هل تفضل الحصول على راتب عالٍ أم راتب أقل لتوفير المزيد من الوقت لنفسك مثلا؟ في الغالب سيجيب الناس بالجواب الأول للحصول على راتب أعلى، أو هذا ما قد نظنه قبل معرفة نتائج دراسة بحثية حديثة بيّنت أن ثلث العمال الذين غيّروا وظائفهم أثناء جائحة كورونا وشملتهم الدراسة حصلوا على رواتب أقل في وظائف أخرى مقابل تحقيق توازن بين العمل والحياة.
لكن ما التوازن بين الحياة المهنية والشخصية الذي بحث عنه الأشخاص الذين شملتهم الدراسة؟ وبجانب الراتب، ما الأمور الأخرى التي قد تشغل الناس عند تغيير وظائفهم؟ ومتى يكون تفضيل ظروف العمل على الراتب الكبير هو الخيار الأنسب لبعض الناس؟
راتب أقل مقابل ظروف العمل
يبدو أن العمل عن بعد خلال فترة جائحة كورونا جعل الناس يعيدون النظر في متطلبات حياتهم، ووفقا لأحدث مسح أجراه مركز "برودنشال" (Prudential) لأبحاث إدارة الأعمال، فإن التوازن بين العمل والحياة وظروف العمل أصبح أكثر أولوية من الرواتب بالنسبة لبعض العمال الأميركيين.
ففي فبراير/شباط 2022، أجرى المركز استطلاعا لآراء ألفي عامل بدوام كامل في الولايات المتحدة، ورغم أن 7 من كل 10 قالوا إن الوباء جعلهم أكثر قلقا بشأن أوضاعهم المالية، فإن ثلث العمال الذين غيّروا وظائفهم أثناء الوباء (إجمالا 22% ممن شملهم البحث غيّروا وظائفهم خلال الوباء) حصلوا على رواتب أقل مقابل توازن أفضل بين العمل والحياة، وقال حوالي 20% منهم إنهم مستعدون لتخفيض أجورهم بنسبة 10% إذا كان بإمكانهم الحصول على ساعات عمل أقل.
وعموما؛ قال أكثر من نصف العمال (56%) إنهم فكروا أو سيفكرون في إعطاء الأولوية للاستقرار الوظيفي على المدى الطويل على الراتب. في حين وجدت دراسة استقصائية أجراها مركز الأبحاث الأميركي "ذا كونفرنس بورد" (The Conference Board) أن حوالي ثلث العمال الذين تركوا وظائفهم أثناء الوباء يكسبون 30% أكثر في أعمالهم الجديدة. ومع ذلك، قال عدد قريب منهم وتحديدا 27% إن الأجر في وظائفهم الجديدة كان نفسه أو أقل، مما يعني أن ثلث من غيروا وظائفهم في هذا البحث لم يحصلوا على أية زيادات في الرواتب، بل ربما على العكس حصلوا على رواتب أقل.
كذلك؛ تشير أبحاث موقع البحث عن الوظائف "لينكدإن" (linkedin) أن حوالي واحد من كل 3 عمال أستراليين قد يفكر في الحصول على تخفيض صغير في الأجر يتراوح بين 2% و5% إذا كانت الوظيفة ستوفر توازنا أفضل بين العمل والحياة، أو للحصول على عمل أكثر إمتاعا أو أقل التزاما، حسب ما نقلته مجلة "فايننشال ريفيو" (Financial Review) المتخصصة بمجال الأعمال والاقتصاد.
وفي بحث رابع صادر عن وكالة التوظيف "مايكل بيج" (Michael Page)؛ فإن 61% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في الهند يقولون إنهم على استعداد للتضحية بالراتب أو المكافآت مقابل إيلاء اهتمام أكبر بالرفاهية والصحة العقلية والسعادة، لكن يقول التقرير الذي نقلته شبكة "سي إن بي سي" (CNBC) إن المال ليس الدافع الوحيد لترك الناس لوظائفهم.
لماذا يترك الناس وظائفهم؟
حسب بحث وكالة التوظيف التي مقرها في المملكة المتحدة، فإن السبب وراء استقالة الناس، حتى لو كان ذلك مقابل رواتب أقل، يعود إلى "المحفزات الناعمة". وحسب استطلاعات سابقة أجرتها الوكالة خلال موجة "الاستقالة العظمى" التي شهدتها الولايات المتحدة عقب جائحة كورونا مباشرة، فإن السبب الرئيسي الذي يدفع الموظفين للاستقالة كان البحث عن فرص أفضل للوظيفة أو الترقية.
وكان السبب الثاني هو تغيير المجال بأكمله، ثم جاء في المرتبة الثالثة عدم سعادة الموظفين برواتبهم الحالية، وفي المرتبة الرابعة كان عدم الرضا بطريقة إدارة الشركات وأماكن العمل، وكان السبب الخامس هو البحث عن أدوار ورتب وظيفية أخرى.
متى يمكنك ترك الراتب العالي؟
لا شك في أن ترك وظيفة براتب عال والانتقال إلى وظيفة براتب أقل سيؤثر على خططك المالية وبالتالي أسلوب حياتك، لذلك هو أمر غير محبذ ولا ينصح الخبراء في مجالات التخطيط المالي أو الأسواق أن يحدث بشكل سريع.
إذ قالت المخططة المالية تانيا براون ومؤسسة شركة "فايننشالي كونفيدنت مام" (Financially Confident Mom)، إذا كنت تريد اختيار وظيفة براتب أقل، فهناك مجموعة أشياء يجدر أخذها في الاعتبار مسبقا، وأضافت "اسأل نفسك أولا: لماذا تريد ترك وظيفتك الحالية؟ هل أنت منهك؟ هل ستكون في وظيفة مختلفة أكثر إرضاء؟"، وأكدت أن التفكير في إجابات هذه الأسئلة سيساعد في ضمان عدم اتخاذ قرار متسرع قد يندم عليه الشخص لاحقا.
لأنه إذا كانت القرارات انفعالية ومبنية على العواطف، قد يجد الشخص نفسه بعد أشهر غارقا في ديون، أو يفشل في جني مال مماثل أو قريب مما كان يحصل عليه، أو قد يضطر لتأجيل أو إلغاء خطط معينة بسبب تراجع المداخيل.
ديون الفقراء
قد يجد الشخص الذي يبني الاستقالة على قرارات انفعالية، نفسه بعد أشهر غارقا في الديون (شترستوك) من جانبها، قالت أنيتا ساموجيدنيك، الرئيسة التنفيذية لشركة "بارو" (Paro) التي توفر حلولا محاسبية ومالية للشركات، إن بعض الأشخاص اختاروا ترك أعمالهم للحصول على مرونة أكبر في مواعيد العمل أو تغيير دوره أو وظيفته، لكنهم اضطروا في النهاية لإغراق أنفسهم في عدة وظائف حرة وأحيانا بجانب وظيفة بدوام كامل لتحقيق وضع مادي مستقر.
فإن كنت تفكر في خوض هذه المغامرة، يقدم لك الخبراء نصائح نقلها تقرير لشبكة "سي إن بي سي" (CNBC) الأميركية، وتضمنت ضرورة الحرص على إعداد خطة مالية بميزانيتك الحالية لمعرفة ما إذا كان بإمكانك عيش نمط الحياة المرجو بدخل أقل، كما نصحوا بفترات تجريبية قبل الانتقال لهذه الخطوة، عبر اختبار قدرتك على إنفاق الميزانية الجديدة الأقل لتغطية الاحتياجات المرجوة.
أيضا؛ من المهم أخذ الخطط طويلة المدى في الاعتبار، ولابد من التفكير في كيفية تأثير تقليل الإنتاج على أهدافك طويلة المدى، فمثلا إذا كنت تدخر لشراء منزل أو تخطط لإنجاب طفل أو تعليم أولادك في مدارس معينة، فكيف سيؤثر دخلك الجديد على هذه الخطط؟ وهل ستكون في حاجة لقضاء وقت أطول في الوظيفة ذات الراتب الأعلى للادخار لتحقيق هذه الأهداف البعيدة؟