كورونا بين النبوءة المختلقة والرضيع الناطق!
مع تفشي وباء الفيروس التاجي واشتداد حدته، انتشرت كالنار في الهشيم رواية مختلقة عن نبوءة قديمة، زُعم أنها تحدثت بالتفصيل عما يواجهه العالم اليوم. وتداولت أعداد كبيرة من الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي صورة قيل إنها من الصفحة 365 من كتاب بعنوان، أخبار الزمان لإبراهيم بن سلوقية. وفي هذه الصفحة نسب لابن السلوقية نبوءة، أُقحم فيها العدد 2020، وشهر مارس، وتوصيف رمزي يشبه ما يحصل الآن في الأرض من مكابدات جراء تفشي الفيروس التاجي. اللافت أن إبراهيم بن سلوقية الذي يزعم أنه توفى عام 463 هجرية، لم يولد ولا وجود له قبل ظهور هذه "الفرية" التي تناقلها العديد وروجوا لها على أنها "نبوءة" رصينة، بحكم نسبتها إلى عالم وإلى كتاب. أما كتاب "أخبار الزمان" فهو موجود فعلا، لكن صاحبه ليس ابن السلوقية، بل المؤرخ الشهير، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، صاحب كتاب مروج الذهب.
كتاب المسعودي "أخبار الزمان"، بمثابة موسوعة جغرافية تاريخية تعكس ثقافة العصر بين عامي 896 و957 ميلادية، وقد ترجم إلى عدة لغات من بينها الفرنسية والإنجليزية، لكن "النبوءة" المزعومة لا علاقة لها به، ولا أثر لها فيه. بل إن كتاب المسعودي الأصلي، وفق أول طبعة صدرت عام 1966، يتكون من 278 صفحة، وبالتالي فلا وجود للصفحة 365 التي حددت على نسخة الصفحة المصورة، الرائجة في مواقع الإنترنت. واللافت أيضا أن هذه "النبوءة" المزيفة، حشر فيها واضعها شهر مارس، وهيهات أن يستعمل مؤرخ مسلم متوفي في عام 463 هجرية، التقويم الشمسي.
ولم يتوقف مثل هذا التزوير الفج على هذه الكذبة الكبرى التي اختلقها صاحبها، وسوق لها ووفر لها الأسانيد، لغاية في نفسه، بل وتعددت أشكال مثل هذه "الثقافة" الوهمية التي تروق للبعض وتتوافق مع قناعاتهم "الغيبية"، وتجسدت في عدة صور وفتاوى وتحاريف. وكان آخر ما تفتق عنه مثل هذا الخيال الشعبي، ما نقلته صحيفة "التيار" السودانية من ظهور "شائعة ولادة طفل يتحدث"، وأنها أثارت الهلع بجنوب دارفور. ونقلت الصحيفة عن محجوب حسون، مدير وكالة السودان للأنباء بهذه الولاية، قوله: "إنهم قاموا من النوم الساعة الثانية صباحا على أصوات الهواتف التي تدعو المواطنين لصلاة ركعتين، وشرب شاي بدون سكر (سليقة) من أجل رفع أو دفع بلاء كورونا". وأشار هؤلاء وفق النص المنسوب إلى ولادة طفل يتكلم، نقل عنه نصيحة بشرب الشاي وصلاة ركعتين، ومن لا يفعل يموت قبل شروق الشمس! وحددت هذه الرواية مكان ميلاد الطفل، وتضاربت معها أخرى، وزُعم أن هذا المولود مات! وبعد أن ساق المنشور الغريب تفاصيل من القيل والقال، اختتم الحديث بالقول إن عددا من أئمة المساجد بالمنطقة دعوا "المواطنين إلى الرجوع إلى الله والتوبة النصوحة وعدم الانصياع إلى الشائعات، ولا بد من إعمال العقل والمنطق وقياس الأمور بمقياس الدين وليس بمقياس الهوى والشائعات كل حسب أجندته". وكانت النيابة العامة في السعودية قد بادرت مؤخرا إلى التصدي إلى مثل هذه الظواهر الخطيرة والمهلكة بما تجر من تبعات، حيث أمرت بالقبض على 3 أشخاص، اتهمتهم باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي في "التأول على الله والإرجاف الديني بسبب فيروس كورونا". وأوضحت النيابة العامة السعودية أن هؤلاء متهمون أيضا بـ"اختلاق مسببات عقابية وتأثيمٌ آثم واسقاطات تحريضية مُدلِّسة، تحت طائلة المُساءلة الجزائية المشددة".