اعتذار 6 دول عن رئاستها مغردون ينعون الجامعة ..غابت سورية فانكشف العرب فأي قيمة استراتيجية لدمشق في رسم التوازن في العمق العربي؟
بعد تخلي عدد من الدول عن رئاستها، ليبيا تلحق بقطار المعتذرين عن رئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية، والأخيرة تتحول إلى مادة للانتقاد والسخرية على منصات التواصل الاجتماعي.
لحقت ليبيا أمس بقطار المعتذرين عن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، بعد تخلي فلسطين عن رئاستها، واعتذار كل من قطر وجزر القمر والكويت ولبنان، رداً على إعلان التطبيع الإماراتيّ والبحرينيّ مع تل أبيب. فيما لم يصدر تعليق من الجامعة العربية بشأن اعتذار ليبيا والدول الأخرى عن رئاسة دورتها الحالية، والخطوة المقبلة بشأن رئاسة المجلس. وبعد قرار اعتذار هذه الدول، دعا مغردون عرب، عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلى إعلان "وفاة" الجامعة العربية، التي تخلى عن رئاسة دورتها الحالية نحو ثلث أعضائها البالغ عددهم 22 دولة، بينهم سوريا المعلقة عضويتها، لا سيما بعد إسقاطها مشروع قرار فلسطيني يدين التطبيع العربي مع "إسرائيل". وباتت الجامعة العربية، خلال الساعات القليلة الماضية، في مرمى نيران انتقادات وسخرية ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، عقب توالي اعتذارات أعضائها عن رئاسة دورتها الحالية.
وفي 9 أيلول/سبتمبر الماضي، لم يدن اجتماع وزراء الخارجية العرب، المخصص أصلاً لمناقشة القضية الفلسطينية، التطبيع مع "إسرائيل"، رغم إلحاح فلسطين في طلب ذلك، مكتفياً بتجديد التمسك بمبادرة السلام العربية حلاً للقضية، والتزام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. كما تفاعل عشرات المغردين العرب مع كاريكاتير ساخر للجامعة العربية لسيارة متهالكة قديمة الصنع، معلقة على مرآتها نجمة سداسية اتخذها اليهود شعاراً لهم، وأطلقوا عليها "نجمة داود".
ودون على الكاريكاتير الساخر عبارة: "مطلوب سائق لديه خبرة في الشجب والتنديد ولا مانع عنده من التطبيع"، ليلقى تفاعلاً واسعاً على "تويتر".
ولم تكن تلك الانتقادات الساخرة هي الأولى التي تواجهها الجامعة العربية، إذ دشن مدونون على "فيسبوك"، في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، حملة لجمع مليون توقيع، للمطالبة بتحويل مقر الجامعة إلى "قاعة أفراح"، لتحقيق ما اعتبروه "استفادة كاملة من كيان عديم المنفعة". وظلت جامعة الدول العربية في مقرها بميدان التحرير وسط القاهرة منذ تأسيسها عام 1945، باستثناء الفترة بين 1978 و1990، التي تم فيها نقل المقر إلى تونس، بسبب خلافات آنذاك لاتفاقية السلام بين مصر و"إسرائيل"، قبل أن تعود مجدداً إلى القاهرة.
غابت سورية فانكشف العرب..فأي قيمة استراتيجية لدمشق في رسم التوازن في العمق العربي؟
تدرج النظام الرسمي العربي من الرفض المطلق لاحتلال فلسطين، وصولاً إلى فتح بوابة احتضان "إسرائيل" وتبرير التحالف معها. رغم "هزيمة عام 67"، لم تتراجع جامعة الدول العربية عن ثوابت القضية، وتمسكت بها في قمة اللاءات الثلاث بالخرطوم: "لا سلام، ولا اعتراف، ولا مفاوضات"، تخلت عنها مصر بعد اتفاق كامب ديفيد، وعرضها ذلك لعزلة فرضها النظام الرسمي العربي الذي سرعان ما أصبح حاضنة لـ"اتفاق أوسلو" الفلسطيني ووداي عربة الأردني. فكان ذاك التحول بمثابة ضوء أخضر لعلاقات سرية أقامتها دول خليجية مع الإسرائيليين، سعت كل منها لفرض أجندتها الخاصة، ما خلف انقساماً في المواقف وتصفية للحسابات، استهدفت ليبيا بإبعادها المؤقت، وسوريا بتجميد عضويتها. منذ تغييب سوريا بمواقفها وخطها الاستراتيجي والجامعة تترنح بقمم خاوية الوفاض، خالية من زخمها المعتاد، حتى باتت مختلة التوازن منحازة إلى مسار الانبطاح، حتى تأييد الفلسطينيين ولو بصوت خافت همساً بات أمراً معيباً غير مرغوب، تلك دمشق بمواقفها الوازنة وقد تجلت غاية تغييب صوتها الجهور. يذكر التاريخ إسقاط حق سوريا في عضوية الجامعة بذريعة عدم التزامها بتنفيذ بنود مبادرة عربية كانت تدخلاً في شأن سوري داخلي خالص. على خلاف ذلك، يشتري الإماراتيون مواقف دول عربية بأن تطبيعهم شأن يخصهم وحدهم كما لو أنهم التزموا بالمبادرة العربية. لم يكن ذلك سوى شماعة لتغييب عضو بارز مؤسس، يذكر التاريخ أيضاً رفضه بيعه القضية بـ"أوهام السلام" بل استمسك بالحق الفلسطيني رغم الضغوط. تتضح الصورة أكثر بأن غاية إخراج سوريا، حرف مسار الجامعة عن ثوابتها، أو على الأقل ما تبقى، حيث التطبيع وبيع القضية أمر يراد. ليس من قبيل الصدفة أن يكون المزاج داخل الجامعة متماهياً مع موجة التطبيع الجديدة، وهي الأشد ضراوة والأكثر خطورة على الجامعة ذاتها، بانفراط عقدها.
رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أحمد رفيق عوض أكد أن "تيار الاعتدال تخلص من سوريا في جامعة الدول العربية وبات يعتبر اسرائيل هي الخيار"، لافتاً إلى أن "ابعاد سوريا الدولة والنموذج، أتاح لتيار الاعتدال العربي التصرف كما يشاء". في حين قال الأمين العام المساعد للتجمع العربي لدعم خيار المقاومة، جمال زهران، إن "سوريا مستهدفة لأنها لم تخضع لمسار التطبيع مع إسرائيل"، مشيراً إلى أن "الأنظمة العربية المدعومة من الولايات المتحدة هي التي تسعى إلى التطبيع". أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، اسماعيل دبش، كشف أن ضغوطات كبيرة مورست على الجزائر "لدعم الإرهابيين في سوريا والوقوف ضد دمشق، لكنها رفضت". دبش أكد ، أن "الخطورة لن تتوقف عند التطبيع، بل بإقامة دولة فلسطينية في سيناء"، منوهاً إلى أنه "على الأنظمة العربية أن تعلم أن وجودها مرتبط بدفاعها الشكلي عن القضية الفلسطينية". وأضاف دبش أن "جبهة الصمود التي رفعت التحدي دفعت ثمن دعهما للقضية الفلسطينية"، معلناً أن بلاده الجزائر "تطالب بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية التي باتت مشكلة ويجب إصلاحها". من سخرية الأقدار أن البند الدائم على جدول أعمال الجامعة هو "القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي"، وها نحن أمام أزمة نظام رسمي عربي، خرب بيته وحوله إلى هيكل فارغ من أي روح. هيكل سطا عليه حراسه وانضموا إلى جلادي الحقيقة، بعدما باعوا القضية، ولا عجب في ذلك بالنسبة لمن لا يقرأ إلا في قاموس البيع والشراء.