يقول الناقد السينمائي الأميركي مايكل موستو إن الأفلام السيئة تتمتع أحيانا بجاذبية كبيرة، قد تتجاوز -لأسباب مفهومة وغير مفهومة أحيانا- نجاح وشهرة الأفلام الجيدة الأكثر نجاحا.. ولكن لماذا؟
الشعور بالتفوق والذكاء
تؤدي العروض المسرحية التي تتسم بالمبالغة، والحبكات الفنية غير المتسقة لصناع الأفلام، والإفراط في استخدام الاستعارات أو التعبيرات التمثيلية أو المشاهد الدرامية والمؤثرات، إضافة للذوق السيئ في انتقاء الفكرة؛ إلى إثارة الفرح الحقيقي في الجماهير، وهي فرحة تتعارض مع مفاهيم البشر عن تقدير الجمال والمتع القيّمة.
ويعتقد الناقد المتخصص في تقييم الأعمال الدرامية للسينما الأميركية، أنه "من المريح للغاية أن ترى أشخاصًا لامعين يخطئون بشكل فادح ويصنعون أفلاما سخيفة"، معتبرا أن هذا الأمر يعزز لدى المشاهد شعورا بالتفوق والذكاء لا تستطيع الأفلام العظيمة توفيره بنفس القدر، لأن ما يجعلها عظيمة في الواقع هو أنه لا يمكن التنبؤ بأحداثها أبدا بطريقة تستفز شعورنا بالذكاء.
وبالتالي، تتحقق عند الناس متعة معينة بسبب الشماتة والتشفّي عند مشاهدة هذه الأفلام الرائجة، وهي تفشل وتخفق في تحقيق رؤية صانع العمل فشلا ذريعا إلى درجة الضحك.
بالتأكيد إضافة لتلك المتعة، يمكن للمشاهد أيضا الضحك على المشاهد التي أخفق مخرج الفيلم والممثلون في تنفيذها، ووصفها بـ"الغباء"، فتصبح تجربة مشاهدة الفيلم السخيف أشبه بنزهة للتخفُّف من المشاعر الثقيلة أو الجادة.
أفلام سيئة دون قصد
ومع ذلك، ليست كل الأفلام الضعيفة فنيا مسلية وممتعة من هذه الزاوية. إذ إنها لكي تكون جديرة بالاهتمام والمشاهدة من الأساس، فإنها تستلزم أن تتضمن إحساسًا بأن شخصًا ما كان يحاول بالفعل صنع فيلم جيد.
لأن صنع فيلم رديء عن عمد يمكنه على أكثر تقدير أن يحقق ضحكة محدودة لأحد المشاهدين، لكن في النهاية، سيجعل صناع ومنفذي الفيلم يبدون أناسا غريبي الأطوار يتمتعون بذوق مشكوك فيه.
ذوق فني
والعديد من النظريات ناقشت أسباب رواج الأفلام السيئة والسخيفة التي لا تتمتع بحبكة أو قصة قوية وموثوقة، إلا أن هناك القليل من الدراسات الأكاديمية التي بحثت بشكل مباشر عن سبب حب الناس لهذا النوع من الأعمال.
وفي ورقة بحثية نُشرت عام 2016 بمجلة "بويتيكس" (Poetics)، وجد العلماء في أبحاث الجماليات التجريبية أن الذين قالوا إنهم يحبون "الأفلام السخيفة" كانوا يتمتعون في الواقع بمستويات تعليمية أعلى من غيرهم، كما كشفوا أن هؤلاء تحديدا كانوا ضمن الفئات ذات الذوق الفني الخاص، ممن يميلون إلى زيارة المتاحف والمسارح والمعارض الفنية بشكل متكرر أكثر من الشخص العادي.
وبالرغم من هذه النتيجة المثيرة للاهتمام، فإن محبي الأفلام السيئة ذات القصص الركيكة وغير المقنعة لا يجب أن يتمتعوا بالضرورة بهذا القدر من الذكاء والذوق الراقي، بل قد يكون محركهم الأساسي هو الشماتة والسخرية لا أكثر.
الشعور بالتضامن والمشاركة
تقول مينا سيكارا، أستاذة علم النفس بجامعة هارفارد، والتي ألفت العديد من الدراسات حول كيفية تجربة البشر لإحساس الشماتة -بحسب مجلة "ذا كت" (The Cut) الثقافية- إن "جزءا من الفكرة هو أن وجود أشخاص آخرين يمكن أن يزيد من متعة التجربة العاطفية، إذ تتضخم تلك المتعة من خلال تجربتها مع الآخرين، علاوة على أنها تؤكد وجهة نظرك الشخصية".
بمعنى أنه إذا كان الشخص يكره شيئا ويراه سخيفا ورديئا، ثم اتفق معه شخص آخر في نفس المشاعر، فستكون هذه التجربة المشتركة مرضية للغاية وتحميه من الشعور بالوحدة أو الانزواء.
الاستمتاع برفض الأفلام السخيفة
يقول آدم جالبين، أستاذ علم النفس في جامعة سالفورد البريطانية -بحسب موقع "نيوستيتسمان" (New Statesman)- إن الانبهار بفيلم سيئ ورديء للغاية يمكن أن يحقق رواجا بين الناس، بنفس الطريقة التي ينتشر بها المحتوى الرديء أو السخيف على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويضيف "هناك شيء جذاب في تجربة مشاركة العواطف، حتى إن كان ذلك التشارك مبنيا كليا على ذم فيلم دون المستوى أو له قصة سيئة وخدع بصرية غير مقنعة".
هذا الانبهار بالمشاهدة الجماعية للأفلام يجعلها تبدو "سيئة للغاية، لدرجة أنها ممتعة" بدرجة معينة، وهو ما يؤدي إلى نوع من العروض المتكررة والمبيعات المبنية فقط على السخرية منها ومناقشة مستواها المتواضع.
ويضيف جالبين أن "الأفلام الضعيفة بشكل عام هي رؤية شخص واحد قرر أن يفعل عكس ما تفعله صناعة السينما عموما، من أجل مشاركة رؤيته الفريدة مع العالم. الأفلام السيئة في الغالب كانت حلما لشخص ما، لكنه فشل في ترجمة رؤيته إلى الشاشة بالطريقة التي كان يأملها".
متعة من نوع آخر
وسواء كان ذلك نتيجة الانبهار أو الحب الحقيقي لمؤلفين فاق طموحهم موهبتهم، مما أنتج أعمالا نهائية فشلت فشلاً ذريعاً، هناك شيء ما يجعل عشاق الأفلام مفتونين بالأعمال "الضعيفة للغاية، لدرجة أنها جيدة".
تماما مثلما يحدث بين سائقي السيارات الذين يتطلعون بشغف لمشاهدة تفاصيل حادث مروري وقع في الطريق، سيستمر عشاق الأفلام السخيفة في التدفق لرؤية أسوأ ما تقدمه السينما، ويسخرون من صناع الأفلام ويرددون "كيف يفكر هذا الرجل؟"، قبل أن ينصرفوا للبحث عن فيلم آخر أكثر فشلاً للسخرية منه والاستمتاع بوقتهم.