هل يتعقّل بن سلمان أم يواصل مفاجآته المتهورة؟
تساءل كتاب جديد صدر أمس في الولايات المتحدة الأميركية، عما إذا كان يمكن أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "حاكما عاقلا، أم سيستمر في مفاجآته المتهورة". وحاول كتاب "صعود محمد بن سلمان" -الذي جاء في 384 صفحة، وكتبه بن هابرد مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" بالعاصمة اللبنانية بيروت- الإجابة عن السؤال من خلال استعراض سجل ولي العهد السعودي وتحليل أهم مواقفه السياسية. وغاص الكتاب في تفاصيل تاريخية للعائلة الحاكمة في السعودية والتي دفعت بالملك سلمان بن عبد العزيز لمخالفة نهج والده مؤسس الدولة في عدم الإبقاء على سلالة العرش بين أبناء الملك، ومن ثم تصعيد ابنه المفضل محمد لخلافته في الحكم، في انقلاب سلمي على الترتيبات المتفق عليها بين حكماء العائلة. واعتمد الكاتب على زيارات مختلفة قادته لمقابلة أبرز المسؤولين والمثقفين السعوديين خلال السنوات الأخيرة، كما التقى بالعديد من المسؤولين والخبراء الأميركيين المعنيين بمستقبل العلاقات بين الرياض وواشنطن.
وذكر الكاتب أن البعض حذروه من نشر كتاب كامل عن ولي العهد الشاب الصغير السن، واتهموه بقصور النظر لذلك، حيث يمكن لمحمد بن سلمان أن يحكم بلاده عقودا قادمة، وهو ما قد يكلف الكاتب الكثير.
عديم الخبرة
ويعرض الكاتب لتاريخ محمد بن سلمان منذ مولده عام 1985 وحتى تبعات مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول قبل نهاية عام 2018. ويشير إلى أن بن سلمان كان عمره خمسة أعوام عندما غزا صدام حسين الكويت صيف 1990، وأنه لم يكن قد بلغ السادسة عشرة عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي خطط لها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. ويذكر الكاتب أن بن سلمان لم "يدر من قبل أي شركة بنجاح، ولم يتلقَّ أي تعليم أو تدريب عسكري، وأنه لم يتقن أي لغة أجنبية تمكنه من التحدث بها، ولم يتعلم في أي جامعة أجنبية. ولم يقضِ بن سلمان أي فترة طويلة في الولايات المتحدة أو أوروبا، من هنا كانت المفاجأة تصعيده بهذه السرعة في قصر الحكم السعودي".
حدود التهور
وبدأت خطة تصعيد محمد بن سلمان بتسميته وزيرا للدفاع ومشرفا على مكتب والده ملك السعودية. ويتفاخر بن سلمان بأنه بعد عشرة أيام من وصول والده إلى الحكم قد "أعاد هيكلة كل الحكومة السعودية"، وهو ما رآه كثير من الخبراء عملية فوضوية تعرقل البيروقراطية السعودية المستقرة. وبحسب الكتاب، كان معدل التغيير سريعا لدرجة الخطورة. وفي مارس/آذار 2015 -أي بعد شهرين من توليه مهام وزارة الدفاع- أمر بن سلمان ببدء التدخل السعودي العسكري في الحرب الأهلية باليمن. وخلفت الحرب في اليمن صورة سيئة لولي العهد السعودي حول العالم، خاصة بعد تسبب القصف الجوي السعودي في مقتل آلاف المدنيين الأبرياء، بما فيهم تلاميذ مدارس ومرضى ومستشفيات.
ونتج عن الحرب واحدة من أكبر مآسي الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، ويلقي الكثير من الخبراء في الغرب بالمسؤولية عن ذلك على محمد بن سلمان. ويفرد الكتاب حيزا كبيرا لحادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، كونها دليلا على حجم التهور وانعدام الخبرة لدى ولي العهد وكبار مساعديه ومستشاريه. ويذكر الكتاب أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي" قد انتهت إلى مسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل خاشقجي، من خلال إعطاء أوامر لمستشاره سعود القحطاني وفرقة "جماعة التدخل السريع" لإسكات معارضيه داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. ويشير الكتاب إلى أن الاستخبارات التركية سمحت لنظيرتها الأميركية ومحققي الأمم المتحدة بالاستماع إلى تسجيلات عملية القتل والتخلص من الجثمان، وتم التأكيد على أن ذلك تم من قِبل مقربين من ولي العهد محمد بن سلمان.
من ناحية أخرى، أشار الكتاب إلى حجم المصالح المشتركة بين بن سلمان وعائلة الرئيس دونالد ترامب، وكيف حاول الأول التقرب من ترامب وصهره جاريد كوشنر من خلال الهجوم على الرئيس السابق باراك أوباما. ويعتقد مسؤول أميركي سابق -تحدث للجزيرة نت- أن محمد بن سلمان "يستهدف تحقيق هدفين: الأول يتعلق بالهجوم على أوباما إرضاء لترامب، والثاني التعبير عن الغضب من مواقف أوباما تجاه إيران". وخلال حواره الصحفي مع وكالة بلومبيرغ يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2018، صرّح بن سلمان بأن "أوباما خلال فترة رئاسته التي دامت ثمانية أعوام، قد عمل ضد أغلب أجندتنا، ليس فقط في السعودية وإنما في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عملت ضد أجندتنا، فإننا كنا قادرين على حماية مصالحنا. وقد كانت النتيجة النهائية هي أننا نجحنا، وأن الولايات المتحدة في ظل قيادة أوباما قد فشلت، على سبيل المثال في مصر".
وبحسب مراقبين، لا يدرك ولي العهد السعودي أن مثل هذه التصريحات -إضافة إلى سجله في الحكم- تخصم من رصيده عند الديمقراطيين. ويتخذ المرشحان بيرني ساندرز وجو بايدن، موقفا عدائيا منه ومن سياساته خاصة تجاه اليمن وقطر والمعارضين السعوديين.
تساؤل عن المستقبل
وجاءت خاتمة الكتاب غير مستشرفة لمستقبل المملكة السعودية ولا مستقبل ولي عهدها الحالي الأمير محمد بن سلمان، بل طرحت تساؤلا عن مستقبلهما. ويقول الكاتب إن كتابه "لا يخبرنا عن قصة محمد بن سلمان بصورة كاملة، فقد ركز على صعوده لولاية العهد وما ارتبط بها من أحداث وتأثيرات داخل المملكة العربية السعودية، وعلاقاتها بالولايات المتحدة، وتأثير ذلك كله على منطقة الشرق الأوسط". واختار بن هابرد أن يختم الكتاب بعبارة عكست قلقا وشكوكا فيما سيأتي به محمد بن سلمان، وقال التالي: "سيحدد محمد بن سلمان كيف تنتهي قصته، أما جاء به هذا الكتاب فقد كان البداية فقط".
قال موقع ميدل إيست آي الإخباري في تقرير حصري إن الوزير السعودي السابق سعد الجبري المقرب من ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف تتم مطاردته في كندا من قبل ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان لإعادته إلى الرياض ولو قسرا. ونقل الموقع عن ثلاثة مصادر وصفها بالمطلعة قولها إن سعد الجبري -الذي كان من المستشارين الموثوقين لولي العهد السابق- بات من أكبر المطلوبين خارج السعودية، لأنه يعتبر تهديدا لحكم بن سلمان. وفر الجبري من المملكة عام 2017 قبل فترة من وضع الأمير محمد بن نايف تحت الإقامة الجبرية وتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد. وبعد قضائه فترة قصيرة في ألمانيا صيف عام 2017 سافر إلى الولايات المتحدة وقضى مدة في مدينة بوسطن. لكن الجبري -وفق الموقع- لم يشعر بالأمان داخل الولايات المتحدة، لذلك قرر السفر إلى كندا بعد منحه حق اللجوء في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وقال مصدر لميدل إيست آي إن الجبري تعرض أثناء وجوده داخل الولايات المتحدة لمحاولة تسليم قسري إلى السعودية. وقال مصدر ثان إن المسؤول السابق كان هدفا للملاحقة حتى في كندا، وتلقى رسائل تخويف وتهديد من محمد بن سلمان. وأكد المصدر ذاته أنه كانت هناك أيضا مخاوف من وجود مساع سعودية لتسليمه قسرا من الأراضي الكندية إلى الرياض. وقال الموقع إن منح الجبري اللجوء السياسي في كندا يثير أسئلة عدة بشأن الخلاف الدبلوماسي الذي وقع بين أوتاوا والرياض صيف عام 2018. وذكر أن الجهات الاستخباراتية الكندية رفضت التعليق على التفاصيل التي تم الكشف عنها بشأن الجبير، وأنه حاول الحصول على تعليق من الجبير وأفراد عائلته عبر عدة قنوات لكنه لم يتلق أي رد حتى تاريخ نشر تقريره الحصري. لكن مصادر مطلعة على القضية أكدت للموقع أنها تعتقد أنه من المهم أن تظهر تفاصيل ما جرى للجبري، لأن ذلك سيكشف إلى أي مدى يمكن لولي العهد السعودي أن يذهب في سبيل الإيقاع بأي من خصومه المحتملين.