أسطورة بريطانيا العظمى حطمتها أخطاء كورونا
انتقدت صحفية بريطانية بشدة تعامل حكومة بلادها مع جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وعقدت مقارنة بينها وبين أداء جاراتها الأوروبيات، خاصة ألمانيا وإيرلندا. ورأت الكاتبة راشيل شابي في مقال بصحيفة الإندبندنت أن أسطورة بريطانيا العظمى لا محالة إلى زوال، بعد أن خذلت الحكومة شعبها خذلانا مبينا في أزمة كوفيد-19. وذكرت أنه بينما تجاوزت حصيلة الوفيات جراء جائحة كورونا حاجز عشرة آلاف "على نحو مرعب"؛ يقول السياسيون -وحتى بعض الصحفيين- إن مساءلة الحكومة بشأن تعاملها مع الأزمة لن يحين أوانها إلا بعد انجلائها تماما. وسخرت شابي من الصحف الشعبية (التابلويد) البريطانية التي أفردت صفحاتها الأولى للإعراب عن حبها لرئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي يتماثل للشفاء في منزله الريفي، بعد خروجه من مستشفى سانت توماس بلندن. وقالت إن ذلك الموقف من جانب تلك الصحف جاء في وقت يموت فيه كل يوم ألف شخص في المستشفيات من مرض كوفيد-19، مشيرة إلى أن وفاة تلك الأعداد أشاعت دوامة من الصدمة والألم لعائلات وأصدقاء وزملاء الضحايا والمجتمع برمته. ومضت في سخريتها اللاذعة منتقدة استغراق الإعلام في الحديث عن الأفلام التي شاهدها رئيس الوزراء وهو في فراش المرض، في حين كانت المستشفيات تبذل جهودا مستميتة لإنقاذ أرواح الذين يعانون من أعراض المرض الأشد وطأة. وتابعت شابي هجومها على الإعلام، حيث أشارت إلى أن الأطباء والممرضين فقدوا أرواحهم وهم يعتنون بالمرضى، معرضين أنفسهم للعدوى من دون أن تتوفر لهم معدات وقاية شخصية، في حين كان مذيعو ومذيعات القنوات التلفزيونية يرددون "كالببغاوات" تصريحات وزير الصحة البريطاني مات هانكوك عن الجهود الجبارة التي تبذلها هيئة الخدمات الصحية لتوفير معدات وأدوات الوقاية اللازمة للأطقم الطبية. وأشاد الوزراء البريطانيون بهيئة الخدمات الصحية، لكنهم عزوا في الوقت نفسه النقص في مستلزمات الوقاية الشخصية إلى سوء استخدام الكوادر الطبية لها، بدل تحميل الحكومة مسؤولية الإخفاق في توفيرها. وتطرقت الكاتبة في مقالها إلى جهود دول جوار بريطانيا لاحتواء الجائحة، قائلة إن استجابة ألمانيا للأزمة كانت أسرع، حيث أجرت فحوصا جماعية للسكان، وجاءت حصيلة الوفيات فيها أقل من ربع ما تكبدته بريطانيا. وضربت مثالا آخر بإيرلندا، التي كانت فيها الوفيات جراء الفيروس أقل بكثير من بريطانيا، مضيفة أن الدول الأوروبية التي فرضت إغلاقا كاملا لمدنها ظلت تراقب خوف بريطانيا وهي تسمح للشركات التجارية والمطاعم والحانات بالعمل.
الأزمة القومية
على أن تلك الممارسات والأخطاء الفادحة الأخرى لا يمكن التراجع عنها الآن، وفقا لراشيل شابي التي ترى أن مما خفف حدة الانتقادات الموجهة للحكومة هي حاجة البلاد للوحدة في مواجهة هذه "الأزمة القومية". ولتصحيح مسار الأزمة –تقول الكاتبة- لا بد من معرفة ما حدث من خطأ أولا، مع الإقرار بوجود ثغرات وهنّات مستمرة في الرواية الحكومية بشأن معدات الوقاية وأجهزة التنفس الصناعي والفحوص، أو حتى أعداد الوفيات بفيروس كورونا. وأوضحت شابي أن علماء الفيروسات والأوبئة الذين اتصلت بهم تساءلوا عن الأسباب التي تحول دون استئناف الحكومة البريطانية محاولات تقفي أثر مخالطي مرضى كورونا، التي تخلت عنها منتصف مارس/آذار الماضي. وفي الأثناء، ما يزال مطار هيثرو في لندن يستقبل المسافرين الدوليين دون إجراء فحوص عليهم، في حين يرفض المشرفون على محلات توزيع المواد الغذائية والسلع الحيوية التقيد بإجراءات التباعد الاجتماعي، وغير ذلك من تدابير. وزعمت أن المنتجات البريطانية –بكل ما تتمتع به من بريق وإبداع وروح دعابة- ظلت تخفي وراءها بريطانيا الحقيقية ببنيتها التحتية المتداعية، وإهمالها الشديد وعدم المساواة. وخلصت كاتبة المقال إلى أن وهم بريطانيا العظمى ظل يحجب أعداد الوفيات "الصادمة" التي تجاوزت مثيلاتها في دول الجوار، وهي "أسطورة سيئة تستند إلى كبرياء زائف وتوقعات غير واقعية".