أميركا مستعدّة لزلازل وحروب وغزو فضائيّ.. لا كورونا!
لم يعطِ الأميركيون فيروس كورونا المستجدّ أهمية حتى الأسبوع الماضي، في حين أن الخطر الحقيقي يكمن في نمط الاستهلاك الأميركي والنظام الصحّي، لا في الفيروس نفسه.
قبل أسبوعين، بدأ أطباء لبنانيون وعرب يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية بالتواصل مع نظرائهم في إيطاليا، بهدف نقل التجربة الإيطالية في مكافحة كورونا والاستفادة منها. وقد فوجئ الأطباء في إيطاليا بعدم جهوزية مستشفيات في نيويورك وميتشيغان وغيرهما من الولايات للوباء القادم. تأخرت الولايات المتحدة الأميركية كثيراً قبل أن تدرك حجم المأزق الذي أوقعها به "استهتار" الرئيس الأميركي دونالد ترامب. دعونا والكلام السياسي جانباً. المشهد في نيويورك، بحسب لبنانيين وعرب يقطنون في الولاية الأشهر والأهم اقتصادياً، مرعب! ثمة قناعة تامة لدى الأميركيين بأنّ عدد الإصابات يفوق المعلن عنه، في ظلّ عجز رسمي عن مواكبة سرعة انتشار الوباء. لم يعطِ الأميركيون فيروس كورونا المستجدّ أهمية حتى الأسبوع الماضي. ما قبل ذلك، كان الجميع قد انخرط في مشاهدة الصين ودول أوروبا تتخبّط في المعركة، من دون الاكتراث إلى احتمال انتقال "العدو" إلى الأراضي الأميركية المتحصّنة خلف المحيطات. وللدقّة، إن اهتمام الأميركيين الحالي بالفيروس بعد انتشاره في بلادهم، لم يرقَ إلى مستوى الخطر. الخطر الحقيقي يكمن في نمط الاستهلاك الأميركي والنظام الصحّي، لا في الفيروس نفسه، فالولايات المتحدة، الدولة الأقوى في العالم، بنت اقتصادها و"حضارتها" على إنتاج السلاح والمركّبات الضخمة والطائرات، لا أدوية التعقيم والمنادل الورقية. وها هي اليوم تدفع ثمن ذلك نقصاً واسعاً في السلع الأساسية، كأدوية التنظيف والتعقيم والكمامات. ولولا مسارعة الصين إلى تلبية جزء يسير من الحاجة، لكانت حالة الهلع أشدّ مما هي عليه اليوم. أما في ما يخص النظام الصحي، فالحال نفسه في جميع الولايات الأميركية، قصور في إجراء الاختبارات للكثيرين ممن تظهر عليهم أعراض الفيروس، بمن فيهم المسنون. ليست المشكلة مادية، إذ يمكن للجميع التوجه إلى المستشفيات لطلب العلاج، لكن المشكلة الرئيسية في عدم جهوزية النظام الصحي الأميركي لمواكبة أزمة بهذا الحجم. أكبر مستشفيات الولايات المتحدة لا تحتوي غرف عزل تزيد على 40 أو 50 سريراً على أكثر تقدير. العدد غير ملحوظ في أزمة تتحدّث فيها السلطات عن سيناريوهات سيئة تشمل مئات الملايين. المشهد العام يشي بالنتيجة التالية: الولايات المتحدة الأميركية مستعدة للحروب والزلازل والغزو الفضائي... لكنها غير مستعدة لفيروس كورونا. في ميتشيغان، حيث الجالية العربية الأكبر، إقبال واسع على شراء الأسلحة خوفاً من ازدياد الجرائم على خلفية عدم توفر الكثير من السلع. يحكي أحد اللبنانيين الذين يعيشون في الولاية منذ عقدين من الزمن أن الخبز نفد لساعات طويلة قبل 10 أيام، بعدما تهافت كثيرون لشرائه بكميات تفوق حاجتهم إلى الاستهلاك مدفوعين بالخوف، قبل أن تعود الحياة للانتظام، لأن نمط الحياة الأميركي لا يتلاءم والحجر في المنازل! من المبكر الاستنتاج والحديث عما ستفعله الولايات المتحدة في حربها العالمية الحالية، لكن المؤكّد أن النمط الاستهلاكي والاقتصاد الأميركيين لن يكونا على حاليهما بعد مرور الأزمة، وأن تغييراً جذرياً في طريقه إلى أقوى دولة في العالم، ما لم يكشف ترامب عن العقار الذي يمنع تكرار المأساة الإيطالية في الولايات الأميركية كلها.