متابعة الاشخاص الذين نكرههم عبر وسائل التواصل الاجتماعي... كيف تؤثر علينا؟
قد تجد في قائمة من تتابعهم على مواقع التواصل الاجتماعي صانع المحتوى الذي تشعر بالغضب عندما تشاهده، والزوجين اللذين يصوران مقاطع محرجة وتشعرك أنت أيضا بالإحراج، ورغم ما يسببه لك هؤلاء وأمثالهم من مشاعر سلبية فإنك تختار بإرادتك أن تتابعهم.
فإذا كنت ممن يتابعون من يكرهون على مواقع التواصل، قد تتساءل في السبب وراء تمسكك بهذا السلوك، بل شعورك أحيانا بإلحاح أن تبحث بنفسك عن باقي محتواهم وتشعر بمزيد من الغيظ منهم. وهنا نعرف لك هذه الظاهرة، وأسبابها، ومتى يجب عليك التوقف وإلغاء المتابعة. مع سبق الإصرار عرفت جينيفر بيكيت، أستاذة الإعلام والاتصالات في جامعة ملبورن الاسترالية، ظاهرة متابعة من نكرههم بأنها "اتخاذ قرار متابعة شخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من إدراك اختلافهم معنا في الرأي أو الاعتقاد أنهم أشخاص بغيضون"، ويثير محتواهم مشاعر الغضب أو الحسد أو الاستفزاز لديك أو أي مشاعر سلبية أخرى، وتبدأ في إصدار الأحكام عليهم، ورغم ذلك لا تزال مصرا على متابعتهم
ما التفسيرات المحتملة؟
طرح الاختصاصيون في علم النفس والاجتماع بعض التفسيرات التي قد توضح لنا الدوافع وراء هذا السلوك وتأثيره على صحتنا النفسية والعقلية، وهي: ارتباط الكراهية والحب رغم تضاد شعوري الكراهية والحب، فإن أدمغتنا تتفاعل معهما بشكل مترابط، فلا تفرق بينهما، كما أوضحت المعالجة النفسية سالي بيكر لصحيفة "إندبندنت" (Independent). وأكدت دراسة أجراها عالم الأعصاب البريطاني سمير زكي أن بعض الدوائر العصبية التي تنشط في الدماغ بسبب شعور الكراهية تنشط أيضا عندما يكون الشخص واقعا في الحب، وهو ما يفسر تمسك البعض بمتابعة من يكرهونهم. الشعور بالملل قد تكون متابعتك لمن تكرههم بدافع البحث عن شيء يلهيك فقط. وتقول بام روتليدغ، أستاذة علم النفس لموقع "فايس" (Vice) الأميركي، إن "مشاهدة المحتوى الذي نعلم أنه سيشعرنا بالغضب هو من أشكال محاربة الملل، فمن الممتع أحيانا أن تثير مشاعرك بطريقة تتوقعها".
وشبهت إيرين فوغيل، عالمة النفس الاجتماعي، متابعة من نكره بمشاهدة أفلام الرعب؛ إذ يمكن أن نشعر بالمتعة عند مشاهدة فيلم مخيف، على الرغم من أن الخوف شعور سلبي مزعج في حد ذاته. تتعرف على نفسك من خلال ملاحظة الصفات التي لا نحبها في الآخرين، فإننا نضع معايير لأنفسنا ونعيش وفقا لها. وأوضحت روتليدغ ذلك قائلة إن "متابعة الأشخاص الذين لا نحبهم أو لا نحترمهم تساعدنا في تعزيز هويتنا وتحديد منظومة القيم الخاص بنا؛ فإذا كنت تنظر إلى شخص ما وتفكر في سلوكه الذي تكره، مثل التفاخر بثروته أو التحدث بوقاحة، فهذا يسمح لك بتعريف ذاتك وقيمك".
توكيد مشاعرك تجاههم معرفة المزيد عن الأشخاص الذين نكرههم يمكن أن يشعرنا بالرضا، إذ نتأكد أننا على حق وأننا لا نحبهم لأسباب وجيهة، وفقا لفوغيل. تشعر بالفوقية أحد الدوافع وراء متابعة أشخاص نكرههم هو مقارنة أنفسنا بهم، وعندما نشعر بأننا أفضل منهم، يزيد ذلك من متعة متابعتهم، ونشعر بالاطمئنان. وقالت بيجي كيرن الأستاذة بمركز علم النفس الإيجابي بجامعة ملبورن، لموقع شبكة "إيه بي سي" (ABC)، إن متابعة من نكره تجعلنا نشعر بالفوقية، وبتحسن تجاه أنفسنا من خلال الحكم على الآخرين، ونقول بداخلنا "على الأقل أنا لست مثل هذا الشخص". الفضول يمكن أن يقودنا الفضول أيضا إلى هذا السلوك، خاصة إذا كنت مهتما بموضوع ما، فقد ترغب في معرفة دافع ومنطق الآخرين في الجانب الآخر، كما تقول إيفيتا مارش الأستاذة والباحثة في علم النفس. وأعربت مارش أنها شخصيا يمكن أن تتابع أشخاصا تكرههم باعتبارها شخصا مهتما بدراسة علم النفس. سلاح ذو حدين متابعة من نكره ليست بالضرورة أمرا سيئا تماما، فهو سلوك بشري عادي أن نقارن أنفسنا بمن حولنا، ولكن له جوانبه السلبية أيضا. وأوضح مارتن فار، أستاذ التاريخ البريطاني المعاصر في جامعة نيوكاسل، أحد فوائد هذا السلوك، قائلا إن من الأفضل أن يتعرض المرء لآراء ومواقف قد لا يتفق معها؛ للتغلب على ما يعرف بـ"غرف صدى الصوت" أو (Echo Chambers) في منصات وسائل الاجتماعي، حيث يُعرض للمستخدم ما يوافق هواه فقط، ولا يتعرض للآراء المغايرة له.
وأضاف "توجد آراء مختلفة، ويجب على المرء أن يكون على دراية بها، بدلا من التظاهر أو تمنّي عدم وجودها". وتتفق المعالجة النفسية بيكر أن متابعة من نكره ليست أمرا سيئا، غير أنها حذرت من الانغماس في هذا السلوك. وأكدت أننا يجب أن ننتبه إلى مدى قيامنا بذلك، "فإذا أصبح الشخص مهووسا بمتابعة محتوى أشخاص يكرههم باستمرار، ويوجه كل مشاعره السلبية إليهم، يصبح الأمر إشكاليا". وأضافت "يمكن أن يشير ذلك إلى مشاكل أعمق داخلنا، فمن الأسهل أن تكره شيئا مجردا، وتوجه له مشاعرك السلبية، من أن تدرك أن هناك مشكلة ما فيك أنت، فإذا وجدت نفسك تتابع أشخاصا تكرههم بكثرة، فقد يعبر ذلك عن إحساسك بقيمتك الذاتية والأفكار السلبية في رأسك والأحكام التي تصدرها على نفسك". وأحد عواقب هذا السلوك هو نشر المحتوى السلبي وزيادة شهرته، ومع وجود خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تبرز المنشورات التي تحظى باستجابة عاطفية كبيرة، تساعد متابعتك للشخص الذي تكرهه ونشر محتواه في تشجيع سلوكه وزيادة مشاهداته. ومن هذا المنطلق، أصبحت الكراهية مصدر شهرة للعديد من المؤثرين على مواقع التواصل، وتزداد شهرتهم وبروزهم من خلال المنشورات الاستفزازية التي تجذب الاهتمام لهم، وإن كان هذا بدافع الكره. لذلك، يجب عليك التحقق من أسباب متابعة من تكرههم، وملاحظة مشاعرك بعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كانت منشوراتهم تهز ثقتك بنفسك أو تشغل مساحة كبيرة من تفكيرك أو تعكر مزاجك، يمكن أن يشير ذلك إلى تأثر صحتك النفسية والعقلية سلبا، وحان الوقت للضغط على زر إلغاء المتابعة.