ما بعد تسونامي كورونا.. هل ينحسر الوباء أم يتجدد؟
"تسونامي" وبائي اجتاح العالم فأغرق البشرية في دوامة مكافحة تداعياته وآثاره، إنه فيروس كورونا ذلك الجائحة متناهية الحجم واسعة الانتشار، وسط تساؤلات عن مرحلة ما بعد هذه الكارثة العالمية. استفهامات تتمحور في مجملها حول ما بعد هذا "التسونامي" كما وصفته الطواقم الطبية الإيطالية. فهل سيشهد العالم انحسارا معمما للوباء وعودة إلى الأوضاع الطبيعية؟ أم أن هناك "هزات ارتدادية" ناجمة عن تجدد الفيروس؟
ديناميكية مجهولة
المختصون حول العالم، سواء في الصين التي عبرت موجة المدّ الفيروسي، ودخلت مرحلة الجزر –في عدم حدوث تطورات مفاجئة- أو في بقية الدول التي لا تزال فريسة للوباء، يؤكدون أنه من المبكر التنبؤ بديناميكية الفيروس، طالما لم تكتمل مراحله في بؤرته الأصلية أي الصين. فباعتبار أن الصين كانت معقل الوباء في سلالته المستجدة، فإنه من الضروري تتبع مراحله في هذا البلد لمعرفة دورته الكاملة. المديرة العامة لوكالة "الصحة العامة" الفرنسية جنفياف شين قالت، استنادا إلى تجارب الصين وكوريا الجنوبية، أول بلدين طالهما الوباء: "نرى أن الديناميكية تجري على مرحلة شهرين إلى ثلاثة أشهر مع تسجيل انعكاس في الذروة إثر تدابير بالغة الشدة بين الشهرين الأول والثاني". وبناء على ذلك، فمن المتوقع أن تشهد فرنسا انحسارا للوباء في مايو/أيار المقبل، وقياسا على ذلك، يمكن احتساب الفترة المتوقعة لبقاء الفيروس في كل دولة، باعتبار تاريخ بدء تفشيه على أراضيها.
هدوء ما قبل عاصفة جديدة؟
استقر الوضع في الصين، ولم تسجل السبت سوى إصابة جديدة محلية واحدة بفيروس كورونا المستجد، بعد ثلاثة أيام من عدم تسجيل أي حالة محلية، في تقدّم يشي بأن البلد استطاع تجاوز الكارثة. لكن اختصاصي علم الأوبئة والصحة العامة في فرنسا أنطوان فلاهو تساءل إن لم يكن هذا الهدوء الذي يسبق عاصفة جديدة. وكتب فلاهو في مجلة "ذي لانسيت" الطبية البريطانية، يقول: "هل يعقل أن تكون الصين شهدت مجرّد موجة منذرة (...) وأن تكون الموجة الكبرى قادمة؟". تساؤلات تجد أرضيتها في فهم تعقيدات مسار انتشار الأوبئة، بما يمكن من استيعاب حقيقة أنها من الممكن أن تخدع الشعوب وسلطات الدول، حين تسجّل نوعا من الخمول والتراجع، في الوقت الذي تكون فيه بصدد التحضير لهجوم جديد، غالبا ما يكون أعتى.
فبالعودة إلى المرحلة التي تلت مباشرة الحرب العالمية الأولى، حين اجتاحت الإنفلونزا "الإسبانية" العالم على ثلاث موجات، تسببت بمجزرة فاقت ويلات المعارك، حيث أودت بنحو 50 مليون شخص، قبل أن تزول. لكن السؤال الذي ظل يحير العلماء هو: ما الذي جعل تلك "الإنفلونزا الكبرى" تتبدّد وكيف تلاشت؟ فلاهو، الذي يدير معهد الصحة العالمية في جامعة جنيف في سويسرا، قال تعقيبا على ذلك إن علماء عملوا على هذا الموضوع وجدوا أن أي وباء لا يزول "بزوال المقاتلين"، أي أن "العامل المعدي" لا يزول في نهاية المطاف مع المرضى الذين يقضي عليهم، بل باكتساب الناس مناعة جماعية تعرف بـ"مناعة القطيع". وأوضح، في تصريحات إعلامية، أن "المناعة الجماعية هي نسبة الأشخاص المحصنين ضد الفيروس الواجب بلوغها لإزالة أي خطر بعودة الوباء إلى الظهور"، وهذه المناعة تكون سواء بالحقن أو التلقيح حين يكون اللقاح متوفرا. واستدرك: "لكن مستوى انتقال العدوى يتبدل مع الوقت، بحسب التدابير الصحية المتخذة من حجر صحي وإقامة حواجز وحجر منزلي، كما أنه قد يتأثر بعوامل الطقس". وفي حال "تدنى مستوى انتقال العدوى عن درجة 1، ما يعني أن كل مريض يعدي بالمعدل أقل من شخص، عندها يتوقف الوباء"، وفق فلاهو.
فيروس متجدد؟
سؤال طرحته الخبيرة الأسترالية في الأمراض المعدية شارون لوين حول احتمال تفشي وباء كورونا من جديد بعد مرور الموجة الحالية. وقالت لوين، في تصريحات إعلامية: "لا نعرف إن كان سيعود"، لافتة إلى وباء "سارس" الناجم أيضا عن فيروس من سلالة كورونا، تسبب بوفاة 774 شخصا في 2002 و2003 قبل أن يختفي نهائيا بفضل تدابير "ابتعاد اجتماعي" صارمة. وبخصوص كورونا المستجد، أشارت إلى أن الوضع سيتبدل بشكل جذري إذا صحّت وعود شركات الأدوية الكبرى وتم التوصل فعلا إلى لقاح ضد الوباء وتوزيعه في العالم خلال مهلة 12 إلى 18 شهرا.