بين الجوع أو المرض.. خيارات إجراءات العزل ترهق الأفارقة!
صندوق النقد الدولي يصادق على منح غانا حزمة مساعدات بقيمة مليار دولار لمساعدتها على مواجهة فيروس كورونا المستجد، وإجراءات العزل في إفريقيا تضع الناس أمام خيارات صعبة.
أعلن صندوق النقد الدولي اليوم الثلاثاء، مصادقته على منح غانا حزمة مساعدات بقيمة مليار دولار لمساعدتها على مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد. وسيتم منح المساعدة لغانا من خلال تسهيل الائتمان السريع وسط تعثر نموها الاقتصادي وتزايد احتياجات حكومتها للتمويل، بحسب ما أفاد الصندوق في بيان على موقعه. إلا أن الوضع في سائر البلاد الإفريقية لا يزال في تردٍ مستمر، وفيما تبذل الدول الإفريقية جهوداً مضنية للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا، يحذر مراقبون من أن المشاهد المروعة للوقائع التي حصلت الجمعة الماضي لن تكون الأخيرة في حال أخفقت الحكومات في مساعدة ملايين الفقراء الذين بالكاد يعيشون في المدن. حيث تدافع الناس للحصول على حصص غذائية تقدم في أحد الأحياء العشوائية في العاصمة الكينية نيروبي، مما أدى إلى سقوط نساء وأطفال أرضاً مدميين، وتعرضوا للدوس تحت أقدام المتدافعين، فيما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، وحمل رجال عصي ضربوا بها الجياع، في مشهد مروّع. رئيس حركة "الأمل الساطع للتجمعات السكانية"، وهي حركة شعبية تعمل في حي "كيبيرا" العشوائي في نيروبي، وتجمعات سكنية عشوائية أخرى في كينيا، كينيدي اوديدي، قال إنه يعطي الحكومة "أسبوع إلى أسبوعين قبل أن تسوء الأمور. ليس بما يتعلق بفيروس كورونا المستجد، بل بما يتعلق بالجوع"، مضيفاً أنه "اذا استمر الأمر هكذا قد نكون نلعب بالنار". وأوضح أوديدي، أن للتدابير التي قال الرئيس أوهورو كينياتا أنه سيتخذها، "تداعيات حادة وتتسبب بخسارة وظائف بين الفقراء"، حيث قال الرئيس كينياتا إنه قد يفرض "إغلاق تام لجعل المواطنين يلتزمون بالقواعد". ويقول المسؤولون إن هذا "خيار مؤلم وخصوصا أن 60% من سكان نيروبي يقيمون في أحياء عشوائية". ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول أمني رفيع طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله إن "حبس الناس في الأحياء العشوائية سيكون الخيار الأخير. يتعين بذل الكثير من الجهود قبل الوصول لذلك". ويذكر أن كينيا عزلت العاصمة نيروبي، وأجزاء من الشريط الساحلي، وفرضت حظر تجول ليلي، بالإضافة إلى تدابير أخرى من إرشادات التباعد الاجتماعي.
وصل فيروس كورونا متأخراً إلى إفريقيا، لكنه يتفشى شيئاً فشيئاً مع أكثر من 15 ألف إصابة و800 وفاة في أنحاء القارة. وسارعت دول إفريقية إلى إغلاق حدودها وحظر التجمعات الكبيرة، ولم تنتظر لأسابيع كما فعلت معظم الدول الأوروبية. وكانت تونس وموريشيوس ورواندا أولى الدول التي فرضت إغلاقاً تاماً. وذهبت موريشيوس إلى حد إغلاق متاجر السوبرماركت والمخابز 10 أيام. أما جنوب إفريقيا، أكبر اقتصادات القارة، فقد عزلت مواطنيها تماماً، فيما فرضت نيجيريا إغلاقاً على لاغوس، ثاني أكبر مدن القارة، وأبوجا العاصمة، ومددت يوم أمس الإثنين الإجراءات لأسبوعين. في ليبيريا وزيمباوي الواقعتين جنوب الصحراء، فرضت السلطات إجراءات إغلاق تام. وعزلت مدغشقر وغانا بعض البلدات والمناطق بشكل تام، فيما فرضت السنغال وموريتانيا وغينيا ومالي وساحل العاج وبوركينا فاسو والنيجر حالة الطوارئ ومنع التجول ليلاً. ومثل كينيا، عزلت بنين مدناً رئيسية ومنعت الدخول والخروج منها، فيما تم إغلاق عواصم ساحل العاج وبوركينا فاسو والنيجر. إلا أن هذه الإجراءات غير كافية، لأن ملايين الناس يقيمون في أحياء عشوائية مكتظة في المدن. وقال جاكي سيلييرز من معهد دراسات الأمن في بريتوريا والذي كان قد دعا الأفارقة لإيجاد "حل فريد" للتصدي للفيروس إن "رد الفعل الحتمي هو القيام بما تقوم به باقي دول العالم"، لافتاً إلى أن "الإغلاق غير قابل للتنفيذ وغير مستدام في معظم أنحاء إفريقيا". وأضاف أن الدول الأفريقية "يحاولون القيام بشيء غير ممكن ويفرضون على الناس الاختيار بين الجوع والمرض"، مشيراً إلى أنه "من غير الممكن لعشرة أشخاص يقيمون في كوخ صفيح ... ألا يخرجوا منه لثلاثة أسابيع". غير أن معظم دول القارة لم تجبر جميع مواطنيها على لزوم منازلهم، حيث أن إثيوبيا البالغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون، فقد أغلقت الحدود والمدارس ونصحت الناس بعدم التجمع بأعداد كبيرة، لكنها لم تقيد حركة التنقل. وقال رئيس الوزراء الأثيوبي أبيي أحمد "لا يمكننا فرض إغلاق مثل الدول الأكثر تطورا لأن الكثير من المواطنين ليس لديهم بيوت"، مضيفاً أنه "حتى أولئك الذين لديهم بيوت عليهم أن يكسبوا لقمة العيش يومياً". وفي الجانب الآخر هناك بوروندي وتنزانيا اللتان تتواصل الحياة فيهما بشكل عادي فيما حكومتاهما قللتا من أهمية مخاطر الجائحة. وقال رئيس تنزانيا جون ماغوفولي إن "فيروس كورونا المستجد لا يجب أن يكون سبباً لتدمير اقتصادنا أبداً".
الحكومات الإفريقية تحاول تخفيف الأعباء الإقتصادية عن مواطنيها
وبحسب تقرير لـ"فرانس برس"، فإن الخبراء يتفقون على الحاجة لدعم حكومي كبير من أجل أن تعمل مختلف مستويات العزل في إفريقيا. و"هذا تحد في قارة تعتمد العديد من دولها بشدة على مساعدات المانحين". وخفضت كينيا الضرائب، وتقوم بتوفير المياه مجاناً للأحياء العشوائية، فيما تقوم حكومة السنغال بتسديد فواتير الكهرباء. أما الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، فقد حض مالكي العقارات على السماح للمستأجرين بالإقامة من دون دفع قيمة الإيجار إلى حين انتهاء الأزمة. المعلقة السياسية ريتشل ستروم قالت إن "مثل تلك التدابير تفيد بشكل خاص الأشخاص في القطاع الرسمي"، لافتة إلى أنه "في لاغوس وأوغندا وروندا وجنوب إفريقيا وسواها، تقوم الحكومة بتوزيع الحصص الغذائية لكن في معظم الأحيان لجزء من الأشخاص الضعفاء". وتدعم ستروم فكرة تحويل أموال مباشرة للمواطنين، وخصوصاً "لتجنب الفوضى وعدم المساواة في توزيع الغذاء". وقالت إنه يتعين على المانحين الأجانب الذين يواجهون بدورهم أزمات اقتصادية ناجمة عن الفيروس، التدخل. ويمكن إجراء فحوص على نطاق واسع كحل لتجنب الإغلاق التام والانهيار الاقتصادي، لكن فقط جنوب إفريقيا تسعى لهذه المقاربة، إلا أنه أجري قرابة 70 ألف فحص فقط حتى الآن، وهو مستوى لا يزال "منخفضاً جداً" حسبما أقر وزير الصحة زويلي مخيزي. وغالبية الدول قادرة فقط على إجراء عدد محدود من الفحوص. من ناحية أخرى فقد أدت تدابير أكثر صرامة في أنحاء القارة إلى تزايد عنف الشرطة، في وقت تبذل السلطات جهوداً مضنية لجعل المواطنين يلتزمون بالتدابير. ويذكر أن خبراء منظمة الصحة العالمية حذروا قبل عدة أيام من التداعيات المدمّرة التي قد تنجم عن انتشار فيروس كورونا في قارة أفريقيا، موضحين أن القارة الأفريقية تبدو حتى الآن غير مهيأة لإدارة أزمة صحية كبرى مثل كورونا.