سيريا ستار تايمز - وكالة إخبارية عالمية


الخيار المر ..تركيا بين خيارين في صفقة إس 400 جراء الضغوط الأمريكية والصدام مع روسيا


ثمة عوامل خلال الآونة الأخيرة وضعت تركيا بمأزق في صفقة إس 400 الروسية، فإما أن ترضخ للضغوط الأمريكية وتتخلى عنها وإما تستمر في حالة العناد، لكن الصدام المباشر مع موسكو في إدلب السورية قد يدفعها نحو تأجيل إتمامها لإشعار آخر. وتمر العلاقات بين أنقرة وواشنطن بأزمات مكتومة وشد وجذب بين الطرفين جراء العديد من الملفات على رأسها منظومة إس-٤٠٠، حيث دأبت أنقرة على رفض جميع المطالبات بالتخلي عنها ما يفاقم التوتر. وخلال الأشهر الماضية، اتجهت أنقرة إلى موسكو لتحسين علاقاتها جراء حالة الجفاء مع واشنطن والغرب قبل أن تسوء الأمور بينهما بسبب الحرب في سوريا، حيث يدعم كل منهما طرفا وصل حد الاصطدام المباشر، ما قد يكون سببا في تفكير تركي جدي نحو العودة لبطاريات الباتريوت الأمريكية كبديل لمنظومة الدفاع الروسية والهروب من وطأة العقوبات. وانهار اتفاق بين روسيا وتركيا وإيران لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب شمال غرب سوريا مع هجوم الجيش السوري المدعوم من روسيا ضد المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا في معارك أجبرت آلاف المدنيين على الفرار إلى الحدود التركية. ومن حرب على الأرض إلى الفضاء الإلكتروني، حيث بث التلفزيون الروسي مقطع فيديو يظهر انتظارا مهينا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره فلاديمير بوتين، حيث اضطر أردوغان والوفد المرافق له انتظار بوتين دقيقتين، قبل لقائهما في موسكو في الخامس من الشهر الجاري ما أثار موجة غضب كبيرة لدى أنقرة.
وكانت تركيا قد قررت في ٢٠١٧، شراء منظومة إس ٤٠٠ من روسيا بعد تعثر جهودها المطولة في شراء أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" من الولايات المتحدة. وبالفعل تسلمت أنقرة مرحلة من هذه المنظومة، الصيف الماضي دون تشغيلها حتى الآن، وسط مطالبات من واشنطن والدول الغربية بالتخلي عنها؛ لأن أنظمة الرادار الخاصة بهذه المنظومة يمكنها تسجيل بيانات المقاتلات الأمريكية ومن ثم حصول روسيا عليها. ومنذ الإعلان عن صفقة إس 400 وهي تمثل كابوساً مزعجاً لتركيا، وظهر ذلك في حث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره التركي عشية لقائهما في واشنطن في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على ضرورة التخلص من منظومة "إس 400". وفي الشهر ذاته، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، أنه على تركيا التخلص من منظومة الصواريخ الروسية، أو أنها ستكون عرضة لعقوبات قوية سيقرها الكونجرس بأغلبية ساحقة حال طرحها على التصويت.
والخميس الماضي، وصف المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، صفقة "إس-400" الروسية التركية بأنها "أمر خطير جدا"، في ظل التطورات الميدانية الجارية بإدلب. وقال جيفري، في تصريحات صحفية، إن "شراء أنقرة منظومة "إس-400" الروسية يثير قلق واشنطن في وقت نبحث فيه الدعم الذي يمكن تقديمه بخصوص إدلب". وأضاف المبعوث الأمريكي أن بلاده "تضغط على الأوروبيين للمساهمة في التوصل لاتفاق جيد فيما يتعلق بسوريا". وأمس، قال مساعد وزير الدفاع الأمريكي، جوناثان راث هوفمان إنه ينبغي على أنقرة إعادة منظومات "إس-400" الجوية الروسية إلى موسكو، في حال كانت تسعى للحصول على منظومات "باتريوت" الأمريكية. وأضاف، خلال مؤتمر صحفي: "لقد كان موقف رئيس البنتاجون واضحا تماما منذ اليوم الأول من عمله في منصبه هذا، مفاده أن تركيا لن تحصل على باتريوت ما لم تعد إس-400". التوتر بين تركيا وواشنطن وشركاء الناتو ليس فقط بسبب التسلح التركي، ولكن أيضا سوريا؛ حيث تشعل السياسة التركية الخلاف مع حلف شمال الأطلسي، في ظل سعي أنقرة انتزاع موافقة من أعضاء الناتو على غزوها الأخير للأراضي السورية. وترى واشنطن أن منظومة الصواريخ الروسية تتعارض مع أنظمة التسليح الغربي، ناهيك عن أن إقبال تركيا على شراء المنظومة الروسية سوف يفتح شهية دول أخرى في حلف الناتو على شراء تلك المنظومة مثل اليونان. وردا على عدم امتثال تركيا لضغط الولايات المتحدة، أقصت واشنطن أنقرة من البرنامج الأمريكي الخاص بإنتاج المقاتلة القاذفة من الجيل الخامس، F-35. كما هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات عدة على تركيا. تحققت مخاوف حلف شمال الأطلسي (الناتو) من حصول تركيا على منظومة "إس–400" الروسية بعد إجرائها تجارب على مقاتلات "إف-16" وهو ما كان يحذر منه حلفاء أنقرة. ووفق شبكة "روسيا اليوم" الإخبارية، أجرى العسكريون الأتراك اختبارا لمنظومات "إس–400" الروسية في أجوائهم باستخدام مقاتلات "إف-16" المتوفرة في حوزة سلاح الجو التركي يومي 25 و26 نوفمبر/تشرين الأول الماضي. أنقرة خلال الفترة الحالية ستفكر جديا حيث إن استمرارها في صفقة إس 400 قد يكلفها خسارة عسكرية ومالية باهظة، خصوصا أن شركاتها المشاركة في برنامج (إف-35) تنتج أكثر من 900 قطعة من أجزاء المقاتلة، كما أنها ستفقد فرصة ذهبية لتحديث أسطولها الجوي، وتأمين حدودها في وقت تواجه فيه تهديدات من كل جانب جراء الحروب الكلامية التي يخوضها أردوغان مع دول الجوار والعالم. وحال طرد تركيا من الناتو أيضا ستفقد أنقرة ميزات التنسيق العسكري التي وفرها لها الحلف، كما ستفقد القدرة على تنسيق مختلف منظوماتها التسليحية، والقدرة على تحديثها فيما بعد، والأسوأ بالنسبة لها، أنها ستُحرم من أحد أهم مصادر قوتها التي تعتمد عليها لحماية سياساتها، خصوصا في منطقة شرق المتوسط. وفي سياق محاولة تخفيف التوتر مع واشنطن، أعلنت أنقرة أن تسليم الدفعة الثانية من منظومة الدفاع الروسية إس 400 قد يتأجل إلى ما بعد الموعد المحدد في 2020، بدعوى استمرار المحادثات حول تبادل التكنولوجيا والإنتاج المشترك. كما لم تشغّل تركيا بطاريات صواريخ إس 400 التي تسلمتها حتى الآن وما زالت واشنطن تأمل في إقناع حليفتها "بالابتعاد" عن المنظومات الروسية. ثمة اعتبارات تدفع أنقرة لتعليق تسلم الدفعة الثانية من المنظومة الروسية، أولها تمرير مجلس النواب الأمريكي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019، وبغالبية كبيرة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مشروعا يعترف بمذابح الأرمن شرق الأناضول في زمن الدولة العثمانية في الفترة بين 1915 و1917 إبان الحرب العالمية الأولى على أنها "إبادة جماعية". كما طالب الكونجرس ترامب بفرض عقوبات على تركيا بسبب العملية العسكرية شرقي سوريا. وتخشى تركيا التوجه العقابي للكونجرس خاصة أن تصويت مجلس النواب الأمريكي الأخير ليس هو الأول من نوعه، ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019 قدم عضوا المجلس "اليندسي جراهام وكريس فان هولن"، مشروع قانون لفرض عقوبات صارمة على تركيا بسبب عملية "نبع السلام"، وشرائها منظومة الدفاع الروسية إس 400. وقبل انتهاء عطلة الكونجرس في أغسطس/آب 2019، حضت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في تغريدة على موقع "تويتر"، الإدارة الأمريكية على فرض عقوبات على تركيا، قبل تسلمها الدفعة الثانية من منظومة الصواريخ إس 400. ويعد الكونجرس أن أنقرة خرقت قانون مواجهة خصوم واشنطن" كاتسا"، وظهر ذلك في إتمام صفقة منظومة الدفاع الصاروخية الروسية إس 400، وتسلمها أجزاء منها في يوليو/تموز 2019. كما تعالت لهجة الغضب لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف أردوغان بـ"الأحمق" عشية الغزو التركي لشمال سوريا في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
كذلك أنهت إدارة ترامب في مارس/آذار 2019، ردًّا على توقيع تركيا صفقة إس 400 مع موسكو امتيازات تجارية بقيمة 1,7 مليار دولار في إطار نظام "الأفضليات" التجاري، الذي يسمح بإعفاء تركيا من الرسوم الجمركية فيما يتعلق بنحو ألفي منتج من المنتجات الصناعية، والمنسوجات الواردة إلى الولايات المتحدة. خلف ما سبق، تخشى تركيا استمرار مواصلة الإدارة الأمريكية دعم وحدات حماية الشعب الكردية، لا سيما بعد استقبال مظلوم عبدي قائد عناصر "قوات سوريا الديمقراطية" في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي لمناقشة ترتيبات ما بعد تجميد عملية نبع السلام، وإعادة الانتشار الأمريكي قرب حقول النفط السوري شرقي سوريا. وبينما يتعامل الكونجرس مع قائد "قسد" كشخصية سياسية شرعية"، تعده أنقرة إرهابيا على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشنّ حملة تمرد منذ عقود في تركيا.



سيريا ستار تايمز - syriastartimes,