أصبحت الهواتف الذكية في عصرنا هذا تكنولوجيا معروفة وشائعة وربما قديمة، وحصدت العديد من الشركات أرباحا مهولة من وراء تصنيعها، ولكن ما الجهاز الثوري القادم الذي تسعى الشركات لإيجاده؟ لم تكن شركة آبل (Apple) أول من اخترع الهاتف الذكي، فقد كانت شركات مثل بالم (Palm) وبلاكبيري (Blackberry) تبيعها لسنوات، لكن آيفون (iPhone) قدم طريقة جديدة تماما للتفاعل مع أجهزة الحاسوب.
ويبدو أن الاتصال الدائم بالإنترنت، وشاشة اللمس سهلة الاستخدام، والواجهة القائمة على رموز التطبيقات القابلة للنقر؛ كلها تبدو شائعة الآن، لكنها في ذلك الوقت بدت ثورة. كان الهاتف الذكي تحولا زلزاليا في صناعة التكنولوجيا، حيث ابتكر نماذج أعمال جديدة تماما مع استبدال كل شيء من الكاميرات الرقمية إلى أنظمة تحديد المواقع (GPS) داخل السيارة. لكن مبيعات الهواتف الذكية تراجعت خلال عامين متتاليين للمرة الأولى، وفقًا لتحليل شركة غارتنر (Gartner). فهل أصبحت الهواتف الذكية تكنولوجيا قديمة؟ الرهان التالي لصناعة التكنولوجيا على سلسلة من التقنيات تسمى عادة الواقع المعزز (AR) أو الواقع المختلط (MR)، وتتضمن عادة جهاز حاسوب يتم ارتداؤه أمام أعين المستخدم. سيظل المستخدمون قادرين على رؤية معظم العالم الحقيقي أمامهم -على عكس الواقع الافتراضي (VR)، الذي يغرق المستخدم تماما في أرض الخيال التي تم إنشاؤها بواسطة الحاسوب- وطبقات الواقع المعزز والنصوص والصور التي أنشأها الحاسوب فوق الواقع. ويعتقد مراقبو الصناعة والمشاركون أن لدى آبل فرصة جيدة للتحقق من الواقع وإحداث ثورة في الواقع المعزز كما فعلت مع الهواتف الذكية.
وتقوم شركة آبل بتصميم نماذج أولية لنظارات واقع معزز لسنوات، وتشير التقارير الأخيرة من مواقع "ذي أنفورميشن" (The Information) وبلومبيرغ (Bloomberg)؛ إلى أن آبل قد تطلق نظارة بهذه التقنية في وقت مبكر من عام 2022، وقد تكلف ما يصل إلى 3 آلاف دولار. لكن آبل ليست الشركة الوحيدة التي تعمل على هذه المنتجات، فجميع اللاعبين التكنولوجيين الكبار من أمثال مايكروسوفت (Microsoft) وغوغل (Google) وفيسبوك (Facebook) وأمازون (Amazon) موجودون في اللعبة أيضا.
بين الواقع والخيال
لقد استحضر كتاب السيناريو رؤى لما يمكن أن يحدث مع نظارات الحاسوب المتقدمة، ففي إحدى حلقات مسلسل "المرآة السوداء" (Black Mirror) استكشفت عالما يمكن للناس فيه "حجب" بعض الأشخاص عن رؤيتهم عن طريق النظارات، وظهور معلومات مهمة تأتي مباشرة عندما تريد ذلك. اليوم، تعد حالات الاستخدام الأكثر شيوعا هي الألعاب والتطبيقات المستندة إلى الهواتف الذكية مثل بوكمون غو (Pokemon Go) أو تطبيق رولر (Ruler) من آبل، التي تستخدم شاشة الهاتف والكاميرا بدل الاعتماد على النظارات أو مجموعة أخرى من الشاشات الموجودة على وجهك. في حين تركز الشركات القليلة التي تنتج نظارات الواقع المعزز في الأغلب على مجالات العمل، مثل التصنيع والطب. والواقع المعزز تكنولوجيا قائمة على إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في بيئة المستخدم الحقيقية، لتوفير معلومات إضافية، أو تكون بمثابة موجّه له، على النقيض من الواقع الافتراضي القائم على إسقاط الأجسام الحقيقية في بيئة افتراضية. وإليك ما تفعله أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا لمحاولة جعل الواقع المعزز الثورة الكبيرة التالية:
آبل
لقد جعل نجاح آبل مع آيفون الشركة التي ينظر إليها لتحديد الجيل القادم من أجهزة الواقع المعزز، رغم أن الشركة لم تؤكد أبدا أنها تعمل على نظارات أو أي نوع آخر من أجهزة الحاسوب التي يتم ارتداؤها على الرأس. ويقول مايك بولاند المحلل التكنولوجي ومؤسس إيه آرتيليري إنتليجنس (ARtillery Intelligence) إنه إذا كانت شركة آبل ستطلق زوجا من نظارات الواقع المعزز، فيمكنها "تحديد مصير صناعة الواقع المعزز"، بالنظر إلى سجل الشركة في نشر التقنيات الجديدة. وأشار تقرير من بلومبيرغ الشهر الماضي إلى أن أول منتج للواقع المعزز من آبل قد يتم طرحه في وقت مبكر العام المقبل. ويقال إن اللقطة الأولى ستكون عبارة عن نظارة تعمل بالبطارية ومصممة بشكل أساسي للواقع الافتراضي، ولكن مع الكاميرات المدمجة لتمكين الواقع المعزز أيضا. ويقول التقرير إن هذا الجهاز قد يكلف آلاف الدولارات ويكون متاحا فقط بأحجام منخفضة، ويكون أكثر ملاءمة لاختبار مطوري البرامج من كونه منتجا لسوق شاملة كالتي تصدرها آبل عادة.
في النهاية، يمكن أن تأخذ آبل دروسا تتعلمها من نظارة الواقع الافتراضي وتطبقها على زوج من نظارات الواقع المعزز خفيفة الوزن ذات شاشات شفافة. لكن وفقا لبلومبيرغ فإن هذا المشروع ما زال يواجه عملا إضافيا في القضايا التقنية مثل تكنولوجيا العدسات. وإذا كشفت آبل في النهاية عن قفزة كبيرة إلى الأمام في تقنية العرض بالواقع المعزز -خاصة إذا تم تطوير التكنولوجيا وامتلاكها بواسطة آبل بدل المورد- فقد تجد آبل نفسها مع جهاز يضمن لها أرباحا لعدة سنوات في مجال الواقع المعزز كما فعلت عندما قفز آيفون بالشركة إلى قمة صناعة الهواتف الذكية. تتمثل إحدى طرق النظر إلى استثمار آبل في تلك التقنية في إلقاء نظرة على الشركات التي اشترتها في هذا المجال، حيث اشترت شركة تبني بصريات شفافة وأخرى تطور سماعات رأس، وشركات تصنع برامج ومحتوى للواقعين المعزز والافتراضي، بما في ذلك آكونيا هولوغرافيكس (Akonia Holographics) وفرفانا (Vrvana) وميتايو (Metaio) وإيموشنت (Emotient) وفلاي باي ميديا (Flyby Media) وسبسيز (Spaces) ونيكست في آر (NextVR).
غوغل
كانت غوغل أول شركة تقنية كبرى تطلق جهاز حاسوب يوضع فوق العينين عندما قدمت غوغل غلاس (Google Glass) عام 2013، بتكلفه 1500 دولار في ذلك الوقت، وكان يستهدف بشكل صريح الأشخاص في صناعة الحاسوب والذين أطلقت عليهم غوغل اسم "المستكشفون". ولكن نهج غوغل واجه صعوبات منذ ذلك الحين، ولم تحاول الشركة استخدام المعالجة المتقدمة لدمج رسوم الحاسوب في العالم الحقيقي. وبدلاً من ذلك، تم تجهيزه بكاميرا ذات دقة منخفضة نسبيًا وشاشة شفافة قليلاً. وتم استخدام هذه الشاشة لعرض أجزاء صغيرة من المعلومات في مجال رؤية المستخدم، مثل ساعة آبل (Apple Watch)، أو ساعة ذكية على وجه المستخدم. لكن نظارة غوغل تعرضت أيضا للنقد، حيث كانت تحتوي على كاميرا فيديو مدمجة، وشعر الأشخاص بأنهم مراقبون. وقالت سيدة إنها تعرضت للاعتداء خارج حانة في سان فرانسيسكو عام 2014 لارتدائها النظارات. أوقفت غوغل العمل على النظارة مؤقتًا عام 2015، وأعادت تنظيمها للشركات ومطوري الأعمال وليس للمستخدمين العاديين. وبدأت العام الماضي بيعها مقابل 999 دولارا لكل وحدة من خلال بعض بائعي الأجهزة. أحد التطبيقات الرئيسية للنظارة هو أوغماديكس (Augmedix) الذي يستخدم كاميرا النظارة لتقليل الوقت الذي يقضيه الأطباء في العمل المزدحم. وتعمل الكاميرا الزجاجية على تدفق التفاعل مع المرضى إلى "الكتاب" الذين استأجرتهم الشركة لكتابة التفاصيل المهمة وإدخالها في سجل المريض. في العام الماضي، استحوذت غوغل على شركة نورث (North)، وهي شركة كندية تصنع زوجا من النظارات الذكية خفيفة الوزن بقيمة ألف دولار.
مايكروسوفت
كشفت شركة مايكروسوفت عن نظارة الواقع المعزز هولولينس (Hololens) عام 2015، وأصدرت النسخة الأولى عام 2016. وهي الآن في نسختها الثانية، التي تبلغ تكلفتها 3500 دولار. وهي جهاز متخصص يستهدف قطاع الأعمال. وعلى الموقع الخاص بها، تروج مايكروسوفت للنظارة على أنها أداة للمصانع والبيع بالتجزئة والرعاية الصحية. ففي المصانع، يمكن لنظارة مايكروسوفت إبلاغ العمال بكيفية إصلاح أو تشغيل آلة معقدة. وتقترح مايكروسوفت أنه يمكن لبائعي التجزئة عرض سلعهم فعليا للعملاء عن طريق النظارة، بدل عرض العناصر المكلفة أو كميات كبيرة من المخزون. ويحتوي متجر مايكروسوفت حاليًا على 343 تطبيقا لنظارة هولولينس، ولا توجد أسماء مألوفة، والعديد منها عبارة عن عروض توضيحية بسيطة تعرض رسوما مثل كعكة عيد ميلاد أو ألعاب نارية. استثمرت مايكروسوفت بكثافة في هذا النوع من التقنيات، حيث اشترت شركة آلت سبايس في آر (AltspaceVR)، وهي شبكة اجتماعية للواقع الافتراضي، في عام 2018.
فيسبوك
أكثر ما يتحدث عنه الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ مؤخرا عن آماله في الواقع المعزز. وقال العام الماضي "بينما أتوقع أن تظل الهواتف أجهزتنا الأساسية خلال معظم هذا العقد، فإنه في مرحلة ما في عشرينيات القرن 21، سنحصل على نظارات واقع معزز غير مسبوقة ستعيد تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا". إن حماس فيسبوك للواقع المعزز مدفوع جزئيًا برغبته في التخلي عن منصات الهواتف الذكية من البائعين الآخرين. على وجه الخصوص آبل، فقد كانت فيسبوك ترفض سيطرة آبل على آيفون لسنوات، وتصاعد القتال مؤخرا حيث تخطط آبل لإجراء تغييرات تقنية على نظام آيفون الذي سيضر مصدر الأموال الرئيسي على فيسبوك، وهي إعلانات الهاتف المحمول. إذا طورت فيسبوك الجهاز الثوري القادم فستقوم بوضع القواعد. يتنبأ زوكربيرغ أيضا بتغيير مجتمعي هائل نابع من الواقع المعزز؛ "تخيل لو كان بإمكانك العيش في أي مكان تختاره والوصول إلى أي وظيفة في أي مكان آخر". فيسبوك بالفعل رائدة في الواقع الافتراضي، ابن عم الواقع المعزز. فقد اشترت شركة أوكيلوس (Oculus) مقابل 2 مليار دولار عام 2014، وهي خطوة تشير إلى بدء استثمار ضخم في هذه التقنيات. ويتضمن أحدث جهاز رأس (وهو نظارة أوكيلوس 2) كاميرات، وتبلغ تكلفته 300 دولار، وبيع مليون وحدة منه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفقًا لمعلومات شركة سوبر داتا (SuperData). مع وجود الكاميرات المثبتة في المقدمة والمعالجة القوية، يمكن لنظارات الواقع الافتراضي تقريب الواقع المعزز من خلال عرض صور في الوقت الفعلي للعالم الخارجي. تعمل الشركة أيضا على نظارات خفيفة الوزن وتأمل إطلاق منتج هذا العام بالشراكة مع لوكسوتيكا (Luxottica)، عملاق النظارات الشمسية.
أمازون
أمازون شركة التكنولوجيا العملاقة تتمتع بأقل قدر من الحماس العام بشأن تقنية الواقع المعزز، لكنها تبيع زوجا من النظارات الذكية تسمى إيكو فريمز (Echo Frames)، ولا تحتوي على شاشة، وبدلاً من ذلك يتفاعل المستخدم بالكامل من خلال مساعد أمازون الصوتي أليكسا (Alexa). تهاجم أمازون أيضا زوايا مختلفة للواقع المعزز. ففي الخريف الماضي، أصدرت تطبيق أمازون أوغمنتيد ريالتي (Amazon Augmented Reality)، لكنه ليس برنامجا جادا، فبدلاً من استخدام الوقع المعزز، يستخدم رموز كيو آر (QR) على صناديق شحن أمازون لتنشيط الألعاب الصغيرة الممتعة، مثل تحويل صندوق أمازون إلى سيارة سباق، أو وضع نظارات شمسية ممتعة على كلب. وتستخدم تطبيقات أمازون الأخرى الواقع المعزز لوضع أثاث افتراضي داخل منزل المستخدم للتأكد من ملاءمته قبل إجراء عملية شراء عبر الإنترنت. وتمتلك أمازون أيضا مئات الآلاف من عمال المستودعات الذين قد يكونون من أوائل من تبنوا نظارات الواقع المعزز، وإحدى حالات الاستخدام الشائعة هي مساعدة العمال في العثور على البضائع في مستودع كبير بسهولة أكبر عن طريق إبرازها برسوم الحاسوب.