منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في لبنان في 17 أكتوبر الماضي، لجأ المتظاهرون الى طرق عدة للاحتجاج، كان أبرزها في ملاحقة السياسيين في الأماكن العامة وطردهم منها بحجة انهم ملاحقون ومتهمون بقضايا فساد وتقصير في إدارة شؤون البلاد. وأخر فصول هذه الاحتجاجات، مطاردة للنائب في تكتل لبنان القوي التابع للتيار الوطني الحر زياد اسود من قبل محتجين تحولت إلى إشكال كبير تكرر على مدى يومين متتاليين، وكاد ان يتحول الى فتنة طائفية ومناطقية.
نائب "ينصب كمينا" للمتظاهرين
وشهد ليل الاربعاء اشكالا أمنيا في منطقة طبرجا في كسروان شمالي بيروت، تخلله اعتداء مرافقي النائب اسود على متظاهرين حاولوا دخول مطعم يتواجد فيه النائب اسود. وعمد مرافقو النائب إلى ضرب متظاهر من طرابلس الشمالية، مطلقين سيلا من الشتائم الطائفية والمذهبية، حيث قال أحد المرافقين للشاب الذي أجهش بالبكاء جراء الضرب: "أنت من طرابلس فماذا تفعل في منطقة كسروان"، في إشارة الى منطقة كسروان ذات الاغلبية المسيحية. وأثار الاعتداء ومشهد بكاء الشاب وليد رعد من طرابلس مضرجا بالدماء، غضبا شعبيا واسعا من قبل المتظاهرين في كل المناطق اللبنانية.
وتجمع عشرات الناشطين أمام المطعم الذي يتواجد فيه النائب وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني. واعتدى مرافقو اسود المسلحون على المتظاهرين وعلى وسائل الأعلام، وسرقوا عددا من الهواتف، إضافة إلى ضربهم عددا آخر من الشبان وتحطيم زجاج عدد من السيارات. وأدى التوتر الشديد إلى هروب النائب المذكور مع أحد قياديي التيار الوطني الحر من أحد نوافذ المطعم لجهة البحر. واتهم المحتجون اسود بأنه نصب كمينا محكما لهم بعدما نشر صورة عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر وليد أشقر على مواقع التواصل صورة له برفقة أسود، مستدرجا عن قصد عددا من الناشطين بهدف الاعتداء عليهم. وسبق هذا الاشكال، إشكال اخر مع النائب نفسه ليل الثلاثاء، حيث طارده محتجون في مطعم في منطقة جل الديب شمال بيروت، لكن أسود اصر على البقاء وانضم اليه وزير الدفاع السابق الياس بو صعب وعدد من نواب التيار الوطني الحر. ووقعت اشتباكات بين مرافقين مسلحين ومناصرين لعهد رئيس الجمهورية ميشال عون وبين المتظاهرين المتواجدين خارج المطعم، وتجمع المئات مطلقين شعارات ضد الفساد وضد عهد عون والتيار الوطني الحر. وتوعد أسود المتظاهرين وقال: "لا تمزحوا معنا بعد اليوم ولن نسكت"، مطلقا جملة شتائم برفقة النواب والمرافقين الحاضرين معه على طاولة العشاء. وأدى الاعتداء ليل الاربعاء على ابن طرابلس الى خروج تظاهرات في ساحة النور في المدينة واخرى في جل الديب.
تبريرات "غير مقنعة
ووصف ناشطون خطاب النائب "العوني" بانه طائفي ومناطقي، واصفين التيار الوطني الحر بانه "تيار التشبيح" في لبنان الذي يلعب على وتر الانقسامات. ولم تنجح تبريرات النائب اسود وتياره السياسي بلجم الغضب الشعبي العارم. اذ اعتبر كثيرون ان التيار الوطني الحر "عنصري بامتياز، وتصرفه يدل على إفلاس سياسي قمعي بسبب ما حققته الانتفاضة الشعبية في لبنان". وقال جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر ان "خطاب الكراهية مستعر من فترة والتعدي على التيار متكرر وممنهج". ولفت إلى إن تياره "يواجه هذه الحملات بوعي ومسؤولية، وان العنف على اشكاله جريمة بحق الوطن". ووصف ناشطون كلام باسيل "بالمتناقض" وأنه "هرطقة وكذب"، خصوصا وأن الأحداث والصور وتصريحات قيادات التيار تؤكد أنه لا يحترم الآخر ويؤجج الطائفية والانقسامات". بدوره قدم النائب اسود رواية مغايرة لما بثته وسائل الأعلام، مؤكدا أن ما يجري يأتي ضمن إطار الحملات الممنهجة وقال إن أحد السيارات دهست اخد مرافقيه.
كسروان ترد الاعتبار لابن طرابلس
وقال ناشطون ومتظاهرون وسياسيون على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الأعلام المحلية إنهم لم يسمحوا بعد 17 أكتوبر بعودة التوترات المناطقية التي أصبحت وراء الشعب اللبناني، وأشاروا إلى اأن "طرابلس وكسروان وبيروت والجنوب والبقاع والجبل يدا واحدة ضد أحزاب السلطة وفسادها". وفي خطوة لافتة، نظم المئات مسيرة حاشدة في شوارع جونيه في كسروان تحية لطرابلس وضد "الأفخاخ الطائفية التي تنصبها أحزاب السلطة". وحضر المئات من طرابلس والشمال وكل المناطق، إضافة إلى اهالي منطقة كسروان ونظموا مسيرة في شوراع المدينة وهتفوا بشعارات "الثورة" و"كلن يعني كلن". وحمل متظاهرون من جونيه الشاب وليد رعد على اكتافهم في رد لاعتباره بعد تعرضه للضرب والاهانة على يد مرافقي النائب اسود المسلحين.
مطاردات بالجملة للسياسيين
ولجأ المتظاهرون في الأسابيع الأخيرة إلى مطاردة السياسيين في الأماكن العامة باعتبار انهم فاسدون ومرفوضون في الشارع بعد 17 اكتوبر الماضي. وفي وقت سابق، طرد محتجون رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة من الجامعة الأميركية، ونائب رئيس الحكومة السابق ايلي الفرزلي من أحد المطاعم، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس من أحد المحال التجارية في بيروت. وتعرض النائب سامي فتفت والنائب السابق اميل رحمة إلى موقف مماثل، إضافة إلى القيادي في التيار الوطني الحر جوزيف أبو فاضل ووزير الاقتصاد السابق رائد خوري الذين طردوا من أماكن عامة خلال الأيام الأخيرة. وتستمر الاحتجاجات الرافضة الطبقة السياسية في وقت تحاول السلطة قمع المتظاهرين واستدعاءهم للتحقيق في محاولة لأنهاء الاحتجاجات وإعادة الأمور إلى سابق عهدها.
حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين لمناقشة البيان الوزاريّ الذي أقرته الحكومة بإجماع اعضائها العشرين. الحكومة وبعد جلسة برئاسة الرئيس ميشال عون وحضور رئيس الحكومة حسان دياب أقرت وبالإجماع كافة بنود البيان الوزاريّ التي ركزت على الشأنين الاقتصاديّ والماليّ. كذلك تضمّن البيان فقرة عن ضرورة عودة النازحين السوريين إلى ديارهم والتمسك بحقّ لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيليّ واستعادة أرضه المحتلة بالوسائل كافة. وأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء وسيتم تنفيذ خطة الكهرباء التي أقرت عام 2019 مع بعض التعديلات عليها في حال اضطر الأمر، وهذا أمر يعود لوزير الطاقة". ولفتت عبد الصمد إلى أن رئيس الحكومة حسان دياب أطلق على الحكومة تسمية حكومة "مواجهة التحديات". وأضافت "رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال إنه بعد نيل الحكومة الثقة لا بد من العمل فوراً لتعويض ما فات من وقت، وطلب إضافة بند عودة النازحين إلى نص البيان، لا سيما وأن غالبية النازحين أتوا هرباُ من أوضاع أمنية صعبة، ولا بد من عودتهم بعدما زالت هذه الأوضاع". وأوضحت عبد الصمد، بحسب وسائل إعلام لبنانية أن "بند ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة لا خلاف عليه"، مؤكدة أن "الثقة الأساسية التي نريدها هي ثقة الشعب، والمجلس النيابي منتخب من الشعب".
حكومة لبنان تكشف "خطوات مؤلمة" لإنقاذ الاقتصاد
أفادت نسخة من بيان وزاري ختامي اطلعت عليها وكالة رويترز أن الحكومة اللبنانية أقرت خطة إنقاذ مالي تتضمن خفض أسعار الفائدة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وأخذ "خطوات مؤلمة" مع الحرص على عدم المساس بذوي الدخل المنخفض. ووافق مجلس الوزراء على البيان الختامي اليوم بتعديلات طفيفة على مسودة حصلت عليها رويترز يوم الأحد، وسيعرضها على البرلمان الأسبوع القادم في اقتراع على الثقة. وجاء في نسخة البيان الوزاري الختامي "الحكومة اللبنانية تقول يجب خفض الفائدة على القروض والودائع لإنعاش الاقتصاد وخفض تكلفة الدين العام". وأضافت "الحكومة اللبنانية ستتواصل مع المانحين الدوليين لتدبير قروض ميسرة وتمويل للخزانة". كما ستعمل الحكومة على استعادة الاستقرار المصرفي بسبل تشمل إعادة الهيكلة والرسملة واستخدام البنوك احتياطياتها وبيع استثماراتها في الخارج.
وأردفت قائلة "لا بد من بعض الخطوات المؤلمة، لكنها ستعمل على الحد من أثرها على محدودي الدخل". وزعزعت أزمة لبنان الثقة في نظامها المصرفي وزادت مخاوف المستثمرين في بلد، يئن تحت واحد من أثقل أعباء الدين في العالم. وأخفق السياسيون اللبنانيون في التوصل إلى خطة إنقاذ منذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في أكتوبر الماضي، بعد احتجاجات ضد الفساد في مؤسسات الدولة.