تثير دعوات تقنين القنب الهندي (الذي يستخلص منه الماريغوانا والحشيش) للاستهلاك الترفيهي مخاوف من إعادة سيناريو الترويج للسجائر والتبغ في خمسينيات القرن الماضي قبل أن تتحول إلى آفة تحصد أرواح الملايين في العالم.
وتزايدت الدعوات حول العالم من أجل تشريع الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي تزامنت مع الإقبال على استعماله بين الشباب، لكن خبراء يحذرون من غياب الحذر لدى الترويج لتعاطي هذه المادة. ووجه ناشطون مغاربة نداء من أجل "فتح نقاش عمومي" حول تشريع الاستعمال الترفيهي للقنب الهندي.
كما وجهوا دعوة إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لدعم إنجاز دراسات علمية حول مختلف آثار تشريع استهلاك القنب الهندي الترفيهي ومدى إمكانية اعتباره من ضمن السبل المهمة لخلق بديل اقتصادي لفائدة مجتمع مزارعي القنب الهندي، وفق ما نقلت وسائل إعلام مغربية.
وأشار النداء إلى أن زراعة القنب الهندي في المغرب للأغراض الترفيهية كانت "مضمونة تشريعيا منذ صدور ظهير شريف (مرسوم ملكي) مؤرخ في 19 جمادى الثانية (4 مايو 1915) في إجراء العمل بالظهير المتعلق بمراقبة جلب الدخان والكيف وفي منع ذلك وإلى غاية صدور ظهير شريف مؤرخ في 20 شعبان 1373 (24 أبريل 1954) بشأن منع قنب الكيف والذي احتفظ بإمكانية الزراعة والاستعمال للأغراض العلمية".
مخاوف من دعاية مشابهة للسجائر
في الخمسينيات، كان تدخين السجائر مقبولا اجتماعيا، وبحلول أواخر العقد كان حوالي نصف سكان الدول الصناعية يدخنون، في المملكة المتحدة ما يصل إلى 80 في المئة من البالغين كانوا مدمنين. كان المنتج رخيصا وقانونيا ومقبولا اجتماعيا، وفق تقرير من صحيفة "ذا غارديان". وكان بيع السجائر يتم في الأصل كسلع فاخرة مصنوعة يدويا باهظة الثمن للنخبة الحضرية، وحتى بين الأطباء أنفسهم. ولكن مع توالي السنوات بدأت الدراسات تحذر من التدخين ومخاطره على الصحة.
واليوم، يعد التبغ هو السبب الرئيس للوفاة والذي يمكن الوقاية منه، حيث يموت شخص كل أربع ثوان في العالم بسبب السجائر، وفق منظمة الصحة العالمية.
وتسبب "التدخين النشط" أو "التدخين السلبي"، أي استنشاق الدخان من غير المدخنين، بوفاة نحو تسعة ملايين شخص في 2019. واليوم يحذر خبراء من الترويج للقنب الهندي والحشيش بنفس الأسلوب.
خلط بين الاستعمال الطبي والترفيهي
يقول الخبير الطبي، الطيب حمضي، إن الترويج للاستعمال الترفيهي للقنب الهندي يجب أن يواجه بحذر كبير جدا، محذرا من أن الترخيص للاستعمال الترفيهي قد يكون قرارا بعواقب يصعب التراجع عنها فيما بعد.
ويشرح حمضي في حديث لموقع "الحرة" أنه يجب التمييز بينه وبين الاستعمال الطبي للقنب الهندي الذي يرى أن له مستقبلا كبيرا جدا. ويرى حمضي أن هناك خلطا خطيرا يطال الترويج للقنب الهندي، إذ لا يتم التمييز بين الاستعمال الطبي والترفيهي، مشيرا إلى أن الاستعمال الترفيهي يحمل مخاطر كبيرة على الإنسان. ويوضح حمضي أن الاستعمال الترفيهي بدوره يؤدي إلى الإدمان، مشيرا إلى أن حتى من يستعملونه بين الفينة والأخرى مهددون بإدمانه وعواقبه الصحية، وقد يتحول حتى المستعمل لمرات قليلة إلى "مستعمل مرضي"، بحسب الخبير. ووفق المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها "سي دي سي"، يصاب بعض مستخدميه بـ "اضطراب استخدام القنب" ، إذ يصعب عليهم التوقف عن استخدامه رغم المشاكل الصحية والاجتماعية في حياتهم. وتقول "سي دي سي" إن من بين علامات الاضطراب استخدام القنب بكمية أكبر من التي ينوي المستعمل استهلاكها، محاولة الإقلاع دون جدوى، وقضاء الكثير من الوقت في تعاطي القنب، ثم هناك "حنين القنب"، أي استعماله رغم المشاكل في المنزل أو المدرسة أو العمل، ورغم المشاكل الجسدية أو النفسية. ومن العلامات أيضا أن المستعمل يتخلى عن الأنشطة المهمة مع الأصدقاء والعائلة من أجل تعاطي المادة، واستعمالها حتى في مواقف تتطلب الانتباه، مثل قيادة السيارة.
ووفق الوكالة فمن العلامات أيضا استخدام المزيد من المادة للحصول على نفس المتعة، كما يعاني المستعمل من أعراض الانسحاب في حال التوقف عن استعمالها.
القنب الهندي والنمو العقلي
للقنب آثار قصيرة المدى على الدماغ منها التأثير في غضون 24 ساعة لدى الشباب والبالغين على التفكير والانتباه والذاكرة والتنسيق والحركة وإدراك الوقت، وفق "سي دي سي". أما الآثار طويلة المدى على الدماغ، فتحددها الوكالة الأميركية في التأثير على نمو الدماغ خاصة لدى الأطفال والمراهقين. وعلى الرغم من أن العلماء ما زالوا يدرسون آثار القنب على نمو الأدمغة، تشير الدراسات إلى أن استخدام الأمهات للمادة أثناء الحمل يمكن أن يرتبط بمشاكل الانتباه والذاكرة ومهارات حل المشكلات والسلوك لدى أطفالهن. وقد يؤثر استخدام القنب قبل سن 18 عاما على كيفية بناء الدماغ لروابط لوظائف مثل الانتباه والذاكرة والتعلم. وتشير الوكالة إلى تأثيرات القنب على الانتباه والذاكرة والتعلم تستمر لفترة طويلة وقد تكون دائمة، كما أن المراهقين الذين يستعملون القنب قد لايكون أداؤهم جيدا في المدرسة وقد يواجهون صعوبة في تذكر الأشياء.
تحذير للمصابين بالفصام
وهناك علاقة بين القنب الهندي وأمراض مثل الذهان، كما يسبب مشاكل صحية كثيرة من السرطان ومشاكل في التنفس إلى غيرها من الأمراض، وفق حمضي. وكانت دراسة قادها باحثون في خدمات الصحة العقلية في منطقة العاصمة الدنماركية ونشرت مجلة الطب النفسي حذرت من خطر متزايد من الإصابة بالفصام لمستعملي القنب. وجد الباحثون أدلة قوية على تواجد علاقة بين اضطراب تعاطي القنب والفصام بين الرجال والنساء، على الرغم من أن الارتباط كان أقوى بكثير بين الشباب. وباستخدام النماذج الإحصائية، قدر مؤلفو الدراسة أن ما يصل إلى 30 في المئة من حالات الفصام بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 21-30 قد تم منعها عن طريق تجنب اضطراب استخدام القنب. ويحذر حمضي من الخلط بين الاستعمال الترفيهي والطبي للقنب الهندي، مشيرا إلى أن الاستعمال الطبي له مستقبل كبير وقد يحمل حلولا للعديد من الأمراض، مثل الصرع وغيرها، أما الترفيهي فقد تكون خطوة يصعب التراجع عنها "إذا أخطأنا الطريق".