودي". يذكر في هذا السياق، أن زيارة العيسى إلى باريس حينها، تزامنت مع اللقاء الشهير الذي أجراه موقع "إيلاف" الإخباري السعودي، مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، الذي أعلن فيه عن "توافق تام ومصالح مشتركة بين إسرائيل والسعودية". وفي 26 كانون الثاني/يناير 2018 كشف روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، عن زيارةٍ قام بها إلى السعودية في كانون الأول/ديسمبر عام 2017. ويذكر ساتولف أنه ترأس وفداً من "الرؤساء العلمانيين لمركز الأبحاث لشؤون السياسة الخارجية" الذي يديره، إلى الرياض. ومن بين كبار المسؤولين الذين التقى بهم خلال زيارته التي استغرقت ثلاثة أيام الأمين العام لـ "رابطة العالم الإسلامي" محمد العيسى. يتحدث ساتولف عن الترابط الوثيق بين السياسة والدين في المملكة، لتكون مدخلاً لما وصفه بـ"ملاحظة مثيرة للإعجاب" أثارها العيسى. ويقول إن العائلة المالكة تعتمد على "حماية الأماكن المقدسة في مكة والمدينة كمصادر رئيسية لشرعيتها". ويتابع: "لكن في اجتماعنا أثار العيسى ملاحظة مثيرة للإعجاب. ليس فقط من خلال تأكيده على التزامه الراسخ بالتواصل الديني - وهو أمر غير عادي بالنسبة للسعودية - وتحدّثه باعتزاز عن زيارته الأخيرة إلى كنيس يهودي في باريس، إلّا أنّه رفض أن يلتقط الطُّعم عندما سُئل عن رأيه حول اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل". كان ساتولف يتوقع أن يبدي العيسى قوته في الجواب، ويَعِظ حول علاقة المسلمين بالقدس ويشجب قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بسيادة الدولة اليهودية في أي مكان في المدينة، لكن كل هذا لم يحصل. العيسى اكتفى بالقول: "الرابطة ملتزمة بالسلام وليست هيئة سياسية"! حيث وضع هيمنة "إسرائيل" على مدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين، في سياق سياسي، لا علاقة لـ"رابطة العالم الإسلامي" به. عندما عاد ساتولف إلى واشنطن راسل العيسى وشكره، وطلب منه إذا ما جاء إلى واشنطن أن يزور المتحف التذكاري لـ "المحرقة" في الولايات المتحدة، ولقاء مديرته سارة بلومفيلد. وهذا ما حصل فعلاً، خلافاً لتوقعات ساتولف أيضاً. إذ توجه العيسى بـ رسالة إلى "المعهد" بذكرى "المحرقة" في 25 كانون الثاني/يناير عام 2018، تبعها في كانون الثاني/ يناير العام 2019 بمقال رأي في صحيفة "واشنطن بوست" أدان فيه "الجرائم البشعة" التي ارتكبها "النازيون"، ولما بات "تقليداً سنوياً" في ذكرى "المحرقة"، وقال إن "المسلمين حول العالم يتحملون مسؤولية تعلم الدروس من المحرقة". وبعدها، توجه العيسى في أيار/ مايو من العام 2019 إلى واشنطن، وزار متحف "تخليد ذكرى المحرقة"، بناءً على دعوة "المعهد".
واستضاف "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" العيسى، خلال تلك الزيارة، حيث تطرّق الأخير في كلمته عن رأيه بـ"السلام مع إسرائيل" قائلاً: "متى حصل هذا الحل، سنذهب سوية لنبارك هذا السلام هناك. سيكون سلاماً شاملاً". واحتفت صفحة "إسرائيل بالعربية" الرسمية والتابعة للخارجية الإسرائيلية، خلال تلك الفترة، بزيارةٍ أُعلن عنها لوفدٍ يهودي سيتوجه إلى السعودية بناء على دعوة من "رابطة العالم الإسلامي"، في كانون الثاني/يناير العام 2020.
وخلال زيارة العيسى عقد الأخير اجتماعاً مع جيسون غرينبلات، الذي كان حينها الممثل الخاص للمفاوضات الدولية للبيت الأبيض، والمعني الرئيسي إلى جانب غاريد كوشنير بتنفيذ "صفقة القرن"، حيث ثمّن غرينبلانت خلال اللقاء موقف "رابطة العالم الإسلامي" من إدانة "الهولوكوست". وتواصلت خطوات "التطبيع" برعاية العيسى تحت ذريعة الحوار بين الأديان، وفي أيلول/ سبتمبر العام 2019، استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفداً من الرموز الإنجيلية الداعمة "لإسرائيل" يرأسه الكاتب الإسرائيلي جويل روزنبرغ، في ثاني زيارة يقوم بها إلى السعودية. روزنبرغ قال، إنه بحث مع إبن سلمان "قضايا الإرهاب والسلام والحرية الدينية وحقوق الإنسان".
على هذا النحو، تبدو الزيارة التي سيقوم بها العيسى، خلال الأيام المقبلة، إلى معسكر "أوشفيتس" في بولندا كجزء من إحياء ذكرى "الهولوكوست"، غير مفاجئة وفي سياقها الطبيعي والواضح، ولا تشكّل صدمة من جهة كونها تطبيع مع منظمات وجمعيات صهيونية، تأخذ من "الهولوكوست" غطاءً لها، وذلك استناداً إلى مسارٍ طويل بدأه العيسى منذ استلامه المنصب. مسار إذا ما استمر على وتيرته فإن نهايته ستكون زيارة "كنيس" في مدينة القدس المحتلة، تحت الذريعة ذاتها، "حوار الأديان". وفيما لا تزال السعودية توارب، حول طبيعة تلك الممارسات وخلفياتها، وأهدافها الحقيقية، فإن الطرف الإسرائيلي يُظهِر الأمور بشكلٍ أوضح، بدءاً من احتفاء الإعلام الإسرائيلي بخطوات العيسى بشكلٍ مستمر ووضعها في إطار "تطبيع العلاقات السياسية" بذرائع دينية، عبر إعلاء شأن العيسى أحياناً كما فعلت "القناة 12" التي وصفته بـ"رجل الدين المسلم الكبير"، خلال حديثها عن زيارته، وصولاً إلى التعليقات الرسمية التي تصدر عن المستوى السياسي في تل أبيب والتي كان آخرها تصريح زعيم حزب "أزرق أبيض" الإسرائيلي بيني غانتس، الذي اعتبر زيارة وفد سعودي لمعكسر "أوشفيتس"، إشارة إلى عملية "تغيير مهمة في الشرق الأوسط، وفرصة كبيرة لإسرائيل". لا يهم ما تقوله السعودية، وكيف تظهر هذا الأمر، وما تقدمه من ذرائع حول "حوار الأديان" الذي توجّه وبشكلٍ مريب خلال السنوات الماضية باتجاه اليهود حصراً، بقدر ما يهم كيف تنظر "إسرائيل" لهذا الأمر، باعتباره باباً من أبواب تطبيع العلاقات معها، عدا عن رفع الغطاء الديني عن حركات المقاومةـ ضدها، الأمر الذي ظهر في تصريحات العيسى المتكررة بما يخص "العنف داخل إسرائيل". لذا، فإن العيسى وبتوجيهٍ من إبن سلمان كما هو حال جميع الإجراءات المشابهة داخل المملكة وخارجها، لم يسعَ فقط إلى إباحة العلاقة مع "إسرائيل" تحت مزاعم دينية و"حسن الجوار"، بلا الأهم وفق المفهوم السعودي للدين، هو تحريم المقاومة بعد تجريمها. واللافت أن خطوات العيسى بهذا الاتجاه، جاءت في الوقت الذي باتت فيه معظم حركات المقاومة ضد "إسرائيل" في العالمين العربي والإسلامي على "لائحة الإرهاب" السعودية. وهذا يوضح المسارين السياسي والديني اللذين تربطهما السعودية بعضهما ببعض تنفيذاً لأجندتها الخاصة.





سيريا ستار تايمز - syriastartimes,