فلاتر إنستغرام.. هل تقضي على ثقتك بنفسك؟
جاءت مواقع السوشال ميديا لتغير من الواقع الذي نعيشه بشكل كبير، بفضل التطور الحاصل على صعيد التقنيات، الوسائل والأدوات التي تجعلنا نتواصل مع الآخرين بطريقة افتراضية، ما كان له أثره المباشر أو غير المباشر علينا بكل تأكيد. وربما بدأ يتزايد استخدام الأشخاص حول العالم لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة، مع التزام الملايين منازلهم أوقاتا طويلة بسبب جائحة كورونا، حيث باتت تلك المنصات بمثابة المتنفس الذي يمكن أن يخرج من خلاله الأشخاص طاقاتهم ومشاعرهم، فضلا عن الدور الذي توفره لهم تلك المنصات لاستكشاف الثقافات المختلفة ونقل الأفكار والمهارات والاستفادة من آفاق جديدة ومختلفة.
وقد أظهرت بيانات مؤخرا تحول منصة إنستغرام لثاني أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخداما في الولايات المتحدة، خلف منصة فايسبوك، كما أظهرت نفس البيانات زيادة الفترات التي يقضيها المستخدمون على تلك المنصات أكثر من ذي قبل.
وفي غضون ذلك، بدأت تبرز ميزة "الفلاتر" التي أضافتها منصة إنستغرام منذ بضع سنوات، وأضحت تحظى بشهرة واسعة ومتزايدة مع مرور الوقت، لاسيما مؤخرا.
وهو ما علقت عليه بيس أمادي، أستاذة علم النفس المشاركة لدى جامعة "الأمل" الدولية في ولاية كاليفورنيا، بقولها "هناك علاقة راسخة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمخاوف النفسية. وما يمكنني قوله هو أن إنستغرام يرتبط بأعراض القلق والاكتئاب، ويرتبط أيضا بمخاوف مثل القلق المرتبط بالمظهر الجسدي، زيادة عدم الرضا عن الجسم وقلة احترام الذات أو انخفاض معدل الثقة بالنفس". وتابعت أمادي بقولها "والآن، مع تزايد الوقت الذي نقضيه على تلك المنصات، يمكننا أن نعرف أن تلك المخاوف لا تبقى فحسب، وإنما تتزايد لدينا مع مرور الوقت". وبغض النظر عن دوافع النساء تحديدا لاستخدام تلك الفلاتر، سواء كان ذلك لرغبتهن في تجربة ثمة شيء جديد من باب الفضول، أو الرغبة في التغيير أو حتى بسبب الشعور بملل من إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي الحاصل نتيجة جائحة كورونا، فإن دكتور أمادي أكدت أنه ورغم أن الأمر لا يبدو ضارا في البداية، لكن مع كثرة استخدام تلك الفلاتر مرة بعد الأخرى، فإنه قد يتحول إلى ميول ذي صلة بالوسواس القهري حول هيئة الجسم وشكله، وهو ما يجب الانتباه إليه. وأضافت أمادي "ولك أن تعلمي أيضا أن تلك التعديلات التي تدخلينها على وجهك وجسمك بالفلاتر تفصلك بالفعل عن الواقع، فلا أحد يكون متوهجا أو متألقا أو لديه عضلات بطن مثالية طوال الوقت في الحياة الواقعية. فثقافة التوثيق الدائم التي نعيشها بسبب السوشيال ميديا تضع بالفعل أمامنا معايير جمال يصعب الوصول إليها".
وأكملت أمادي "والحقيقة أيضا هي أن الفجوة الآخذة في الاتساع بين الذات المثالية المُحسَّنة رقميا والذات الفعلية للفرد تؤدي إلى حدوث خلل في النطق. كما تتزايد احتمالات الإصابة بمخاوف واضطرابات عقلية كالقلق، الاكتئاب، اضطرابات الأكل والمشاكل المتعلقة بالوسواس القهري، بما في ذلك اضطراب تشوه الجسم. الأمر خطير". وقالت في السياق نفسه تيري باكو، دكتوراة في علم النفس بمدينة نيويورك، إن تعديل الصور من خلال الفلاتر يؤكد لك فكرة أن جسمك الطبيعي غير جيد بالقدر الكافي، ومن ثم فإن قيامك بشيء على غير قناعة ( وهي أن تبدي مثالية في كل الصور ) سيشوش عقلك وسيدفعه لحل الصراع، بما يؤدي إلى تحول إيجابي في المنظور.
ونصح الباحثون لذلك بضرورة عمل فاصل بين صور النجمات التي يشاهدنها على إنستغرام وبين رغباتهن الشخصية في تقليدها بغض النظر عن أي شيء آخر، والحقيقة هي أن النساء مطالبات باستكشاف أنفسهن من الداخل أولا قبل الاهتمام بالخارج. وحرص الباحثون أيضا على توضيح جزئية أن فلاتر إنستغرام وحدها لا يمكن أن تؤدي للإصابة بذلك الاضطراب الذي يعرف بـ "اضطراب تشوه الجسم"، لكنه قد يكون من ضمن العوامل المساهمة لدى بعض الأشخاص الأكثر عرضة بالأساس لهذا الخطر. ونصح الباحثون في الأخير ببعض الأمور لتفادي الوقوع في فخ الفلاتر وتأثيراتها السلبية على الصحة، كما الاهتمام بالتعايش مع الحقائق الواقعية، الحد من استخدام إنستغرام، الاهتمام بالنفس والإطراء عليها، الاهتمام بممارسة التمارين التي تعنى بزيادة التركيز الذهني، ممارسة تمارين تقدير الذات والتركيز على قيم الصحة والسعادة بدلا من الأهداف المبنية على الرغبة في التباهي والاستعراض كالحد من التجاعيد.