مصر ومكافحة الإرهاب بأفريقيا.. تحركات ومبادرات أمام مجلس الأمن
تكريساً لجهودها في مكافحة الإرهاب بالقارة الأفريقية، شاركت مصر في جلسة مجلس الأمن حول "مكافحة الإرهاب والتطرف في أفريقيا"، التي انعقدت أمس الأربعاء، بدعوة من الصين. وعرض محمد إدريس، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، بيانًا تناول فيه تطور تهديد الإرهاب في القارة، وبالأخص منطقة الساحل الأفريقي، مسلطًا الضوء على العلاقة المتشابكة بين الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل. وخلال ترأسها الاتحاد الأفريقي، العام الماضي، قدمت مصر العديد من مبادرات دعم جهود مكافحة الإرهاب بالقارة، آخرها دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في فبراير/شباط الماضي، لتشكيل قوة مشتركة. ورغم تسليمها رئاسة الاتحاد لدولة جنوب أفريقيا، تتقلد القاهرة حاليا مناصب تنفيذية رفيعة داخل مؤسسات الاتحاد، تضمن استمرار دورها المحوري، وعلى رأسها "الترويكا الأفريقية" وعضوية مجلس الأمن والسلم.
واستعرض مندوب مصر الدائم أبرز جهودها من استضافة ورشة عمل ركزت على تحديات بناء السلام في منطقة الساحل، خلال الأشهر الماضية، وتفعيل مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات، الذي تستضيف مصر مقره، ويستهدف تعزيز مناعة الدول الأفريقية على مكافحة الإرهاب والتطرف.
وفي كلمته أعرب سفير مصر لدى الأمم المتحدة عن قلق بلاده البالغ إزاء قيام بعض الدول بتجنيد، ونقل، الإرهابيين الأجانب من سوريا، ونشرهم في ليبيا، الأمر الذي يمثل انتهاكًا فجًا للسلم والأمن الدوليين، بما في ذلك العديد من قرارات مجلس الأمن الصادرة وفقًا للفصل السابع من الميثاق حول ليبيا ومكافحة الإرهاب. وأكد رفض مصر القاطع لهذا المسلك، مطالبا المجلس بالاضطلاع بمسؤوليته في حفظ السلم والأمن الدوليين من خلال فرض الالتزام بقرار مجلس الأمن 2396 بشأن منع انتقال الإرهابيين.
ومنذ ترأسها الاتحاد مطلع العام الماضي، تسارعت جهود مصر في مكافحة الإرهاب بالقارة. ففي فبراير/شباط الماضي، استضافت القاهرة اجتماعا لرؤساء أركان حرب القوات المسلحة لدول تجمع الساحل الأفريقي الخمس (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد)، ناقش مقترح إنشاء قوة قارية لمكافحة الإرهاب في دول الساحل، وتدريب كوادر من تلك الدول في مصر في مجال مكافحة الإرهاب. وفي يونيو/حزيران الماضي، انطلقت بقاعدة "محمد نجيب" العسكرية شمال مصر، فعاليات التدريب المشترك في مجال مكافحة الإرهاب بين عناصر من دول تجمع الساحل والصحراء. وشمل برنامج التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة كالجماعات المسلحة وتحرير الرهائن، وتدريبات لتحقيق التجانس بين القوات الخاصة الأفريقية، والعمل كفريق واحد مع قوات الدول الصديقة، والتدريب على سرعة رد الفعل تجاه المواقف التكتيكية الطارئة طبقاً لأعمال القوات على الأرض. ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى عقد قمة أفريقية في القاهرة تبحث تشكيل قوة لمواجهة ومكافحة الإرهاب في القارة السمراء. وأبدى خلال كلمته أمام القمة الأفريقية الأخيرة بأديس أبابا، استعداده للتشاور المستفيض حول الأبعاد التنظيمية والموضوعية للقمة الأفريقية، مقترحا أن تكون تلك القوة بمعرفة مجلس السلم والأمن الأفريقي وهيئة مكتب اللجنة الفنية للدفاع.
ويرى العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي، أن المساعي المصرية لتوحيد الجهود الأفريقية للتصدي لتمدد التنظيمات الإرهابية داخل العمق الأفريقي، تنبع من إدراك لخطورة تلك الجماعات على أمن واستقرار شعوب القارة، خاصة أن لمصر باعا طويلا في تلك المواجهات. ولفت الخبير الأمني، في تصريحات لـسيريا ستار تايمز، إلى أن بلاده واجهت العديد من التحديات خلال السنوات الأخيرة بينها الإرهاب، والذي كان معيقا لجهود التنمية، بينما الآن أصبح واضحا للعيان ما تتمتع به مصر من استقرار وتقدم اقتصادي، ولذلك يمكن نقل تلك التجربة.
وشدد العقيد صابر على أن تحقيق التنمية لن يتم دون جهود موازية للقضاء على الإرهاب، والذي يستدعي عملا جماعيا في ظل تحركات واسعة تقوم بها تلك الجماعات بين الدول. وتشهد منطقة الساحل الأفريقي هجمات متكررة راح ضحيتها المئات الأشخاص من المدنيين. واستطاع تنظيم داعش الإرهابي بالساحل الأفريقي توسيع عملياته في النصف الأول من سنة 2019، لتشمل 7 دول بالساحل، وصولاً إلى بحيرة تشاد، رغم الجهود الدولية والإقليمية التي تقودها فرنسا. ونشر فيه فرع التنظيم بالساحل والصحراء بمجلته (النبأ)، في يونيو/حزيران الماضي، ما اعتبره هجمات كثيرة بمنطقة الساحل الأفريقي، منها إسقاط مروحية تابعة لقوات فرنسية على الحدود بين مالي والنيجر، ومقتل عدد من أفراد جيش مالي ومرافقيهم الأجانب.