باتت استقالة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو التي تراجع عنها مؤخرا بمثابة تمثيلية أراد من خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنقاذ نفسه من ورطة سوء إدارته لأزمة فيروس كورونا المستجد.
استقالة صويلو التي أعلنها الأحد الماضي، لم يلبث أن تراجع عنها عقب رفضها من أردوغان، في سيناريو سيئ الإخراج أثمر نتائج عكسية خيبت آمال الرئيس التركي الذي كان يأمل في أن تسهم بتحريف الأنظار عن أدائه الكارثي لمواجهة الفيروس القاتل.
لم يكن أبدا الحسّ الأخلاقي هو ما دفع صويلو إلى كتابة تلك الكلمات المؤثرة، التي حاول جاهدا أن يضخ عبرها أقصى مشاعر الإنسانية والوطنية وحس المسؤولية، فهو في النهاية يظل سيف أردوغان المسلط على رقاب خصومه من كل التيارات والانتماءات. مصادر مقربة من دوائر القرار لفتت إلى أن ما يدور في كواليس الحكم في تركيا أكبر بكثير من تلك المسرحية الهابطة التي أدى دور بطولتها وزير الداخلية، وإن بدا كدمية تحركها خيوط أردوغان، لتنكشف صراعات حادة داخل الائتلاف الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية، وحليفه القومي المتشدد الحركة القومية. تصدّع يبدو أن مسرحية الاستقالة كانت القشة التي أراد بها أردوغان إخماده، لكن السياق والتوقيت واختلاط الأوراق، جميعها عوامل أسهمت في خروج الأمور عن السيطرة، لتطفو على السطح.
فقيام صويلو بتقديم استقالته ثم رفضها أردوغان لاحقا جعل الأول يتحمل وزر مصيبة إعلان الحظر الأسبوع الماضي، وما تبعه من حالة هلع وتكدس للمواطنين أمام المحلات والمخابز دون أدنى وسائل الوقاية، ما قد يكون منح أردوغان فرصة النجاة من تداعيات القرار بأدنى التكاليف السياسية الممكنة، لكنه أغفل أن السيناريو برمته سدد ضربة إضافية لتماسك الحكومة والحزب ولمعادلة الولاء القائمة. ضربة يتوقع محللون أن تتجلى بالمستقبل القريب من خلال انشقاقات جماعية، أو إعادة لترتيب التموقعات داخل الائتلاف الحاكم حسب نتائج أزمة كورونا، وسط حديث عن استياء بالغ حيال ما حدث من قبل وزير الصحة فخر الدين قوجة.
مسرحية الاستقالة كشفت أيضا الدرجة السحيقة التي بلغها منسوب الحقد الدفين والمتبادل بين صويلو وصهر أردوغان؛ بيرات البيرق وزير الخزانة والمالية. فصويلو، ذراع أردوغان لقمع المعارضة، أراد أن يحصل على جزء من "مرابيح" العرض المسرحي، وطبعا كان لا بد أن يسدد الضربة لغريمه الأزلي، البيرق، الذي لطالما اندلعت بينهما حروب باردة، لكن أردوغان كان يحاول التغاضي عن الأمر، لحاجته لوزيره صويلو. البيرق ينافس صويلو على الزعامة المستقبلية للحزب الحاكم، ولذلك قبل الأخير لعب دور يحمل في ظاهره تضحية جسيمة لإنقاذ أردوغان من ورطته، لكنه في باطنه لا يعدو أن يكون سوى مناورة لابتزاز أردوغان نفسه، وجعله يدرك أهميته المحورية في استمراره بالسلطة، ما يدفعه نحو الضغط على صهره، بما يترك له مزيدا من المجال للتحرك. صحيفة "الزمان" التركية المعارضة، أكدت أن استقالة صويلو وعودته لمنصبه من تجليات الصراع بين ما يسمى "مجموعة البجع" (باليكان) التابعة لـ البيرق، وصويلو المعروف بعلاقاته الوطيدة مع حزب الحركة القومية وتنظيم "أرجنكون" (الدولة العميقة).
واعتبر رئيس حزب المستقبل، في تركيا، أحمد داود أوغلو، أن قرار استقالة صويلو، يدل على أن "هناك أزمة في إدارة البلاد". وقال عبر حسابه على "تويتر": "علينا جميعا أن نقيّم ونفكر في الأمر بعد الأزمة التي عشناها على مدار اليومين الماضيين، خصوصا من يجلسون على كرسي الحكم يجب عليهم أن يدرسوا المشهد ويستخرجوا الدروس اللازمة". وجاء قرار استقالة سليمان صويلو بعدما تسبب قراره المفاجئ بإعلان تطبيق الحظر على التجوال لمدة 48 ساعة قبل ساعات من سريانه في ارتباك المواطنين وتكالبهم على المتاجر لتأمين احتياجاتهم.
وأكد داود أوغلو ضرورة أن تصدر القرارات برأي مشترك من جميع الوزراء بعد التنسيق معهم جميعا. أما عن رفض رئيس الجمهورية أردوغان لقرار الاستقالة، فقال داود أوغلو: "الوزير تحمل المسؤولية عما حدث، ولكنه سبق أن قال إن أردوغان هو من أصدر القرار، ليظهر لنا أن هناك أزمة في إدارة البلاد".
قالت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية، الثلاثاء، إن استقالة وزير الداخلية التركي، لفشله في إدارة أزمة كورونا فضحت حجم الصراعات داخل نظام أردوغان والحكومة التركية. وأكدت، في تقرير لها، أن الاستقالة التي رفضها أردوغان أثارت موجة من التوتر داخل الحكومة، وعزّزت من فرص وزير الداخلية الذي وصفته بـ"واحد من أقوى الشخصيات وأكثرها طموحا". وأوضحت الصحيفة أن إعلان صويلو استقالته المفاجئة، مساء الأحد، أثار تكهنات واسعة حول احتدام معارك وراء الكواليس بين صويلو، وخصومه السياسيين من جهة، وبينه وبين أردوغان من جهة أخرى. ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن وزير الداخلية التركي، استغل سلسلة من المقابلات الإعلامية معه يومي السبت والأحد، لتبرئة نفسه من قرار فرض الحجر الصحي على المدن التركية، مؤكدا أنه ليس من وزارة الداخلية بل كان بأمر أردوغان.
وقال أيقوت أردوغدو، نائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطي أكبر أحزاب المعارضة التركية، والبرلماني عن مدينة إسطنبول، في تغريدة بـ"تويتر"، إن صويلو حاول التغطية على فشل أردوغان لأنه هو من أصدر تعليمات بفرض حظر تجوال مفاجئ، ما تسبب في فوضى عارمة. أردوغدو قال أيضاً في تغريدته: "نعم الهدف الرئيسي من مسرحية الاستقالة هو التستر على أردوغان الذي أعطى قرار الجمعة السوداء"، وتابع: "الاستقالة شكلية، هدفها أن يتحمل المسؤولية بدلًا من أردوغان الذي لم يقبل الاستقالة".
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن استقالة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، مسرحية هزلية للتغطية على الفشل في احتواء فيروس كورونا. وتحت عنوان: "في تركيا، الحجر الفوضوي يورط النظام السياسي"، قالت "لوموند" إن ارتفاع الحمى في أنحاء تركيا جعل المشهد يبدو درامياً بسبب تفشي فيروس كورونا، مشيرة إلى أن أردوغان رفض استقالة وزير الداخلية سليمان صويلو بعد بدء ما وصفته بـ"الحجر الفوضوي". ونقلت "لوموند" عن الكاتب التركي إبراهيم قراغول أن "هذا القرار في مثل هذا الوقت يغرق الرئيس في الإحراج ويعقد إدارة الأزمة". وحتى الثلاثاء، سجلت تركيا 107 وفيات جديدة بالفيروس، ليرتفع إجمالي الوفيات لديها إلى 1403. كما سجلت 4062 إصابة جديدة ليرتفع إجمالي الإصابات لديها إلى 65111.
بدأ أكبر أحزاب المعارضة التركية اتخاذ إجراءات لرفع شكوى قضائية ضد قانون العفو العام المثير للجدل، الذي يشمل القتلة وزعماء المافيات ويستثني معتقلي السياسة والرأي. وقال أنغين أوزكوتش، نائب رئيس الشعب الجمهوري المعارض، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سارع إلى التوقيع على القانون لينشر في الجريدة الرسمية، الأربعاء، ليصبح نافذًا. وأضاف أوزكوتش في تصريحات نقلتها صحيفة سوزجو المعارضة: "سنتقدم بشكوى إلى المحكمة الدستورية لإلغاء القانون المتعلق بتنفيذ الأحكام الذي مُرر الإثنين من البرلمان، وقد بدأنا الإجراءات اللازمة". ووسط معارضة شديدة له لاستثنائه المعتقلين السياسيين، أقر البرلمان التركي قانون العفو العام بعد تصويت نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الحركة القومية لصالحه.
واتهمت المعارضة التركية نظام الرئيس أردوغان بادعاء محاولة التصدي لتفشي فيروس كورونا المستجد داخل السجون لتمرير القانون المثير للجدل. ويفتح قانون العفو العام الباب أمام إمكانية قضاء اللصوص وتجار المخدرات والمتهمين في الجرائم الجنسية وأعضاء عصابات المافيا بقية سنوات سجنهم في منازلهم. وبعد إقرار التعديلات المذكورة، سيستفيد منها 100 ألف شخص بينهم 60 ألف مُدان في جرائم مخدرات، ما بين إطلاق سراح وتقليص للعقوبات أو تخفيفها. وانتقدت منظمات دفاع عن حقوق الإنسان مثل "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية، نص القانون، لعدم شموله العديد من الصحفيين والمعارضين السياسيين والمحامين الموجودين في الحجر الاحترازي ولم يخضعوا بعد للمحاكمة. وقال أندرو غاردنر المسؤول في منظمة العفو الدولية لوكالة فرانس برس إن "العديد من الأشخاص القابعين في السجن لأنهم مارسوا حقوقهم -وهم لم يرتكبوا أي جريمة- مستثنون؛ لأن الحكومة تختار استخدام قوانين مكافحة الإرهاب المرنة جدا والمفرطة في الاتساع والغموض". ويقبع في سجون الرئيس التركي الآلاف ممن يجري توقيفهم على خلفية آرائهم أو مواقفهم أو حتى مجرد تدوينة أو تغريدة عبر مواقع التواصل، ليتم الزج بأصحابها في معتقلات يتعرضون فيها لشتى أنواع التعذيب والضغوط. ومؤخرا، تحدثت تقارير إعلامية عن مخططات تستهدف معتقلي الرأي، عبر دس مرضى كورونا لنشر العدوى بينهم في السجون. تقارير أثارت فزع الرأي العام في تركيا، خصوصا أن ظروف احتجاز المعارضين والصحفيين تختلف بشكل جذري عن بقية السجناء.