كورونا يضع مستقبل أردوغان على المحك ..هل هناك إيطاليا جديدة؟
يضع الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد في تركيا، سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان، على المحك، في ظل ترجيحات بتعثر الاقتصاد المتهاوي بالفعل، وتضرر 15 مليون تركي بشدة من الأزمة. وحتى اليوم، سجلت السلطات التركية 5698 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد، كما أودى بحياة 92 شخصا في البلاد. ووفق تقرير لصحيفة "دي تسايت" السياسية في ألمانيا، فإن أردوغان يخشى فيروس كورونا بشكل شخصي، ولم يظهر خلال الفترة الماضية سوى مرتين فقط، على غير المعتاد. لكن السؤال الأهم: كيف يؤثر تفشي "كورونا" المستجد على مستقبل نظام أردوغان؟ في هذا الإطار، تقول صحيفة "دي تسايت" في تحليل أعده الخبير في الشؤون التركية، اونور بورشاك بللي، إن أزمة تفشي كورونا في تركيا لا تزال في بدايتها، لكن الحكومة تريد إعطاء الانطباع بأن كل شيء تحت السيطرة. وتابعت الصحيفة: "هذا غير صحيح، وهذه الأزمة ستغير وجه البلاد على المدى الطويل، إذا تتبعنا الدراسات الإحصائية للحالة التركية، فإنه من المحتمل إصابة ملايين الأتراك بالمرض، واحتياج نحو مليون شخص للعلاج في المستشفيات، ووفاة 100 ألف، في أسوأ السيناريوهات".
وأضافت أن تركيا لا تجري اختبارات كورونا على نطاق واسع، ما يعني أن العدد الفعلي للإصابات يمكن أن يكون أكبر بشكل ملحوظ من العدد المعلن، ورغم هذا الوضع الصعب، لا يبدو أردوغان مقتنعا بإغلاق البلاد بشكل كامل، وفرض حظر تجوال طول اليوم، لأنه يخشى تداعيات تضع مستقبل نظامه على المحك. وأوضحت الصحيفة أن أردوغان يخشى فقدان دعم رجال الأعمال إذا تبنى تدخل أكثر صرامة وأغلق البلاد بشكل كامل، كما يتخوف من التداعيات الكارثية المرجحة، لتفشي كورونا والإغلاق الكامل على اقتصاده المتهاوي بالفعل. ووفق الصحيفة الألمانية، فإن وزير الاقتصاد برات البيرت، أكد في بداية أزمة كورونا في تركيا، إن بلاده من أكثر دول العالم استعدادا لمواجهة المرض، وإنها ستحقق هدفها هذا العام المتمثل في نمو اقتصادي يقدر بـ 5 %. لكن الوضع الاقتصادي الحالي يشير إلى عكس ذلك تماما، في ظل صعوبات بالغة يواجهها الاقتصاد التركي، وسيناريوهات كارثية تنتظره، ما يضع مستقبل النظام في خطر كبير، وفق "دي تسايت". ونقلت الصحيفة عن بهادير أوزغور، الخبير الاقتصادي التركي، قوله: "إذا ركزنا فقط على القطاعات التي تأثرت مباشرة بجلوس الناس بالمنزل في خضم أزمة كورونا، فإن 4 ملايين شخص على الأقل مهددون بفقدان عملهم في البلاد". وتابع: "وإذا أضفنا قطاع الإنشاءات الذي يتوقع أن يعلق أعماله قريبا، سيرتفع عدد الموظفين المهددين بفقدان وظائفهم إلى 6 ملايين شخص". وبإضافة أفراد العائلات الذين يعولهم هؤلاء الموظفين، فإن المتضررين اقتصاديا بشكل مباشر من أزمة "كورونا" يصبح 15 مليون شخص، بحسب أوزغور. وذكر الخبير التركي أن معدل البطالة في تركيا يبلغ 13 %، فيما تصل البطالة بين الشباب فقط إلى 25 %، وهذه الأرقام مرشحة للازدياد بشكل كبير للغاية مع اشتداد أزمة كورونا"، ما يضع النظام تحت ضغط كبير، ويزيد الغضب الشعبي ضده. ورغم هذا الوضع الصعب في البلاد، لا تزال الشرطة تمارس دورها القمعي وتعاقب من ينتقد سياسة الحكومة في التعاطي مع أزمة كورونا.. وخلال الأيام الماضية، اعتقلت 316 شخصا بسبب منشورات تنتقد الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي. وخلصت صحيفة "دي تسايت" إلى أن تداعيات أزمة تفشي "كورونا" والصعوبات الاقتصادية المتوقعة، ستؤدي لتآكل شعبية النظام التركي، وزيادة الغضب الشعبي، وبالتالي ستضع مستقبل أردوغان في خطر كبير.
سياسة تركيا تشدد إجراءات التنقل بين المدن لاحتواء كورونا
أعلنت وزارة الداخلية التركية،عن سلسلة من التدابير والإجراءات الاحترازية الجديدة؛ للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وبحسب تعميم نشرته الوزارة على موقعها الرسمي، وأرسلته لكافة الولايات التركية الـ81، فإن رحلات حافلات الركاب بين الولايات ستكون بموجب تصاريح من الولاة اعتبارًا من الـ5 مساء اليوم بالتوقيت المحلي. وأوضحت الوزارة أن هذه التغييرات الجديدة جاءت في ضوء ما يصدر من توصيات عن وزارة الصحة، واللجنة العلمية التابعة لها، والمعنية بتطورات تفشي الفيروس.
وأردفت قائلة: "وبناء على تلك التوصيات كانت هناك حاجة ملحة لاتخاذ تدابير إضافية بخصوص رحلات حافلات نقل الركاب بين المدن من أجل الحد من انتشار الفيروس، وحماية صحة المجتمع والنظام العام". وأشارت إلى أن "الأساس في كافة هذه التدابير أن يبقى المواطنون في مدنهم؛ لكن إذا اضطرت الظروف أحدا للتوجه لمدينة أخرى سواء للعلاج، أو لحضور جنازة قريب له من الدرجة الأولى، وكذلك من علق في مدينة ما كان قد جاءها خلال آخر 15 يومًا ولا يوجد له مكان إقامة بها، فعندئذ يمكن القيام برحلات بين المدن بموجب قرار من الولاية". وزارة الداخلية ذكرت كذلك أنه سيتم إنشاء نقاط صحية في مداخل ومخارج محطات الحافلات لتوقيع الكشف الطبي على الركاب ومضيفي الحافلات التي سمح لها بالسفر، ولن يسمح لأحد بالخروج إلا بعد فحصه. والجمعة، أعلن وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، ارتفاع عدد الوفيات جراء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى 92 بعد تسجيل 17 وفاة خلال الـ24 ساعة المنقضية، فيما ارتفعت الإصابات إلى 8569، بعد تسجيل 2069 حالة جديدة. وتم تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في تركيا يوم 10 مارس/آذار الجاري. وفي وقت سابق، اعترف وزير الصحة بتفشي الفيروس في جميع أنحاء البلاد، وأن الإصابات والوفيات في ازدياد مستمر، بحسب تصريحات أدلى بها عقب اجتماع للجنة العلمية التابعة لوزارة الصحة.
حتى 3 أسابيع مضت ظلت تركيا تصر على أنها خالية من فيروس كورونا، لكن الأمر تغير مؤخرا بشكل درامي، لدرجة أن خبراء حذروا من أنها قد تواجه مصير إيطاليا، البلد الأوروبي الأكثر تألما من الوباء. وأعلنت أنقرة في 10 مارس الجاري أول إصابة بفيروس كورونا المستجد المعروف أيضا باسم "كوفيد 19"، لشخص قالت إنه حمل الإصابة معه من أوروبا. وقال حينها وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، إن "كورونا ليس أقوى من التدابير التي اتخذناها، وإصابة شخص به لا يمثل خطرا بالكلية، فقد تم عزله ومن ثم لا يوجد تهديد بالنسبة للمجتمع". لكن بعد يومين أطلق الوزير تصريحا مناقضا، حث فيه الشعب التركي على الصمود لمدة شهرين، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول "الطمأنينة" التي روج لها لفترة طويلة. وانتقلت تركيا من مرحلة "خداع الذات" في فبراير إلى الشعور بوقوع حالة طوارئ وشيكة، وذلك عبر تحليل التغيرات في تغريدات وزير الصحة، طبقا لموقع "المونيتور" الاستقصائي. والجمعة 27 مارس، بلغت حصيلة الوفيات في تركيا 92، فيما بلغت الإصابات 5700 من جراء الفيروس. وأثار هذا الأمر قلق الخبراء، بحسب موقع "المونيتور"، إذ إشاروا إلى أن هذا المعدل يفوق معدل الإصابات والوفيات في الفترة ذاتها من بداية تفشي الفيروس في إيطاليا، بؤرة كورونا الرئيسية في أوروبا. وأمام زحف الفيروس الذي لا يرحم، أقر قوجة في خطاب تلفزيوني بأن كورونا منتشر في جميع أرجاء تركيا، واعترف في وقت لاحق بالحاجة إلى إجراءات أشد صرامة لمواجهة الوباء. وتظهر أزمة كورونا خليطا من الأخطاء والمزاعم وسوء الإدارة في حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. وعلى سبيل المثال ذهب بعض "العلماء المزيفين" الذين ظهروا على شاشات التلفاز الموالية لأردوغان إلى القول إن الأتراك "محصنين بفضل شكل تركبيهم الجنيي"، الأمر الذي دحضته الحقائق لاحقا، بحسب الموقع الاستقصائي. ولم يستغرق ظهور الفيروس في تركيا وقتا طويلا، ليبدأ المرض في إصابة الأتراك أسوة بغيرهم من البلاد. ونصحت الحكومة الأتراك بعدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة القصوى، وبتقليل التواصل الاجتماعي، في حين استمرت الأعمال كما هي، الأمر الذي ترك نافذة لفيروس كورونا لكي يتسلل منها. ولم تتوقف الرحلات الجوية في تركيا مع الخارج إلا ليل الجمعة، مع ملامسة حصيلة الوفيات رقم 100 في البلاد. ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن أردوغان، قوله إنه سيتم إغلاق كافة أماكن التنزه والسواحل والغابات نهاية الأسبوع، كما لن يسمح بالتجمعات، وسيتم تطبيق نظام العمل المرن بالحد الأدنى من العاملين في القطاع الخاص، كما هو الحال في العام. وجاءت هذه الإجراءات متأخرة بعض الشيء في تركيا، وفي ظل مجتمع يعيش حالة استقطاب حادة، فنصفه لا يثق فيما يفعله أو يقولوه المسؤولون، الأمر الذي امتد أيضا إلى أزمة كورونا، بحسب "المونيتور". وأعرب الأستاذ التركي في كلية بوسطن للطب إمراح إلتينديس، عن قلقه من ارتفاع معدل الإصابات بفيروس كورونا، محذرا من أن أنقرة "على طريق إيطاليا وإيران". وأرى أن تركيا تأخرت كثيرا في إجراء اختبارات فيروس كورونا، فضلا عن أنها تجري عددا أقل مما هو مطلوب، مشيرا إلى أن كوريا الجنوبية تجري يوميا 20 ألف اختبار لكشف الإصابة بالفيروس، في حين بلغ إجمالي الفحوص في تركيا 20 حتى 18 مارس الجاري. وقال إن التباعد الاجتماعي الذي دعا إليه أردوغان قد يكون ذات تأثير ضئيل "طالما أن الملايين من الناس يستمرون في الذهاب إلى أماكن العمل كل يوم". ومن جهة أخرى، رسم الأستاذ المتخصص في الأمراض المعدية بجامعة إسطنبول هالوك كوكوغراس، صورة قاتمة لتركيا في ظل أزمة فيروس كورونا. وقال كوكوغراس إنه بالنظر إلى معدل الحالات في البلاد، قد تتجاوز تركيا إيطاليا في غضون أسبوعين، مشددا على "الحاجة الماسة لحظر تجول تام على مستوى البلاد". وأضاف: "الاقتصاد سينهار وستكون لدينا مشاكل اجتماعية، لكن ليس لدينا خيار آخر لوقف تفشي المرض". وفي مؤتمر صحفي، الجمعة، قال قوجة إن تم تسجيل 17 وفاة وأكثر من 2000 إصابة خلال يوم واحد، ودعا إلى اتخاذ إجراءات صارمة من أجل مكافحة انتشار الفيروس. لكن مع ذلك، لم يدع إلى حظر التجول البلاد، بل إلى تنظيم أيام وساعات العمل وأوقات العطل، بحسب موقع "أحوال التركي".