سيريا ستار تايمز - وكالة إخبارية عالمية


الأبوة... هكذا تؤثر على صحة الرجال


على عكس ما قد يظن كثيرون منا، فإن الإنجاب لا يؤثر على صحة الأم فقط، بل تمتد تداعياته إلى الأب أيضا، حسب ما خلصت إليه بعض الدراسات العلمية، فالإنجاب يقلص مناطق في دماغ الأب ويزيد من وزنه.
صحيح أن التأثيرات تختلف بين الأم والأب، لأن الأم تتأثر مباشرة وبشكل أكبر لارتباطها الوثيق بجنينها ولأنه في فترة الحمل يعدّ جزءا من جسمها، وفي فترة الولادة والرضاعة أيضا تبذل من جسمها من أجل وليدها، لكن جسم الأب أيضا وصحته عرضة للتغيرات والتأثيرات عندما يدخل نادي الأبوة.

تقلص قشرة الدماغ
لم تبحث دراسة علمية سابقة في آثار الإنجاب على الجهاز العصبي للآباء الجدد، حتى أعلن معهد "غريغوريو مارانيون" للبحوث الصحية في مدريد وجامعة جنوب كاليفورنيا، في سبتمبر/أيلول الماضي، عن نتائج تعاونهما الدولي، لدراسة التغيرات الهيكلية في أدمغة الآباء ومرونتها العصبية.

جمع الباحثون بيانات تصوير الجهاز العصبي للآباء المستقبليين باستخدام الرنين المغناطيسي، قبل حمل زوجاتهم، ثم في الثلث الثالث من الحمل، ثم بعد 7-9 أشهر من ولادة أطفالهم، مع بيانات لمجموعة من الرجال، ليس لديهم أطفال، ولا يخططون للإنجاب خلال الفترة التي شملتها الدراسة.

لاحظ الباحثون تغيّرات كبيرة في قشرة دماغ الآباء الجدد، وهي الطبقة الخارجية للدماغ المسؤولة عن الانتباه والتخطيط والعمليات المعرفية الأخرى.

وجد الباحثون أيضًا تقلصًا في القشرة البصرية المسؤولة عن الرؤية ومعالجة المعلومات المرئية والتفكير المنطقي المكاني، وتقلصًا آخر في شبكة الوضع الافتراضي المسؤولة عن تذكر الماضي وتخيل المستقبل.

أثار تقلص شبكة الوضع الافتراضي قلق الباحثين، فأشاروا إلى أبحاث جديدة تظهر نشاطًا في شبكة الوضع الافتراضي عندما يفكر الإنسان في الآخرين، ويقوم بمهام التعاطف الذاتي والاجتماعي، لذلك عدّ الباحثون التقلص في تلك المنطقة عقبة أمام الآباء في فهم حاجات الطفل.

فرق الباحثون بين آثار الإنجاب على أدمغة الرجال وأدمغة النساء، فبينما يؤثر الحمل والإنجاب على المناطق تحت القشرية لدى النساء، تتأثر المناطق القشرية لدى الرجال بعد الإنجاب.

لم يكشف الفحص عن تغيرات في أدمغة الرجال الذين شملهم البحث، ولم تظهر اختلافات بين نتائج فحص الآباء الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة. كما أشار الباحثون إلى أنه من السابق لأوانه التكهّن بتأثير ذلك التقلص في دماغ الآباء على سلوكهم مع أطفالهم.

تدهور الصحة العامة
ركز الباحثون في علم الاجتماع في جامعة ستانفورد على دراسة الآثار الصحية للأبوة على الرجال، بدافع الكشف عن أسباب ارتفاع نسب وفاة الذكور في منتصف العمر، ونشروا نتائج دراستهم في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

أظهرت النتائج زيادة كبيرة في وزن جسم الآباء الجدد، بنحو 1.5 رطل، واستمرت الزيادة أعواما بعد الإنجاب، بين 95% من الرجال، على الرغم من وجود دوافع الاعتناء بالصحة للوفاء بالمسؤولية تجاه الطفل. فسّر الباحثون ذلك بزيادة التوتر والإجهاد جراء تكاليف وأعباء الأبوة، وعدّوه عاملا في انتشار السمنة بين الذكور بين 33 و39 عاما.

من ناحية أخرى، لوحظ أن الإنجاب يقلل من العادات السيئة لدى الآباء، مثل شرب الكحول وتدخين السجائر وتعاطي المخدرات، وأن الأبوة أحدثت تغييرا طويل الأجل في نمط حياة الرجال.
أبلغ الآباء عن تقييماتهم الذاتية لصحتهم ورفاهيتهم خلال فترة الدراسة، وأظهرت النتائج انخفاضا بمقدار 0.06 نقطة في مقياس الصحة، بعد عام من الإنجاب. استمر ذلك الانخفاض أكثر من 5 سنوات، وامتد في أغلب الحالات حتى بلوغ أبنائهم مرحلة المراهقة، وفسر الباحثون ذلك بانشغال الآباء برفاهية أطفالهم وزوجاتهم، إلى جانب اهتمامهم بتحسين مستواهم الوظيفي والمادي.

لم يكن لاختلاف العرق والسن والدخل أثر على النتائج، وذلك ما طمأن الباحثين لارتباط تلك النتائج ارتباطا مباشرا بالأبوة، لكنهم حذروا من إهمال الرعاية الصحية للآباء الجدد، واحتمال تعرضهم لمخاطر السمنة والوفاة المبكرة.

القلق والاكتئاب
لم تعد الصحة النفسية للآباء رفاهية، بعد كشف جمعية طب الأطفال الكندية عن ارتباط الاكتئاب الحاد بين الآباء بمشكلات عاطفية وسلوكية عند أطفالهم في سن الثالثة.
لذلك، حقق الباحثون في كلية كينغز لندن وجامعة "لندن نورث ويست" للرعاية الصحية في نتائج دراسات نوعية، بدأت منذ عام 1960 إلى عام 2017، واختاروا 22 دراسة موثقة ومنهجية، مثلت 8 جنسيات مختلفة للآباء حول العالم.
عرضت الاستنتاجات تحديات نفسية، ومشاعر سلبية، ومخاوف متعلقة بدور الأبوة في المرة الأولى، كان أبرزها اتباع الآباء أساليب الإنكار أو الهروب، مثل العمل لساعات أطول، للتكيف مع التوتر.

أكدت النتائج أن القلق والاكتئاب أكثر مشكلات الصحة العقلية شيوعًا بين الآباء قبل الولادة وبعدها، يليها تدنّي تقدير الذات، وشعور الأب بعدم كفاءته عند رعايته الرضيع، وخوفه من المستقبل المجهول، والافتقار إلى دعم الأسرة، ورفض المحيطين الاعتراف بحاجات الأب.

حاولت دراسة أجراها باحثون في كلية الصحة والطب، في جامعة نيوكاسل، تعويض الآباء الجدد عن إهمال صحتهم النفسية، ومعرفة أثر الدعم النفسي لهم، من خلال إرسال مجموعة رسائل نصية إلى هواتفهم، وربطها ببرامج تتبع الحالة المزاجية، ونصائح تدعم علاقة الآباء بأطفالهم وزوجاتهم، وتحسن اهتمامهم بذواتهم.

حقق اهتمام الدراسة بالآباء نتائج إيجابية، على الرغم من تجاهل 80% من الآباء تلك الرسائل، ولكن انخفض احتمال إبلاغ الآباء الذين أكملوا الاستطلاعات عن تقلبات مزاجية، وأفاد 92% منهم بأن الرسائل ساعدتهم في تجربة الأبوة، وبناء علاقة جيدة مع أطفالهم الجدد ومع زوجاتهم.

سيريا ستار تايمز - syriastartimes,