الاستحمام والاكتئاب... ما العلاقة بينهما؟
يُعد الاضطراب الاكتئابي أحد أخطر المشكلات النفسية المنتشرة في عالمنا اليوم، ويحتاج من يعانون منه إلى الاهتمام والعلاج منذ بدء ظهور علاماته الأولى. وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2021 إن ما يقرب من 280 مليون شخص حول العالم يعانون من الاكتئاب، إذ يعد السبب الرابع للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، كما أنه يتسبب سنويا في وفاة أكثر من 700 ألف شخص.
ولا يتم تشخيص العديد من الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب، نتيجة عدم إدراك الأصدقاء وأفراد الأسرة لأعراض الاضطراب الاكتئابي. وتختلف أعراض الاكتئاب من شخص إلى آخر، ولكن تشتمل الأعراض الأولى بالنسبة للعديد من الأشخاص على تغيير كبير في الأنشطة والعادات اليومية، منها الميل إلى العزلة والخمول، إضافة إلى قلة التركيز، وصولا إلى سيطرة مشاعر اليأس والحزن أو الميل إلى الأفكار الانتحارية. ووفقا للدراسات، يعتبر فقدان القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية التقليدية في مقدمتها العناية بالنظافة الشخصية والاستحمام علامة على إهمال الذات ومؤشرا خطيرا يحذر من الإصابة بالاكتئاب.
وتتضمن أعراض إهمال النظافة الشخصية صعوبة تنظيف الأسنان وترك الشعر غير مصفف، بالإضافة إلى تقليل غسل اليدين وصعوبة الاستحمام حتى عند ملاحظة انبعاث رائحة كريهة من الجسم، وارتداء نفس الزي عدة أيام متتالية.
قلة الاستحمام جزء من الاكتئاب
وجدت دراسة أجرتها باحثات من جامعة غريفيث الأسترالية أن مجال النظافة الشخصية وعلاقته بالاكتئاب قد حظي باهتمام محدود في الأدبيات العلمية. وكشفت الدراسة التي نشرها موقع المجلة الوطنية الأميركية للطب في يوليو/تموز 2021 أن مسألة النظافة الشخصية والعناية العامة بالمظهر "جزء لا يتجزأ من الإصابة بالاكتئاب". وتؤكد الدراسة أن الصعوبات المتعلقة بالنظافة الشخصية والعناية الشخصية شكلت حاجزا اجتماعيا أمام التعافي. وفي السياق ذاته، شددت نتائج الدراسة على أنه غالبا ما يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب من صعوبة في الحفاظ على الانتظام اليومي للنظافة، بما في ذلك الاستحمام ونظافة الفم والعناية بالشعر وغيرها.
معاناة قد تستمر شهورا
ومن جهتها، أوضحت لبنى عمران، أخصائية نفسية حاصلة على ماجستير علم النفس الإكلينكي من جامعة الفيوم المصرية، أن مريض الاكتئاب يفقد فعليا الرغبة في القيام بأبسط الأنشطة اليومية، ومن بينها الاستحمام أو الاهتمام بمظهره. وقالت للجزيرة نت إن هذه الأعراض قد تستمر لأشهر وتتزامن معها أعراض أخرى، منها الشعور الدائم بفقدان القيمة وعدم القدرة على الاهتمام بالعمل أو الأسرة. وأضافت أن معاناة مريض الاكتئاب مع هذه الأعراض اليومية "تجعله غير قادر على ممارسة حياته بشكل طبيعي".
وتؤكد أن الانتشار المتنامي للاكتئاب حول العالم "يولد أهمية قصوى في أن يصنع كل شخص دوائر ثقة من الأهل أو الأصدقاء حوله، لتوفير الدعم النفسي الكامل وتجنب الوقوع في فخ الاضطراب الاكتئابي". وتنصح أيضا بضرورة ممارسة بعض الأنشطة بانتظام، مثل العناية بالمظهر والصحة العامة بجانب ممارسة الرياضة والمشي في الأماكن المفتوحة باعتبارها أمورا تساعد على تحسين الصحة النفسية.
حوض الاستحمامة يحسن من حالتك النفسية
وعلى هذا النحو، رصدت دراسة أخرى أجراها الباحث ألبرت يونغ في مركز أبحاث العلوم الطبية باليابان عام 2018 أن الجلوس يوميا في حوض الاستحمام "يعد أحد أكثر الوسائل فعالية في تخفيف الاكتئاب والقلق والتعب والألم، مقارنة بالاستحمام اليومي التقليدي". وأشارت دراسة يونغ إلى أن الاستحمام قد يبدو مستحيلا لدى بعض مرضى الاكتئاب، لذا نصح الباحث الياباني بأن تكون البداية بالجلوس على حافة حوض الاستحمام والقيام بخطوات صغيرة يوميا. وفي دراسة ألمانية أخرى نشرتها مجلة (هابيفال) البريطانية، كشف مشاركون مصابون بالاكتئاب عن تحسن حالتهم المزاجية بعد الجلوس في حوض الاستحمام وهو مليء بالمياه عند درجة حرارة 40 مئوية لمدة 30 دقيقة. وبدوره لاحظ دكتور الأعصاب بيتر بونجورنو أن الاستحمام يمكن أن يؤدي أيضا إلى تغيرات كيميائية في الدماغ، بفضل قدرة الماء على التقليل من التوتر وتحقيق توازن بين النواقل العصبية، حسب ما نقلت المجلة البريطانية.