شهد صيف العام الجاري 2022، موجات حر قاسية، أكدت ما تنبأت به أبحاث علمية حديثة، بتعرض ملايين البشر لخطر درجات الحرارة الأكثر ارتفاعاً، في وقت أقرب مما توقعه العلماء.

كيف تأثر البشر بارتفاع درجات الحرارة؟

لقي أكثر من ألفي شخص حتفهم خلال صيف 2022، بسبب درجات الحرارة الشديدة وحرائق الغابات، التي اندلعت في البرتغال وإسبانيا، فيما تحطمت سجلات درجات الحرارة المرتفعة في إنجلترا واليابان. ومع استمرار تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، يعمل العلماء بسرعة لفهم حدود مرونة البشر في مواجهة درجات الحرارة القصوى. وكشفت دراسة صادرة عن جامعة ولاية بورتلاند الأميركية، أن "تحمل الإجهاد الحراري لدى الأشخاص قد يكون أقل مما كان يُعتقد في السابق، وقد يتعرض ملايين الأشخاص لخطر الاستسلام لدرجات الحرارة المرتفعة قريباً جداً". وأوضح الباحث في التخطيط البيئي والتكيف مع المناخ بجامعة ولاية بورتلاند في أوريغون، فيفيك شانداس أن "الأجسام قادرة على التأقلم البيولوجي لفترة من الزمن مع تغير درجات الحرارة، لكن نشهد اليوم تحولات مناخية بسرعة أكبر".

تأثير الحرارة على الصحة

تؤثر الحرارة المرتفعة بالفعل بشكل متزايد على صحة الإنسان، ويمكن أن يتعرض إلى تشنجات حرارية وإنهاك حراري وضربة شمس التي قد تكون قاتلة. ويمكن أن يؤدي الجفاف إلى أمراض الكلى والقلب، فضلا عن تسببه في زيادة العدوانية وتقليل القدرة على التركيز. عالم المناخ في ولاية بنسلفانيا، والمؤلف المشارك بالدرسة، دانيال فيسيليو، قال: "لا يوجد جسد إنسان يعمل بكفاءة 100 بالمئة، إذ تختلف أحجام الأجسام والقدرة على التعرق والعمر والتأقلم مع المناخ الإقليمي، ومع ذلك، على مدار العقد الماضي، تم اعتبار أن 35 درجة مئوية هي النقطة التي لم يعد بإمكان البشر بعدها تنظيم درجات حرارة أجسامهم". لكن بحثاً معملياً حديثاً، أجراه فيسيليو وزملاؤه، أشار إلى أن "حد الإجهاد الحراري البشري أقل بكثير، حتى بالنسبة للشباب والبالغين الأصحاء". وتابع باحثون الإجهاد الحراري في أكثر من 20 شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، في ظل مجموعة متنوعة من المناخات الخاضعة للرصد والدراسة. وفي سلسلة من التجارب، قام الفريق بتغيير ظروف الرطوبة ودرجة الحرارة داخل غرفة بيئية، وحافظ الفريق على درجة حرارة ثابتة مع تغيير الرطوبة، والعكس، وقاسوا درجات حرارة جلد الأشخاص ودرجات الحرارة الداخلية لأجسادهم.

الفريق قدّر أنه في الظروف الدافئة والرطبة، لم يكن الأشخاص الخاضعين للدراسة قادرين على تحمل الإجهاد الحراري عند درجات حرارة قريبة من 30 أو 31 درجة مئوية، وفي الظروف الحارة والجافة، كانت درجة الحرارة اللازمة للإجهاد الحراري أقل من ذلك، وتتراوح من 25 إلى 28 درجة مئوية، حسبما أفاد الباحثون في مجلة علم وظائف الأعضاء التطبيقية. وكشفت النتائج أنه "إذا كان تحمل جسم الإنسان للإجهاد الحراري أقل بشكل عام مما أدركه العلماء، فقد يعني ذلك أن ملايين الأشخاص الآخرين سيتعرضون لخطر الحرارة الأكثر فتكا، في وقت أقرب مما يتوقعه العلماء". بدوره، شدد عالم المناخ في جامعة ميامي لاري كالكستين، على ضرورة "معالجة موجات الحر لمواجهة الكوارث الطبيعية، وتحسين قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهتها مستقبلا".

توقعات العلماء

وتوقع العلماء منذ فترة طويلة أن التغير المناخي الذي يسببه الإنسان سيزيد من موجات الحرارة، وتوصلوا إلى أنه على المستوى العالمي ضاعف تعرض البشر للحرارة الشديدة ثلاث مرات من 1983 إلى 2016، لا سيما في جنوب آسيا.

دول عانت من موجات الحر

في منتصف الطريق حتى عام 2022 فقط، اجتاحت موجات الحر العديد من البلدان، ووصلت في وقت مبكر من آذار الماضي إلى جنوب آسيا. وشهدت مناطق بالهند ارتفاعاً بدرجة الحرارة، لتصل إلى 45 درجة مئوية، بينما في باكستان، ارتفعت درجات الحرارة المسجلة إلى 49.5 درجة. وانطلقت إنذارات درجات الحرارة الشديدة في أنحاء أوروبا بدءاً من حزيران واستمرت حتى تموز، مما أدى لتفاقم الجفاف وإشعال حرائق الغابات. وحسب الدراسة، فقد جلب شهر نيسان لليابان أسوأ موجة حر منذ بدء تسجيل الأرقام القياسية عام 1875، إذ بلغت 40.2 درجة مئوية. وتعرضت المدن الساحلية الصينية الكبرى، من شنغهاي إلى تشنغدو، لارتفاع الحرارة لما فوق 40 درجة مئوية. وفي الولايات المتحدة، اجتاحت موجات حر الغرب الأوسط والجنوب والغرب في حزيران وتموز.