فك اللغز.. كيف يحطم كورونا النظام الصحي ويرمي المرضى في الشوارع؟
كيف يمكن أن يؤدي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 الذي نسبة إماتته 1-2% فقط إلى تحطيم النظام الصحي في الدولة، وهل الأطباء يبالغون ويتآمرون لتخويف الناس كما يزعم أصحاب نظرية المؤامرة؟ الحقيقة هي أن الأطباء لا يبالغون، والأرقام لا تكذب، وهنا سنريك تماما كيف يؤدي كورونا إلى انهيار المستشفيات وإلقاء المرضى في الشوارع. منذ بدء تفشي فيروس كورونا في ووهان في الصين في ديسمبر/كانون أول 2019، بلغ عدد الإصابات عالميا حوالي 220 ألف إصابة، والوفيات حوالي تسعة آلاف. انتشار فيروس كورونا سريع، وكل مصاب ينقل العدوى بالمعدل إلى ثلاثة أشخاص، وأظهرت دراسة جديدة أنه يستطيع أن يبقى عالقا في الهواء (الطلق) ثلاث ساعات، ويكون قادرا على التسبب بالعدوى، وهذا قد يفسر سرعة انتشاره. لفيروس كورونا فترة توليد من أربعة إلى خمسة أيام، وهي الفترة بين إصابة شخص ونقله العدوى لشخص آخر، وهو رقم مهم لتقدير سرعة انتشار الفيروس. المعطيات تشير إلى أن 80% من المصابين قد لا تظهر عليهم أعراض أو تكون أعراضهم خفيفة، وأن 20% فقط يحتاجون لدخول المستشفى، منهم 5% تصبح حالتهم حرجة، و1-2% يموتون.
لماذا الخوف؟
الجواب في كلمة واحدة: الإغراق، فكورونا قادر على تحطيم النظام الصحي عبر إغراقه بعدد كبير من المرضى في وقت قصير، بحيث لا تعود المستشفيات تحتوي على أَسِرة كافية. عالميا، يتم قياس سعة النظام الصحي بعدد الأسرة في المستشفيات لكل ألف شخص من السكان، فمثلا في ألمانيا -وفقا لمعطيات منشورة بالإنترنت- هي ثمانية أسرة لكل ألف شخص. بينما في دول أخرى قد تكون النسبة أقل، فمثلا في تشيلي هي سريران تقريبا لكل ألف شخص. ومن الواضح أن الدول التي لديها أنظمة صحية أضعف يكون فيها هذا الرقم أقل. أيضا هناك معيار آخر، وهو عدد أسرة العناية الحثيثة لكل مئة ألف من السكان، وهي الأسرة المجهزة بأدوات خاصة للحالات الحرجة مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، والتي تلعب دورا أساسيا في التعامل مع مرضى كورونا كوفيد-19.
هذا الرقم أيضا يتفاوت، فمثلا في ألمانيا يوجد 29 سرير عناية حثيثة لكل مئة ألف من السكان، بينما في البرتغال يوجد أربعة أسرة. في المتوسط فإن 60-70% من الأَسرة في النظام الصحي تكون مشغولة بمرضى العمليات الجراحية والسرطان وحوادث السير والحالات المزمنة الصعبة. وهذا يعني أن ما يكون متاحا لا يتجاوز 40% من الأَسرة.
مدينة افتراضية
لنفترض أنك تعيش في مدينة عدد سكانها ألف شخص، فهذا يعني أن المستشفى في مدينتك به ثمانية أسرة، منها خمسة أَسرة يشغلها مرضى السرطان والحوادث، وما تبقى هو ثلاثة أَسرة. لنفترض أن فيروس كورونا دخل المدينة، في اليوم الأول يكون هناك مصاب واحد، وخلال عشرين يوميا ووفق فترة التوليد للفيروس سيتخطى العدد مئة، وذلك أيضا فق المعطيات التي تشير إلى أن كل شخص يسبب العدوى لثلاثة تقريبا، وأنه لا يوجد حجر صحي في المدينة. المصابون المئة لن تظهر على ثمانين منهم أعراض أو ستكون أعراضهم خفيفة ولن يحتاجوا دخول المستشفى. ما تبقى عشرون مصابا، يحتاجون الدخول للمستشفى، ولكن هنا ثلاثة أسرة فقط! النتيجة هنا أن 17 لن يدخلوا المستشفى ولن يتلقوا الرعاية الصحية، وبالتالي فإن نسبة أكبر منهم ستموت مقارنة إذا دخلوا المستشفى. أيضا مع تطور الوباء سوف لن يعود هناك مكان لمرضى السرطان والحوادث، وبالتالي لن يدخلوا المستشفى وسينتهون في الشارع! فهؤلاء المرضى لن يحصلوا على الرعاية الصحية، لأن الأسرة مشغولة بمرضى كورونا، وهذا يعني أنهم سيكونون أكثر عرضة للمضاعفات والموت. من ناحية أخرى، سيكون الضغط أكبر على الأطباء، بمعنى أن أطباء الأورام والسكري سيصبحون مشغولين أيضا بمرضى كورونا، وسوف ينهكون، كما أن نسبة منهم ستصاب بكورونا، مما يقود إلى تراجع عددهم، وازدياد الأمر سوءا. وفيات كورونا في الحقيقة ليست فقط محصورة بوفيات الفيروس، بل تشمل أيضا الوفيات لأشخاص مرضى بمشاكل وأمراض أخرى أو حوادث لم يستطيعوا دخول المستشفى لأنه لا أَسرة، أو لم يتلقوا الرعاية الصحية الملائمة، لأن هناك نقصا في الأطباء والخدمات.
هذا يفسر تحذير منظمة الصحة العالمية، من أنه "لا يوجد أي نظام صحي في العالم قادر على مواجهة تداعيات كورونا". فأكثر ما يخشاه علماء الأوبئة هو أن يصبح نظام الرعاية الصحية غارقا في انفجار مفاجئ للمرض بما يتطلب دخول عدد أكبر من الأشخاص إلى المستشفى أكثر مما يستطيع التعامل معه، وفي هذا السيناريو سيموت مزيد من الناس لأنه لن يكون هناك ما يكفي من أسرة المستشفيات أو أجهزة التنفس الاصطناعي لإبقائهم على قيد الحياة.
ما الحل؟
الحل يكون في منع الإغراق الكارثي للمستشفيات باتخاذ تدابير وقائية، وهي الإغلاق ومنع التجمعات، والمباعدة الاجتماعية، مثل إغلاق المدارس والجامعات ودور العبادة ومراكز التسوق وإلغاء الحفلات، وإلغاء التجمعات الجماعية، والعمل من المنزل والحجر الذاتي والعزلة الذاتية وتجنب الزحام، وذلك لمنع الفيروس من الانتشار بسرعة. يسمي علماء الأوبئة هذه الإستراتيجية لمنع حدوث ارتفاع كبير في حالات "تسطيح المنحنى"، أي عدم السماح بحدوث ارتفاع هائل في عدد الإصابات بالمرض (منحنى الإصابات) حتى لا يغرق النظام الصحي. ومن خلال تسطيح المنحنى يمكن للبلدان التي لا يمكنها بالفعل إيقاف الفيروس أن تبطئ انتشاره على الأقل حتى يتمكن نظام الرعاية الصحية من رعاية الناس بشكل كاف، وبالتالي تفادي ما حصل في إيطاليا مثلا حيث دفع التفشي بعض المستشفيات إلى نقاط الانهيار.
تفسير نجاح الصين
هذه الطريقة تفسر نجاح الصين، فالصين عملت على تسطيح المنحنى عبر إجراءات الإغلاق الكامل ومنع الاختلاط، وأيضا عملت على زيادة سريعة جدا في عدد الأسرة عبر بناء مستشفيات مؤقتة، وذلك حتى تمنع حدوث إغراق للنظام الصحي بمرضى كورونا وبالتالي انهياره. الطريقة فعالة، إذ أعلنت الصين الخميس أنها لم تسجل خلال الساعات الـ24 الماضية أي إصابة جديدة محلية المصدر بفيروس كورونا، في سابقة من نوعها منذ بدأت بكين إحصاء الإصابات في يناير/كانون الثاني الماضي. ومن الأمور المبهرة قدرة الصين الرهيبة في بناء مستشفى ضخم في أقل من أسبوعين فقط لمعالجة مرضى الوباء. ويسعى العديد من الدول اليوم لتحقيق الشيء ذاته. كذلك الشأن في ألمانيا، حيث أعلنت ولاية برلين عزمها إنشاء مستشفى خاص لمعالجة المصابين بفيروس كورونا.
والهدف من المستشفى هو مواجهة "النقص الحاد المنتظر" في حال ارتفع عدد الإصابات إلى مستويات مهولة، خاصة أن معهد روبرت كوخ للأبحاث العلمية، وفي تقييم جديد للوضع داخل ألمانيا، تحدث صباح أمس الأربعاء (18 مارس/آذار الجاري) على لسان مديره لوثار فيلر عن ارتفاع قد يصل في الأسابيع القليلة المقبلة إلى عشرة ملايين إصابة.
حاجة ملحة
يذكر أن نظرة سريعة إلى عدد الأسرة الموجودة في مستشفيات العاصمة برلين، وهي ذات أكبر تجمع سكني داخل ألمانيا الاتحادية بمجموع 3.6 ملايين نسمة، تؤكد الحاجة الماسة إلى إنشاء "مستشفى كورونا" كما تصفه الصحافة المحلية. فالأسرة المجهزة بآلات التنفس الاصطناعي التي باتت ضرورية جدا بعد انتشار الوباء، تصل إلى 1045 سريرا، وفق بيانات مكتب وزارة الصحة في برلين، 80% منها محجوزة بالأصل حتى قبل وصول الجائحة العالمية إلى ألمانيا.