تفاصيل صفقة القرن تكشف تلاعبا أمريكيا وإسرائيليا بالألفاظ وكيف تعتزم واشنطن الربط بين الضفة وغزة ومن سيدفع الثمن؟
وجود تناقضات بارزة في التفاصيل الدقيقة لـ"صفقة القرن" التي أزاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الستار عنها، يوم الثلاثاء، وأشادت بها إسرائيل.
ومن بين هذه التناقضات يبرز اقتراح ترامب، بإقامة "دولة فلسطينية" في نهاية المطاف، في حين أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي تحدث فقط عن "سيادة فلسطينية محدودة ومشروطة". ويمكن ملاحظة هذا "التلاعب" أيضا عند الحديث عن العاصمة الفلسطينية، حيث أن مسؤولا في البيت الأبيض أفاد للصحفيين في وقت سابق بأن خطة ترامب تطرح قيام عاصمة فلسطينية في "القدس الشرقية"، غير أن ترامب استخدم عبارة "شرق القدس". وموقف نتنياهو هو قيام العاصمة الفلسطينية المقترحة في قرية أبو ديس الواقعة في الضفة الغربية إلى الشرق مباشرة من الحدود البلدية الإسرائيلية لمدينة القدس، كما لا تقبل إسرائيل بأن يكون للفلسطينيين أي شكل من أشكال السيادة في المدينة وتعتبرها بالكامل عاصمة لها وقد تحقق لها اعتراف الولايات المتحدة بهذا الوضع في العام 2017. أما الفلسطينيون فيريدون أن تكون القدس الشرقية عاصمتهم المستقبلية، بما في ذلك المدينة القديمة الواقعة في قلبها و"تضم الحرم القدسي ومقدسات مسيحية ويهودية". كما يظهر التناقض في الحديث عن أراضي الضفة الغربية المحتلة، حيث نشرت وسائل إعلام إسرائيلية اقتباسات لمسؤولين أمريكيين لم تكشف عنهم تشير إلى أن ترامب سيقبل بقيام إسرائيل "بضم" أراض في الضفة الغربية المحتلة، غير أن إسرائيل لا تتحدث سوى عن "تطبيق القانون الإسرائيلي" في المستوطنات اليهودية أو في مناطق أخرى من الضفة الغربية. وتقول إسرائيل إن مصطلح الضم يسري على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من دولة ذات سيادة، في حين أن الضفة الغربية كانت في السابق تحت سيطرة الأردن لا الفلسطينيين. ويبرز "التلاعب" أيضا في التفاصيل الخاصة بـ"تجميد الاستيطان"، حيث أن ترامب تعهد بفرض "تجميد على الأرض" لمدة أربع سنوات في إطار المساعي الرامية لتشجيع الفلسطينيين على استئناف مفاوضات السلام المباشرة مع إسرائيل، غير أن الإسرائيليين سرعان ما قللوا من شأن أي احتمال لموافقتهم على تجميد النشاط الاستيطاني وذلك بعد أن أثارت قرارات تجميد مماثلة في السابق غضب المستوطنين من الحكومة. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول إسرائيلي كبير مشترطا عدم نشر اسمه قوله "لا يوجد تجميد" بشكل قاطع، مضيفا أن ما سيحدث هو استمرار للتوقف الحالي في النشاط حول مجموعة من المستوطنات في مناطق لا تنوي إسرائيل أن تعلن فرض الولاية القانونية الرسمية عليها.
وأصبح مشروع الطريق المزمع بناؤه للربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة بين أبرز النقاط الغامضة المثيرة للتساؤلات في الخطة الأمريكية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتنص الخطة المنشورة والمعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن" على أن الدولة الفلسطينية ستستفيد من الطريق السريع المقرر بناؤه تحت أو فوق الأراضي التي ستعود إلى إسرائيل، مشيرة إلى أن "هذا الممر الذي لم يكن موجودا قبل عام 1967 سيزيد بشكل ملموس من قيمة اتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالنسبة للجانب الفلسطيني وسيتم بناؤه كجزء من البنى التحتية الإقليمية الجديدة التي ستربط الفلسطينيين والإسرائيليين بالشرق الأوسط الأوسع".
وذكرت الخطة أن بناء شبكة النقل الرابطة بين غزة والضفة الغربية سيغير جذريا الاقتصاد الفلسطيني، موضحة أن هذا الممر المزعوم سيكون إما طريقا للسيارات أو خطا لسكك الحديد الحديثة، وأكد سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، للصحفيين أن الحديث يدور عن سكة الحديد. ومن المقرر أن يمتد هذا الطريق بين المعبر المقرر إنشاؤه غربي مستوطنة نيغوحوت القريبة من الخليل حتى أراضي القطاع، وتنص "صفقة القرن" على أن أعمال بناء شبكة النقل التي ستربط بين أكبر مدن الضفة وغزة ستستغرق ثمانية أعوام، لكن حلا مؤقتا سيتم إيجاده في غضون سنتين. وتقدر قيمة بناء هذه الشبكة المزعومة بخمسة مليارات دولار من المقرر أن تعود 1.25 مليارا منها إلى استثمارات خاصة، فيما سيأتي ما تبقى من هذا المبلغ الهائل من قروض، ومن غير المتوقع أن يقع هذا العبء المالي على عاتق الإسرائيليين والفلسطينيين. واستدعى هذا المشروع تساؤلات كثيرة لدى وسائل الإعلام بشأن الجهات التي ستعمل على تنفيذها وستتحمل تمويله، علاوة على كيفية تطبيق مثل هذه الخطة في الظروف الأمنية الراهنة. وأكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن هذا الطريق المزعوم الذي يقدر طوله بنحو 34 كلم سيكون، في حال بنائه تحت الأرض، سادس أطول نفق مروري تحت الأرض في العالم والأطول في الشرق الأوسط، لافتة إلى أن تنفيذ مثل هذا المشروع يتطلب خبرات لا تملكها إلا دول متقدمة مثل فرنسا واليابان وبريطانيا وسويسرا وكوريا الجنوبية.
في الوقت نفسه، يعد إنشاء خط نقل مغطى فوق الأرض مشروعا مرتبطا بمخاوف أمنية ويصعب تحقيقه أيضا، حسب الصحيفة. من جانبها، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن هذه المسألة تعد في غاية الحساسية بالنسبة للجانب الإسرائيلي ولم يبحثها بعد المسؤولون الأمنيون في الدولة العبرية، مشيرة إلى أن مخاوف تل أبيب تخص إمكانية استخدام الممر المزعوم في نقل أسلحة وأشخاص مطلوبين لدى إسرائيل. وكان ضمان تشغيل ممر آمن بين الضفة وغزة بين أهم بنود اتفاق أوسلو المبرم عام 1993، لكن هذا الممر الخاضع للسيطرة الإسرائيلية والممتد بين الحاجزين ترقوميا وإيرنز والذي تم تدشينه عام 1999 لم يكن مفتوحا أمام الجميع بل فقط أمام حاملي تصاريح إسرائيلية خاصة، وتم إغلاقه عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000. وسبق أن أفادت تقارير صحفية عبرية بأن حكومة إسرائيل رفضت عام 2018 مقترحا أوروبيا لتمويل مشروع مواصلات يربط بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.