نيويورك تايمز: مناطق استطاعت احتواء كورونا.. فكيف تسنى لها ذلك؟
أفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن بعض الدول الآسيوية تمكنت على ما يبدو من السيطرة على فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، في وقت يتفشى فيه الوباء سريعا في أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم. وذكرت الصحيفة في تقرير أن سرعة انتشار الوباء في الصين بدأت تخف بعد ارتفاع حاد في حالات الإصابة به أعقبه فرض تدابير صارمة للسيطرة عليه. غير أن مناطق أخرى في قارة آسيا استطاعت تفادي نوبات انتشار كبيرة للفيروس الفتاك باتباع إجراءات أقل صرامة من تلك التي انتهجتها الصين. وجاء في التقرير الذي أعده عالما الأوبئة بنجامين كولينغ ووي لين ليم، أن هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان حققت بعض التقدم في السيطرة على الفيروس بتطبيقها حزمة متباينة من الإجراءات. فما هي أنجع التدابير لاحتواء تفشي فيروس كورونا التي يمكن تنفيذها في أماكن أخرى؟ تقول الصحيفة الأميركية في تقريرها إن الحكومة الصينية اتخذت في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي تدابير غير مسبوقة لاحتواء الفيروس، من بينها المباعدة الاجتماعية.
إغلاق البر الصيني
كما أغلقت السلطات في البر الصيني مدنا كبرى -على رأسها ووهان التي تعتبر مهد الوباء- وفرضت عدة قيود على السفر في عموم البلاد. كما أودعت كلا من كان على اتصال بأي مصاب بالعدوى في فنادق أو بيوت بعد تحويلها إلى محاجر صحية. وأجبرت السلطات الصينية أيضا كل سكان مدينة ووهان تقريبا ومدنا أخرى موبوءة على البقاء في منازلهم. كما أغلقت المدارس ومقار العمل. ووصف الخبيران في مجال الأوبئة في تقريرهما تلك الإجراءات بأنها استثنائية، حيث وُضع زهاء 60 مليون شخص تحت الحجز الصحي في مقاطعة هوبي وسط البلاد، بينما يتوقع أن تظل معظم المصانع هناك مغلقة حتى 20 مارس/آذار الجاري. ويشير التقرير إلى أن الصين ستتكبد خسائر اقتصادية فادحة ناجمة عن انتشار وباء كورونا. فقد كشفت ثلث المؤسسات الصغيرة والمتوسطة -البالغ إجماليها قرابة ألف مؤسسة والتي استطلع مسح آراءها- أنها لا تملك سوى قليل من المال يكفيها للبقاء على قيد الحياة لمدة شهر واحد فقط.
السيطرة على الفيروس
ووفقا للصحيفة، فإن كل تلك القيود آتت أكلها على ما يبدو، ونجحت الصين من خلالها في السيطرة على انتشار "كوفيد-19". على أن تدابير بذلك الحجم وتلك الصرامة لا يمكن نسخها في دول أخرى، لا سيما الديمقراطية منها التي يتمتع مواطنوها بحقوق تحميها دساتيرها. ومن ثم فإن سنغافورة وتايوان وهونغ كونغ تصلح أمثلة مفيدة في هذا الجانب. فقد كانت المناطق الثلاث خاصة عرضة لتفشي العدوى فيها نظرا لارتباطها الوثيق بالبر الرئيسي لجمهورية الصين الشعبية. ولأن تلك المناطق الثلاث ظلت قبلة السياح الصنيين، فقد انتقل الفيروس إليها حيث سُجلت الجمعة 187 حالة إصابة به في سنغافورة، و50 في تايوان، و131 في هونغ كونغ، منها أربع وفيات. ومنذ اكتشاف أولى حالات الإصابة بالعدوى في أراضيها، اتخذت حكومات تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة عددا من الإجراءات للحد من انتقال حالات جديدة إليها مثل القيود على السفر، وفرض حجر صحي للحؤول دون انتقال محتمل للعدوى من أشخاص مصابين إلى السكان المحليين، وكبح جماح الانتقال الصامت للمرض في مجتمعاتها من خلال تقليل التواصل بين الأفراد بتبني تدابير مثل العزل الذاتي والمباعدة الاجتماعية والحرص على النظافة.
تدابير جريئة
وقد سارعت دولة سنغافورة، وهي جزيرة صغيرة تقع في جنوبي شرقي آسيا، باتخاذ تدابير جريئة لمنع العدوى من دخول أراضيها من الصين. فبعد ثلاثة أيام فقط من كشف الصين عن ظهور كورونا في ووهان، شرعت سنغافورة في إخضاع المسافرين القادمين إليها من تلك المدينة الصينية ممن بدت عليهم أعراض الحمى وصعوبات في التنفس، لمزيد من الفحوص الطبية وفرضت عليهم عزلا صحيا. وكانت سنغافورة من أول الدول التي بادرت بإلغاء كل الرحلات الجوية المتجهة إليها من ووهان بعد اكتشاف أول حالة إصابة بالمرض قادمة من الخارج. وقد وضعت السلطات في تلك الدولة المسافرين القادمين من مناطق موبوءة قيد الحجر الصحي الإجباري بعد أن حولت ثلاث داخليات جامعية إلى مرافق صحية لاستضافتهم. وعوضت الحكومة الأفراد وأصحاب الأعمال عن الأيام التي توقفوا فيها عن العمل. وبذلت السلطات هناك جهودا مكثفة لتعقب المصابين بالعدوى وتحديد الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم. وذهبت الطواقم الطبية إلى أبعد من ذلك فأجروا مقابلات مع المرضى لمعرفة آخر الأماكن التي زاروها. وفي حال تعذر الوصول للمعلومات أو عدم وضوحها، اضطرت وزارة الصحة إلى استخلاص بيانات إضافية من شركات النقل والفنادق، بما في ذلك مراجعة صور التقطتها كاميرات المراقبة.
مسار مختلف
أما تايوان -وهي جزيرة أيضا- فقد اتبعت مسارا مختلفا بعض الشيء عن سنغافورة. فبدلا من فرض حظر فوري على الرحلات القادمة من الصين، لجأت إلى فحص القادمين الجدد من المناطق المشتبه بتفشي فيروس كوفيد-19 فيها. ومع مطلع يناير/كانون الثاني الماضي -أي بعد أيام قليلة من ظهور الفيروس في ووهان- درجت السلطات الصحية التايوانية على الصعود إلى الطائرات القادمة من ووهان لتفتيش وفحص الركاب. ولم تلجأ السلطات إلى تعليق الرحلات التي تنظمها شركات الطيران التايوانية الأربع من وإلى ووهان إلا بعد اكتشاف أول إصابة بالمرض قادمة من المدينة الصينية. كما انتهجت تايوان أسلوبا اتسم بمزيج من التدابير في مسعى منها للحد من انتقال العدوى إلى مجتمعها. فقد استغلت بعض المرافق المملوكة للدولة كمحاجر صحية، ومع ذلك كان العزل المنزلي هو الإجراء الغالب.
امتثال وغرامات
ولضمان امتثال الجميع بتلك التدابير، فرضت الحكومة غرامات صارمة تصل إلى 33200 دولار أميركي على كل من ينتهك نظام العزل الصحي. أما مدينة هونغ كونغ فقد اتبعت هي الأخرى طريقة مختلفة في التعامل مع تفشي الفيروس القاتل، لكونها تتاخم بر الصين الرئيسي، علما أنها تعد رسميا جزءاً من الصين. وبحسب تقرير نيويورك تايمز، لم تركز هونغ كونغ كثيرا على منع دخول المشتبه بإصابتهم بالمرض كليا إلى أراضيها، بل أولت اهتماما أكبر بالحؤول دون انتقال العدوى بين سكان المدينة. لقد استطاعت كل من سنغافورة وتايوان وهونغ -على اختلاف سماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية- إيقاف انتقال العدوى إليها دون الاضطرار إلى تطبيق إجراءات مشددة كالتي اتخذتها الصين. ويختم العالمان كولينغ وليم تقريرهما بالتأكيد على أن نجاح سنغافورة وتايوان وهونغ كونغ في احتواء تفشي "كوفيد-19" يشي بقدرة حكومات الدول الأخرى كذلك على إحراز تقدم في محاولتها للسيطرة على هذا الفيروس.