قمّ لا تبعد عن نيويورك.. حصار إيران يهدّد حياة العالم
أجرى باحثون في جامعة "شريف للتكنولوجيا" في طهرن، محاكاة حاسوبية توقعوا من خلالها أن يصل عدد الوفيات في إيران إلى 3.5 مليون، إن لم تتمكن الحكومة من السيطرة على الأزمة بنهاية شهر أيار/مايو، الأمر الذي يتطلب مزيداً من "التباعد الاجتماعي"، وعزل المدن الموبوءة، ورصد المزيد من التمويل من أجل التجهيز الطبي. لكن هذه الإجراءات تبدو شاقة على الحكومة الإيرانية، بفعل ما تعانيه البلاد من حصار أميركي يُحكم قبضته على الصادرات والواردات الإيرانية، بما في ذلك السلع الإنسانية التي اشتدت الحاجة إليها مؤخراً، بعد تفشّي فيروس كورونا الذي حصد حتى الآن، حياة 1685 شخصاً في إيران. ولهذا، وإن كانت جائحة كورونا قد تخطّت الأقطار المحلية لتصبح أزمة عالمية تهدد حياة الشعوب واقتصادات الدول، فلن يكون من الصواب توزيع الخسائر بالتساوي بين هذي الأخيرة. فإيران كما قال وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الخميس الفائت، "واحدة من أكثر البلدان تضرراً بسبب فيروس كورونا"، كونها تعاني من حصار يحول دون إنجازها المعاملات التجارية القانونية للاستفادة من "ثرواتنا ومصادرنا التي تساهم في سد حاجات المواطنين ومن بينها الصحة وضروريات الحياة اليومية". لا تتمثل مشكلة القطاع الصحي في إيران بنقص في الكادر الطبي أو في التجهيزات الضرورية للمعالجة والرعاية، "ولحسن الحظ تدريب القوى العاملة على مستوى الإجازة، والماجستير، والتخصص، وما بعد التخصص، والزمالة، یتم داخل إيران، بل إن عدداً من غير الإيرانيين موجود في إيران، من أجل دراسة التخصصات الطبية"، يقول رئيس كلية شيراز الطبية السابق محمد هادي ايمانية .وإنما يظهر الخلل في النقص الذي تعاني منه إيران "في بعض المعدات الطبية التشخيصية والعلاجية الحديثة، والتي وإن أعلنت أميركا أنها لم تفرض على إيران عقوبات من هذا الجانب، ولكن عملياً بسبب العقوبات المصرفية، لا يوجد إمكانية للتبادل المالي لشراء هذه الأنواع من المعدات، من مثل مكنات العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان" يضيف ايمانية. وعليه، فإن الجائحة لم تأت إلا في أعقاب "التدمير" الأميركي المتواصل للقطاع الصحي الإيراني، سواء أكان ذلك بشكل عقوبات مباشرة أم من خلال تعطيل حركة التبادل والتحويل المالي بين إيران والدول الأخرى، بل حتى في فرض شروط على المانحين لإيران. وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد ذكرت في تقريرها الصادر في 29 تشرين الأول/اكتوبر 2019، أن العقوبات الواسعة التي فرضها البيت الأبيض - بعد الانسحاب رسمياً ومن طرف واحد من الاتفاق النووي في أيار 2018 - قيّدت قدرة الحكومة الإيرانية على تأمين الحاجات الإنسانية بما في ذلك الأدوية، وهدّدت حق الإيرانيين بالصحّة والعلاج، مطالبةً الإدارة الأميركية باتخاذ خطوات جدية لضمان وجود قنوات تجارية تمكّن الإيرانيين من استيراد السلع الإنسانية. لكن مع ذلك، يصرُّ المسؤولون الأميركيون على أن إيران هي المسؤولة عن تفشي المرض في أراضيها بسبب "سوء إدارة الأزمة وإخفائها الأرقام الحقيقية للمصابين"، حيث انتقد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ما أسماه "حملة التضليل التي يقوم بها النظام الإيراني، حول منشأ فيروس ووهان"، مخالفاً بذلك تعليم منظمة الصحّة العالمية حول التعريف بفيروس "كوفيد-19". وبدلاً من الاعتراف بالآثار السيئة للحصار الأميركي على القطاع الصحي الإيراني، أعلن بومبيو خلال جلسة استماع في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس في 28 شباط/فبراير الفائت، أن "إيران التي تواجه عقوبات أميركية لم يكن لديها بنية تحتية قوية في القطاع الصحي". ورغم إبداء وزير الخارجية الأميركي استعداد بلاده لمساعدة إيران في مكافحة جائحة كورونا من خلال تقديم مساعدات طبية عبر القناة السويسرية، إلا أنه ربط ذلك بملفات على صلة بالنزاع السياسي بين الإدارة الأميركية وإيران، إذ عاد ودعا الدول التي تدرس تقديم مساعدات إنسانية لإيران أن تبحث في إطلاق سراح الأجانب من السجون الإيرانية.
ترامب يريد التفاوض
الحكومة الإيرانية رفضت المساعدات الأميركية، لأن "الأخيرة لا تريد المساعدة وإنما تريد توظيف ذلك سياسياً. إذا كانت الولايات المتحدة صادقة في نواياها باقتراح تقديم المساعدات، فلترفع العقوبات عن إيران؛ على الأقل عن الدواء والتجهيزات الطبية، أو فلتكف عن فرض شروطها على الدول التي تريد المساعدة في هذا المجال"، يقول الخبير في الشؤون الإيرانية محمد مهدي شريعتمدار. ويتساءل شريعتمدار "لماذا قالت الإدارة الأميركية إنه إذا وافقت إيران على قبول المساعدة فلتطلب منا ذلك"؟ ويضيف قائلاً "ما لم تستطع أميركا أن تحققه من خلال الإصرار على اتصال الرئيس حسن روحاني بالرئيس الأميركي للتفاوض، تريد أن تحققه الآن في ملف المساعدات". ودفعت جائحة كورونا إيران إلى طلب -ولأول مرّة منذ انتصار الثورة- تمويلاً طارئاً بقيمة 5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في واشنطن، في سبيل مكافحة فيروس كورونا، وفق ما أعلن ظريف في وقت سابق. لكن شكوكاً عدّة تدور حول ما إذا كان الصندوق سيمنح القرض المستعجل لإيران، بعد حجبه القرض نفسه عن فنزويلا الثلاثاء، بذريعة "عدم وجود وضوح كافٍ في شرعية نظام" الرئيس نيكولاس مادورو. الاقتراض من صندوق النقد ليس منفصلاً عن العقوبات الأميركية، وفق ما يوضح شريعتمدار؛ فالعقوبات تمنع إيران من استخدام احتياطها من العملات الأجنبية في التبادلات التجارية من أجل شراء المعدات والسلع الصحية المطلوبة، فيما الأموال التي يوفرها قرض الصندوق ستوفر سيولة خارج إطار العقوبات، تسمح للشركات الأجنبية بإبرام صفقات تجارية لبيع إيران المعدات التي تحتاجها في مكافحة الجائحة، دون الوقوع في فخ العقوبات الأميركية. في رسالته إلى قادة العالم، كتب روحاني قائلاً "طهران وقم ليستا بعيدتين عن باريس ولندن ونيويورك، والسياسات التي تضعف البنية الاقتصادية والنظام الصحي، وتحّد الموارد المالية اللازمة لإدارة الأزمة، سيكون لها تأثيرات مباشرة في مواجهة الدول الأخرى للوباء"، بمعنى آخر فإن أميركا لا تضيّق الخناق على أرواح الإيرانيين، ولا تساهم في موت إيراني كل عشر دقائق فحسب، وإنما هي تهدد -حرفياً- حياة العالم!