نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريراً عن العلاقة الأميركية - الصينية المعقّدة، وحاول التقرير عرض تفاصيل العلاقة بالأرقام، ورأى التقرير أن "الصين والولايات المتحدة تخوضان منافسة شديدة، وبنحو متزايد عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي والمنافسة الاقتصادية، حيث يعتبر القادة الأميركيون في كثير من الأحيان، أن الصين هي أكبر منافس لهم على المدى الاستراتيجي".
وأضاف التقرير، مع ذلك يظل أكبر اقتصادان في العالم، واللذان يمثلان معاً 40 % من الناتج العالمي، شريكان أساسيان في نواح كثيرة، فتراهما يتبادلان المنتجات المهمة، ويمولان الأنشطة التجارية لبعضهم البعض، ويوفران موطناً متبادلاً لملايين الأشخاص، وينشئان تطبيقات وأفلاماً للجماهير في كلا البلدين.
القوة الاقتصادية والعسكرية
يواصل الاقتصاد الأميركي تفوقه على نظيره الصيني من حيث القيمة الدولارية: ففي عام 2022، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني 18 تريليون دولار، مقارنة بـ25.5 تريليون دولار للولايات المتحدة.
لكن عدد سكان الصين أكثر بأربعة أضعاف من سكان أميركا، بالتالي تبدو الصورة الاقتصادية مختلفة عند تعديلها وفقاً للأسعار المحلية.
وتبلغ حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 18.9 %، متجاوزة الولايات المتحدة بنسبة 15.4 %.
وقدمت الصين أكثر من تريليون دولار للبنية التحتية العالمية، من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، والتي يرى المحللون أنها محاولة لإبراز القوة الصينية في جميع أنحاء العالم.
وأثار النمو والتحديث السريعان للجيش الصيني، مخاوف في الولايات المتحدة، كون الصين تمتلك ىسفناً حربية أكثر من تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة، وتتفوق أيضاً في عديد الأفراد العسكريين، مع جيش قوامه 2.5 مليون عام 2019.
لكن التقرير يعود ليجادل أن "القوات المسلحة الأميركية مجهزة بشكل أفضل بكثير، ولا تزال الولايات المتحدة تنفق على الدفاع أكثر من الدول العشر التي تليها في قيمة الإنفاق العسكري مجتمعة، بـ 877 مليار دولار عام 2022، مقارنة بـ 292 مليار دولار إنفاق الصين.
العلاقات التجارية
يفيد التقرير أنه "على الرغم من التوترات المتصاعدة، لا تزال التجارة بين البلدين قوية للغاية، فتحتل الصين مرتبة ثالث أكبر شريك تجاري لأميركا بعد كندا والمكسيك.
بينما سجلت واردات الولايات المتحدة من السلع والخدمات من الصين رقماً قياسياً بلغ 563.6 مليار دولار خلال العام الماضي. في وقت تجد حصة الواردات الأميركية من الصين تأخذ في الانخفاض، في علامة على كيفية قطع بعض الشركات العلاقات مع الصين.
وتعد الصين سوقاً رئيسياً للتصدير، حيث تذهب نصف صادرات فول الصويا الذي تصدّره الولايات المتحدة إلى الخارج إلى الصين، وقدّر مجلس الأعمال الأميركي الصيني أن الصادرات الأميركية إلى الصين دعمت ما يقرب من 1.1 مليون وظيفة في الولايات المتحدة في عام 2021.
وتهيمن الصين على سلاسل التوريد لكل من السلع الأساسية والسلع اليومية، فتحتل المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج الصلب والألواح الشمسية والإلكترونيات، والفحم والبلاستيك، والأزرار وبطاريات السيارات، وقد ضاعفت صادراتها من السيارات أربع مرات في عامين فقط، لتصبح أكبر مصدر للسيارات في العالم من خلال نفوذها المتزايد في السيارات الكهربائية".
العلاقات المالية والشركات
تعتبر الصين واحدة من أكبر المقرضين في الولايات المتحدة، يولد أعضاء مؤشر S&P 500 ( مؤشر يضُم أكبر 500 شركة يتم تداول أسهُمها في الولايات المتحدة)، والذي يتتبع أكبر الشركات العاملة في الولايات المتحدة، 7.6 % من عائداتهم في الصين، وهو أكبر مصدر للمبيعات الدولية حتى الآن، ووفقاً لـ FactSet (شركة نظم بحوث) فإن الإيرادات التي تجنيها الشركات الأميركية الكبيرة من الصين، هي أكثر من عائداتها من اليابان وبريطانيا وألمانيا مجتمعة.
لكن النظرة المستقبلية للشركات الأميركية التي تعمل في الصين أصبحت أكثر كآبة، في دراسة استقصائية لشركات أميركية في الصين، وصف 56% من المستطلَعين، أعمالهم بأنها غير مربحة في عام 2022، واعتقد 46 % من الشركات الأميركية أن العلاقات الأميركية - الصينية ستتدهور في عام 2023.
العلاقات الشخصية والثقافية
أصبحت الولايات المتحدة موطناً لما يقرب من 2.4 مليون مهاجر صيني، مما يجعلها الوجهة الأولى للمهاجرين الصينيين في جميع أنحاء العالم، وفي العام الدراسي 2021-22، التحق 296 ألف طالب من الصين، بمؤسسات التعليم العالي الأميركية، أي ما يقرب من ثلث عدد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة.
بينما تعرض ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة أميركيين - صينيين للتمييز العنصري، في الأشهر الـ 12 الماضية، وتعرض 9% للترهيب أو الاعتداء الجسدي.
وتعتبر الصين منذ فترة طويلة شركة تصنيع منخفضة التكلفة، وأصبحت أكثر مصدراً للابتكار والإبداع الثقافي، ففي العام الماضي وحده، تم افتتاح 20 فيلماً أميركياً في الصين، وبلغ إجمالي عائدات شباك التذاكر نحو 673 مليون دولاراً أميركياً.
الخزانة الأميركية: فك الارتباط الاقتصادي بين بكين وواشنطن مستحيل
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، اليوم إنّ فك الارتباط بين أكبر اقتصادين في العالم "عملياً مستحيل"، وذلك في تصريحات أمام ممثلي شركات أميركية في الصين.
وبينما تسلط قيود بكين على الصادرات الضوء على الحاجة إلى سلاسل إمداد متنوعة، قالت يلين إنّ "فك الارتباط بين أكبر اقتصادين في العالم سيؤدي إلى زعزعة الاقتصاد العالمي".
وتلتقي وزيرة الخزانة الأميركية في بكين الجمعة مسؤولين صينيين كباراً، بينهم رئيس الوزراء لي تشيانغ، لتهدئة العلاقات التجارية المتوترة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وتأتي زيارة يلين بينما يدعو سياسيون أميركيون إلى "فك الارتباط" بين الاقتصادين لخفض اعتماد واشنطن على الدولة الآسيوية العملاقة، وسط تصاعد الخلافات الجيوسياسية.
وتندرج هذه الزيارة التي تأتي بعد أسابيع على زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في إطار رغبة إدارة الرئيس جو بايدن في تجديد الاتصال مع بكين، في ظل عدّة أحداث أدت إلى توتير العلاقات، خاصة حادثة المنطاد الصيني.
وستعقد يلين في أول رحلة لها إلى الصين منذ توليها منصبها في 2021، اليوم اجتماعاً مع رئيس الوزراء لي تشيانغ المسؤول خصوصاً عن القضايا الاقتصادية في بلاده.
وتشهد العلاقات الأميركية - الصينية توتراً على خلفية عدد من الملفات.
ومن القضايا التي تثير التوتر بين البلدين ملف تايوان، التي تؤكد الصين أنّها جزء لا يتجزأ من أراضيها.
وخلال زيارة بلينكن لبكين، أكّد الصينيون أنّهم لن يقدّموا أي تنازلات بشأنها.
من جهتها، علقت الصين، على الزيارة التي ستجريها وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إلى بكين.
وقال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة، شيه فينغ، إن الصين تأمل أن تجتمع مع واشنطن في منتصف الطريق، وأن ينفّذا بشكل كامل التوافق المهم بين الرئيسين الصيني والأميركي، شي جين بينغ، وجو بايدن، وأن يزيلا التدخلات في الإجراءات، ويديرا خلافاتهما، وأن يعززا الحوار بينهما بإخلاص، وأن ينفذا التعاون لوقف التدهور وإعادة العلاقات الصينية - الأميركية إلى المسار الصحيح"، وفقاً لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية.
وستمتد زيارة وزيرة الخزانة الأميركية، إلى الصين، من 6 إلى 9 تموز/يوليو الجاري، وفقاً لقناة "سي جي تي إن" الصينية.
من ناحيتها، قالت وزارة الخزانة الأميركية: "يلين ستناقش أهمية بلدَيْنا - باعتبارنا أكبر اقتصادين في العالم - وكذلك إدارة علاقتنا بشكل مسؤول، والتواصل بشكل مباشر حول مجالات الاهتمام المشتركة، والعمل معاً لمواجهة التحديات العالمية".
ويتوقّع خبراء صينيون، أن تتناول زيارة يلين إلى بكين القضايا المالية بين البلدين، على خلفية تخفيف التوترات بين أميركا والصين، كما يرجحون أن أزمة الديون الأميركية ستكون من أبرز الملفات المطروحة في الزيارة.