الاستدانة من الاهل والأصدقاء... مصادر للقلق المالي تؤثر على حياتنا
من منا لم يلجأ في وقت ما من حياته إلى الاستدانة من أحد أقاربه وأصدقائه؟ هي ممارسة فعلها كثيرون، ولكن ما نسبة ذلك مقارنة ببقية طرق الحصول على تمويل طارئ؟ الإجابة عن السؤال تكمن في آخر تقرير للبنك الدولي، يحمل اسم "الشمول المالي لعام 2021".
وخلص تقرير المؤسسة المالية الدولية إلى أن الأسرة والأصدقاء يشكلان الملجأ الأول للحصول على تمويل طارئ (قرض) لقرابة 30% من البالغين في الدول النامية، ولكن نصف هؤلاء قالوا إنهم يحصلون على هذه الأموال بصعوبة. وتفيد بيانات التقرير، المعروف اختصارا بـ"ذا غلوبال فيندكس 2021" (The Global Findex 2021)، بأن 77% من المقترضين في المغرب قالوا إنهم لجؤوا إلى أسرهم وأصدقائهم للحصول على أموال بشكل طارئ، وبلغت النسبة قرابة الثلثين في مصر والأردن.
وحسب التقرير نفسه، فإن نصف الأفراد الذين يقترضون في الدول النامية يفعلون ذلك عن طريق المؤسسات الرسمية. ومن اللافت في تقرير البنك الدولي أن 4 من أصل 5 دول في العالم يتصدر مواطنوها قائمة الأكثر اعتمادا على أسرهم وأصدقائهم للاقتراض هي دول عانت ويلات الحروب والنزاعات المسلحة، ويتعلق الأمر بالعراق، وكوسوفو، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأفغانستان. ومن الجدير بالانتباه ما ورد في الصفحة 172 من تقرير الشمول المالي من رسم بياني يظهر الفوارق بين الدول المتقدمة والدول النامية فيما يخص المصادر الأساسية لنيل الأفراد أموال طارئة: الدول المتقدمة: أكبر مصدر المدخرات (50%)، تليها الأسرة (15%)، فمؤسسات العمل (12%)، فضلا عن مصادر أقل مثل الاقتراض وبيع بعض الممتلكات وغير ذلك. الدول النامية: الأسرة (30%)، تليها مؤسسات العمل (27%)، فالمدخرات (18%)، وبنسبة أقل بقية المصادر مثل الاقتراض وبيع بعض الممتلكات.
وإذا أردنا التركيز أكثر على منطقتنا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، فإن الأسرة تمثل نسبة 50%، تليها مؤسسات العمل والمدخرات بنسبة متساوية تقريبا (أقل من 20%)، ثم بقية المصادر.
عناصر لفهم الأرقام ويرجع أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في جامعة قطر الشاذلي بية لجوء الأفراد، في الدول النامية وخاصة العربية، إلى الأسر في حالة الحاجات المالية الطارئة؛ إلى اعتبارات ثقافية واجتماعية من جهة، وإلى اعتبارات اقتصادية من جهة أخرى.
ففي الجانب الأول، يقول الشاذلي بية -في تصريح للجزيرة نت- إن النسبة المذكورة تعبر عن محافظة الأسرة على مكانتها المركزية في حياة الأفراد، فرغم التغييرات السريعة والعميقة التي عرفتها هذه المجتمعات، ما زالت الأسرة تمثل لهم مؤسسة رئيسة في حياتهم، ومصدرا رئيسا لتلبية حاجاتهم المالية، بعكس المجتمعات الغربية التي شهدت ظهور مؤسسات عوضت أدوار الأسرة. ويضيف الأستاذ الجامعي أن نسبة لجوء الأفراد في منطقتنا إلى الأسرة والأصدقاء تعبر عن قوة الروابط الاجتماعية داخل هذه المجتمعات التي ما زالت تحكمها قيم مثل التضامن والتكافل الأسري الذي لا يقتصر على الأسرة النواة، بل يشمل أيضا الأسرة الممتدة. وعلى المستوى الاقتصادي، فإن اشتراط المؤسسات المقرضة (البنوك والمؤسسات مالية) لضمانات -حسب الشاذلي بية- قد لا تتوفر لدى كثيرين يدفعهم إلى الاقتراض من أفراد الأسرة، فضلا عن أن بطء الإجراءات في بعض الأحيان يدفع كثيرين إلى الالتجاء للتداين من الأسرة، عوضا عن المؤسسات المالية والبنكية، بخاصة في الظروف العاجلة. مواضيع التقرير الدولي ومن المهم الإشارة إلى أن تقرير الشمول المالي 2021 يغطي مواضيع عديدة تتعلق بطريقة استخدام مواطني دول العالم للخدمات المالية، سواء للدفع أو الادخار أو الاقتراض، وأيضا طريقة تعاملهم مع الأحداث المالية مثل النفقات الكبرى أو تراجع الدخل. ويتيح التقرير، الذي كانت آخر نسخة منه صدرت عام 2011، بيانات عديدة في مجالات الخدمات المالية في القطاعين النظامي وغير النظامي، وأيضا استخدامات البطاقات البنكية والهواتف المحمولة لإرسال الأموال أو استقبالها، واستخدام الإنترنت للقيام بمشتريات أو سداد فواتير شهرية لخدمات أساسية مثل الماء والكهرباء والنظافة، أو إنجاز تحويل مالي أو استقبال مدفوعات سواء أكانت تحويلات المهاجرين أم أجورا ومعاشات من الحكومات وغير ذلك. كما يقدم التقرير لمحة عن أبرز مصادر القلق المالي لدى الأفراد، وقدرتهم على إدارة الصدمات المالية التي تقع خارج الظروف الاعتيادية وتكاليف المعيشة المعروفة.
ويستند تقرير البنك الدولي إلى استطلاع رأي شمل 125 ألف شخص بالغ في 123 دولة. مصادر القلق المالي يقول قرابة نصف البالغين في الدول النامية إنهم قلقون جدا بشأن سداد تكاليف الرعاية الصحية، إذا وقع لهم مرض شديد أو حادث مروري، وقال 36% إن تكاليف الرعاية الصحية شكلت مصدر قلقهم الأكبر. وفي منطقة أفريقيا بجنوب الصحراء، كان القلق من سداد تكاليف التعليم أكثر شيوعا مقارنة بمناطق أخرى في العالم.
وقال 82% من البالغين في الدول النامية إنهم قلقون جدا (52%) أو قلقون بعض الشيء (30%) إزاء التداعيات المالية لجائحة فيروس كورونا. وتفيد بيانات تقرير البنك الدولي بأن 63% من البالغين في الدول النامية قلقون جدا تجاه وجه أو أكثر من وجوه الإنفاق الأساسية، وتنخفض النسبة إلى النصف (33%) في الدول المتقدمة.
والأوجه الأساسية للإنفاق -حسب التقرير- هي الفواتير والمصاريف الشهرية، وتكاليف التعليم، وتكاليف الرعاية الصحية عند الإصابة بمرض شديد أو حادث سير، ومصاريف العيش لكبار السن. وضع المنطقة العربية تصدّرت المصاريف الصحية قائمة مصادر القلق المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 40%، تلاها الادخار من أجل التقاعد (19%)، فالمصاريف الشهرية (12%)، ثم المصاريف الدراسية (10%)، ونسبة 10% قالوا إنهم غير قلقين البتة. ويقول أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي الشاذلي بية إن تصدر المصاريف الصحية قائمة أبرز مصادر القلق المالي يفسر بتزامن جمع البيانات الواردة في التقرير مع جائحة "كوفيد-19″، إذ إن الجائحة أسهمت إسهاما كبيرا في زيادة شعور الأفراد بالمخاطر الصحية، ومن ثم زيادة قلقهم المالي تجاه التكاليف المادية التي يمكن أن تنتج عن هذه المخاطر.
ويضيف المتحدث نفسه أن من عناصر تفسير ترتيب أبرز مصادر القلق المالي تزايد الأمراض في العصر الحالي بسبب التلوث البيئي وانتشار الغذاء غير الصحي، وزيادة الضغوط الاجتماعية التي أسهمت في ظهور كثير من الأمراض النفسية والعصبية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الصحية في العالم. كما يمكن تفسير حصول المصاريف الصحية على المرتبة الأولى في سلم مصادر القلق المالي بضعف البنية الصحية في القطاع الحكومي في دول عدة، حسب الشاذلي بية، فذلك يضطر كثيرين إلى اللجوء للمؤسسات الصحية الخاصة ذات التكاليف المرتفعة، كما أنه فاقم خصخصة القطاع الصحي في دول متعددة."