في ظل كورونا.. هل يمكن لولائم رمضان أن تتحول إلى رقمية؟
شهر رمضان هو شهر الزيارات واللمات الأسرية حول مائدة الطعام، خصوصاً وأنه يأتي مرة في العام، ولا يحلو الإفطار إلا بالولائم التي تجمع الأسرة والعائلة، ويليها قضاء السهرات حتى موعد السحور أحياناً. إلا أنه وفي هذا العام ومع وجود كورونا انقلبت الموازين كلها، بحيث أخذ الأفراد ينؤون بأنفسهم عن الآخرين خشية أن تكون تلك اللمّات سبباً في انتشار الوباء بينهم، كما يرى المتخصص في الدراسات الاجتماعية الدكتور فارس العمارات. ومن ناحية اقتصادية، ساهم وباء كورونا فعلياً في تخلص ربات البيوت من بعض العادات الرمضانية كالتهافت على شراء المواد التموينية، بغرض التنوع بالأطباق التي تتناسب وأذواق الأفراد الملتفين حول المائدة، وهو ما يشكل عبئاً كبيراً على عائل الأسرة الملزم بتوفير كافة احتياجات الوليمة.
في ظل كورونا، يبدو أن تلك الولائم قد باتت ضرباً من الماضي، كما يقول العمارات، إذ لم يعد هناك أي أمل في التئام الأقارب والأصدقاء حول مائدة واحدة، كما لا توجد مساحة لأي سهرات رمضانية مثلما اعتاد الأهل والأسرة عليها من قبل، وإنما بات هذا التواصل تواصلاً رقمياً على الأغلب. كيف تكون الولائم رقمية؟ من خلال استخدام التقنيات الرقمية الحديثة والتكنولوجية، والتجمع حول شاشة واحدة للتسامر والسهر بدلاً من التجمع حول مائدة واحدة تتميز بتنويعاتها المتوارثة في الطعام والحلوى، أي تمضية أوقات لا روح فيها بخلاف ما كانوا يعتادون عليها في شهور رمضان السابقة، كما يفسرها العمارات. والاستعاضة عن تجمع الآباء والإخوة والأصدقاء على مائدة واحدة مهما بلغت تكلفتها، بتحويلات مالية، بحيث يقوم الأب أو الأخ مثلاً بتحويل مبلغ مالي لابنته أو أخته يساوي حجم مائدة الإفطار، وما يتبعه من سهرة يتخللها حلوى تقليدية اعتادت عليها الأسرة العربية خلال ليل رمضان وسهراته، وبالتالي يساهم هذا المبلغ بالتخفيف من حجم الظرف الاقتصادي الذي يعاني منه البعض بسبب الحجر المنزلي. ومع ذلك، يبقى هذا المبلغ في نظر الآخرين لا يساوي سهرة رمضانية تلتف فيها العائلة حول المائدة التي تعجّ بالروح والمحبة والألق وأصوات الأطباق.
مسألة الحجر المنزلي وأزمة كورونا تمكنت من إلزام الجميع بيوتهم ووضعت عليهم تباعداً اجتماعياً لم يكونوا ليرغبوا به، وجعلتهم اليوم في شهر رمضان مضطرين لقبول هذه الرقمية التي لم يعهدوها من قبل، ومقدّرين كل ما يقوم به الأبناء أو الآباء انطلاقاً من أن الصحة وعدم انتشار الوباء أهمّ من أي تجمّع، خصوصاً أنه بات من الضروري التزام الجميع بكل ما هو وقائي مهما كانت الوسيلة أو الطريقة. وبتقدير العمارات، فإن الجميع اليوم أمام عصر جديد ورمضان بحلّة جديدة، طغت عليه الرقمية بكل تفاصيلها، وبات من الضروري أن يكون الأفراد أمام تحدٍّ كبير في مواكبة كل ما هو جديد يتعلق بالرقمية والتواصل الرقمي، خاصة وأنه يمكن لكل فرد مواصلة حياته بكل تفاصيلها، والسعي جاهداً لأن يكون بعيداً عن أي وسيلة لانتشار هذا الوباء؛ فالنفس البشرية حياتها أهم من أي تجمع أو وليمة أو سهرة، يمكن إقامتها بعد عودة الحياة إلى طبيعتها.