مشهدٍ غير مألوف في البلاد.. طوابير أمام المخابز وجنون الأسعار يخلق شكلاً جديداً من أشكال الفقر في تركيا
انضم عدد من الممثلين والفنانين الأتراك إلى قائمة المنتقدين للغلاء في تركيا، حيث أعلنت الحكومة التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" الحاكم مع حليفه حزب "الحركة القومية"، اليوم عن ارتفاع أسعار الخبز المدعوم وبات ثمن الرغيف الواحد منه اعتباراً من يوم الجمعة ليرتين تركيتين، بعدما كان يباع بمبلغ ليرة و25 قرشاً قبل ذلك، وهو ما أدى لاصطفاف الناس في طوابير طويلة أمام الأفران في مشهدٍ غير مألوف في البلاد.
ويأتي غلاء ثمن رغيف الخبز التركي المدعوم بعد نحو 41 يوماً من إعلان الحكومة عن زيادة في أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي، الأمر الذي انتقدته الأحزاب المعارضة بشدّة في وقتٍ سابق، وكان في مقدمتها حزب "الشعب الجمهوري" الذي يعد حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، والذي أعلن رئيسه كمال كليتشدار أوغلو قبل ساعات عن امتناعه عن دفعٍ فواتير الكهرباء الخاصة به إلى حين أن تتراجع الحكومة عن الأسعار الحالية. وكان المغني والممثل التركي المعروف محسّون كرمزي غل قد نشر أغنية شعبية على حسابه الرسمي في موقع "تويتر" ينتقد فيها غلاء الأسعار في تركيا خاصة فواتير الكهرباء والغاز الطبيعي، وهو بذلك انضم لفنانين مشهورين آخرين منهم جيم يلماز، يشيم سالكيم، وغُلسه شنر بيرسل. وكان الممثل التركي الشهير جيم يلماز قال في تصريحاتٍ متلفزة مؤخراً إن "من لا يشتكي من غلاء المعيشة في تركيا هو إما لصّ أو مجنون". كما غردّ على حسابه في موقع "تويتر" قائلاً إن "الناس في الماضي كانوا يدفعون الضرائب ليحصلوا في المقابل على الكهرباء والمياه وطرقاتٍ جيدة، لكن منذ سنوات لم تعد تُصرف أموال الضرائب كما يجب".
وتزامنت تصريحات زعماء الأحزاب التركية المعارضة والفنانين عن غلاء الأسعار مع خروج تظاهراتٍ في بعض مدن البلاد لاسيما في اسطنبول بعد دعوة أحزابٍ معارضة لذلك. وكتب المتظاهرون على لافتاتٍ باللغة التركية: "أوقفوا البطالة، والغلاء، وارتفاع الأسعار والاضطهاد".
ونقلت وسائل إعلامٍ تركية عن مشارك في تلك التظاهرات قوله إن "الحد الأدنى للأجور هو 4250 ليرة تركية، لكن قيمة فاتورة الكهرباء في منزلي بلغت 2363 ليرة تركية رغم أنني أقيم في حيّ فقير"، ما يعني أكثر من نصف قيمة راتبه، وهو ما دعاه للمشاركة في تلك الاحتجاجات التي تدعمها أحزاب يسارية أيضاً، علاوة على بعض نقابات العمال. ودأبت الحكومة التركية في الأشهر الأخيرة على الإعلان عن ارتفاعٍ متكرر في أسعار المحروقات والطاقة والمواد الغذائية المدعومة منها، بالإضافة لارتفاعها للحد الأدنى للأجور. ومع ذلك يشتكي الأتراك من أن رواتبهم لا تكفي لمعيشتهم سيما بعدما سجّلت الليرة التركية مستويات قياسية منخفضة للغاية أمام العملات الأجنبية في الفترات الماضية، وهو ما تسبب بارتفاع أسعار معظم المواد المطلوبة للحياة اليومية بعدما تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي الواحد 18 ليرة تركية أواخر عام 2021 الماضي.
صعوبات
من بين الصعوبات الجمة التي يواجهانها، يشكل رفع أسعار الكهرباء في الأول من يناير بين 52% و127%، وفق تسعير تدريجي مرتبط بالاستهلاك، المشكلة الأصعب. وبين الغاز والكهرباء، شهد الكثير من الأتراك فواتيرهم تتضاعف أو ترتفع بثلاثة أضعاف بين ليلة وضحاها. وأصبحت تكلفة الطاقة موضوع حديث متكرر، لاسيما في صفوف التجار الذين يواجهون أسعارا أعلى. وبعض الحانات باتت تضيف الآن رسم خدمة قدره أربعة ليرات (25 سنتا من اليورو) على الزبائن الذين يجلسون في قاعات مدفأة.
تخفيض النفقات
تقول مؤسسة المنظمة غير الحكومية "شبكة الفقر الكبير"، هاجر فوغو، إن هذا الارتفاع القياسي في الأسعار منذ عام 2002 يفقر كل شرائح المجتمع. وتؤكد أن "الكثير من العائلات خفضت نفقات طعامها بشكل كبير، حيث أصبحت الأجبان والبيض أو الزيتون على مائدة الفطور التقليدية منتجات فاخرة". وباتت الطبقات الوسطى التي كانت تقاوم نسبيا الأزمات سابقا، تحت الضغط حتى موظفي المكاتب. وتضيف فوغو: "لقد ارتفعت إيجاراتهم بمعدل الضعفين أو ثلاثة أضعاف، وعليهم أن يبحثوا عن مساكن أصغر أو في أحياء بعيدة".
لا تضامن العواقب
أصعب بالنسبة للأكثر فقرا الذين لم يعد بإمكانهم الاعتماد على التضامن بين الأصدقاء أو العائلة. وقالت فوغو: "نقدر أن 160 ألفا من الأطفال والشباب غادروا المدرسة في 2021، أعرف شخصيا الكثير من العائلات التي تتلقى المساعدات من منظمتنا". وأضافت: "يشعر البعض بأنهم مضطرون للمساهمة في نفقات الأسرة وترك المدرسة للعمل، ويتخلى آخرون عن الذهاب إلى المدرسة لأنهم لا يستطيعون دفع نفقات النقل أو غيرها من النفقات". ومع ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية مثل حليب الأطفال (+55.6% بحسب الأرقام الرسمية) "تقدم العديد من الأمهات الحساء المجفف لأطفالهن" بدلاً من الحليب.
آثار الأزمة
يقول علي غولبينار، وهو مختار منذ 13 عاما لمنطقة متواضعة في أنقرة، إنه لاحظ آثار الأزمة على السكان. ويضيف: "أنظم منذ سنوات صناديق تعاضد للأكثر فقرا في الحي، لكننا نواجه منذ أشهر صعوبات لأنه لم يعد لدى أحد الإمكانات للمساهمة فيها". وحتى جمعيته التي تعرض على النساء ورش عمل مجانية في الخياطة والطبخ وصنع المجوهرات، تأثرت. وقال المختار: "فاتورتنا للكهرباء ارتفعت من 93 ليرة (6 يورو) في ديسمبر إلى 348 ليرة (22.40 يورو) عن استهلاك مماثل". ويفيد بأن شركات الكهرباء قطعت التيار عن العديد من السكان الذين لم يتمكنوا من دفع فواتيرهم.
غضب
يتزايد الغضب في صفوف السكان، من موغلا (غربا) إلى دوغوبايزيت (شرقا)، وأدى تضاعف فواتير الطاقة ثلاث مرات إلى العديد من التجمعات في مختلف أنحاء البلاد. وقال خبير الطاقة، أوندر ألجيديك، الذي ينتقد الشركات الخاصة لأنها تدفع بالأسعار إلى أعلى من كلفتها الحقيقية: "نواجه شكلا جديدا من الفقر".