على حدود اليونان.. لاجئون عالقون بين ابتزاز أردوغان والتزامات أوروبا
يتكدسون بحثا عن الدفء في طقس شتوي قارس، وسط مخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة، ويحتشدون فرادى أو في مجموعات صغيرة على الحدود التركية اليونانية، بانتظار معجزة تمنحهم تأشيرة العبور إلى أوروبا، إنها صورة مصغرة لحال اللاجئين على حدود تركيا مع اليونان. لاجئون كانت تركيا وجهتهم، بينهم من قضى فيها سنوات، وآخرون كانوا يخططون للاستقرار فيها إلى الأبد، قبل أن تتجدد محنة اللجوء في قلوبهم، وتفتح أمامهم الحدود، فيجبرون على المغادرة محملين بحقائب صغيرة مهترئة، وخيبة كبيرة من سلطات بلد اعتقدوا أنها فتحت أمامهم أبوابها.
من ضيوف إلى "سلعة للتصدير"
حافلات مجانية تقل يوميا المئات من اللاجئين، معظمهم من السوريين، فيما تشير بعض الشهادات المتداولة ضمن تقارير إعلامية ومواقع التواصل إلى أن السلطات التركية بدأت بطرد اللاجئين وإجبارهم على التوجه نحو الحدود، من أجل ضمان الضغط المأمول من وراء احتشادهم على الخط الفاصل مع اليونان. وتداول المغردون صورا لـ"حافلات مجانية" تنقل اللاجئين السوريين من مدينة إسطنبول إلى أدرنة، الواقعة على الحدود التركية اليونانية.
حافلات اصطفت في شارع "الوطن"، أكبر شوارع إسطنبول، لتنقل لاجئين يقول البعض إنهم أجبروا على المغادرة، فيما يؤكد البعض الآخر أن الأمر يخدم رغبته بالوصول إلى أوروبا، بسبب التضارب بين خطابات الساسة الأتراك تجاههم. وحسب مغردين تسهل الشرطة التركية عبور اللاجئين للحدود، ولكن تبدأ الاشتباكات فور وصولهم إلى الأراضي الأوروبية، ما جعل الكثيرين يفكرون بالعودة إلى المدن التركية، وهو ما يبدو أن سلطات البلد الأخير فطنت له، من خلال إعلان إرسال تعزيزات، بدءا من اليوم الخميس، إلى الحدود مع اليونان لمنع عودة اللاجئين. وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في تصريحات إعلامية، خلال زيارة تفقدية إلى محافظة أدرنة شمال غربي البلاد: "يجري نشر ألف عنصر من قوات الشرطة الخاصة اعتبارا من صباح اليوم على ضفة نهر ميريتش على الحدود (مع اليونان)، بكامل معداتهم، للحيلولة دون عودة المهاجرين". وهروبا من أوضاعهم المزرية، شارك بعض السوريين تجاربهم بعد الوصول إلى الحدود اليونانية عبر صفحات معنية بشؤون اللاجئين في تركيا. ووصف أحدهم تجربته بـ"الصعبة والمذلة"، ونصح السوريين بالامتناع عن الهجرة لأنه يشعر "بالندم"، معربا عن استيائه من "اللعب بهم كأنهم ليسوا بشرا".
فيما انتقد آخر سياسة حزب "العدالة والتنمية" التركي الحاكم المتعلقة بالتعامل مع اللاجئين السوريين، مشيراً إلى "التناقض" بين الفعل والاتفاقيات. وأضاف: "من جديد، يدفع اللاجئ السوري ثمن السياسات الداخلية للحزب الحاكم".
من جانبهم، انتقد لاجئون آخرون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسلطوا الضوء على تحول السوريين في الخطاب التركي من "ضيوف" للبلاد، إلى "سلعة جاهزة للتصدير"، فداء لأهداف أنقرة في هذا الملف.
ابتزاز مالي وضغط سياسي
لا تعتبر هذه المرة الأولى التي يبتز فيها أردوغان أوروبا عبر ورقة اللاجئين، حيث سبق أن استخدمها في العديد من المناسبات، وتحديدا كلما أراد إجبار بلدان القارة العجوز على الاصطفاف وراءه في حروبه الخارجية سواء في سوريا أو ليبيا. وحاليا، يحاول أردوغان من خلال فتح الحدود جر أوروبا إلى مستنقع الحرب السورية، حيث يسعى للحصول على تأييد أوروبي لعملياته العسكرية شمالي سوريا خصوصاً في إدلب، كما أنه يريد من جهة أخرى الحصول على المزيد من الأموال من أوروبا".
لكن، ورغم المساومة، إلا أن خبراء يرون أن احتمالات نجاح أردوغان في ابتزاز أوروبا ضعيفة للغاية، لأن توجه بضعة آلاف من اللاجئين إلى الحدود اليونانية والبلغارية لا يمكّن من الحديث عن موجة لجوء جماعية. فالمعروف أنه في مثل هذه الحالات، من الصعب التحكم بحركات جماعية لأشخاص من سوريا وأفغانستان، وهذا خلاف لما يدعيه أردوغان، ما يعني أن محاولته الضغط على أوروبا وابتزازها ماليا لن يثمر أكله، ولن يحصل سوى على احتقار العالم الذي ظن جزء منه أنه فتح أبواب بلاده أمام اللاجئين، فها هو يطردهم منها من أجل مصالحه السياسية وأطماعه الخارجية.
خيارات أوروبية خارج حسابات أردوغان
أوروبا ردت بقوة على ما اعتبرته "ابتزازا" لها من قبل أردوغان تحت عنوان "المهاجرون مقابل الأموال وتأشيرات الدخول". جاءت الردود سريعة، حيث أكد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أن تركيا لن تحصل على إعفاءات لمواطنيها من تأشيرات الدخول إلى أوروبا، إذا لم تستجب لشروط بروكسل بتعديل قوانينها لمكافحة الإرهاب. لهجة حادة أثارت استياء الرئيس التركي الذي اتهم الاتحاد الأوروبي بـ"النفاق"، في مواجهة قوية تأتي بعد أكثر من عقد ونصف العقد من المحادثات مع أنقرة التي لا تزال تحلم بعضوية تكتل القارة العجوز.
اعتقد أردوغان أن اتفاق الهجرة الذي وقعه مع الاتحاد الأوروبي سيكون ورقة مساومة كلما أراد الحصول على تأييد في إحدى حروبه، مغفلا أن صورته التي انهارت في أعين الأوروبيين غدت أوهن من أن تحصد النتائج التي يرجوها. فبروكسل التي لم تكن راضية أصلا عن اتفاق الهجرة مع أنقرة بدأت تضع البدائل، وما لم يدركه الرئيس التركي هو أن حديث الأوروبيين مع رئيس دولة حديثة وقوية اقتصاديا يختلف كثيرا عن حديثهم مع زعيم إسلامي يحلم بأن يكون سلطانا للإمبراطورية العثمانية الثانية.