حظر العباءة بمدارس فرنسا يطرح تساؤلات حول العنصرية والأولويات
وصف المؤرخ الفرنسي البارز بيير روزانفالون قبل أشهر حال فرنسا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، بأنها تعيش "أخطر أزمة ديمقراطية منذ نهاية الصراع الجزائري" من دون أن يمتلك الرئيس "أي مكابح أو نقطة لإيقافها في هذا المنحدر الزلق". هذا الكلام أثار زوبعة من ردود الفعل على واحد من أبرز المؤرخين الفرنسيين المعروفين باعتدال أفكارهم، خصوصاً بعد اتهام روزانفالون للرئيس الفرنسي بأنه "مشبع بغطرسة يغذيها الجهل الاجتماعي والجهل بتاريخ الديمقراطيات". كلام روزانفالون كان في أعقاب تمرير حكومة ماكرون قانون رفع سن التقاعد رغم المعارضة الساحقة ضده من قبل الفرنسيين، وما أظهره ذلك سواء في الشارع من خلال التظاهرات المليونية أو من خلال استطلاعات الرأي. تلك الانتقادات عاد كثير من الفرنسيين إلى تذكرها اليوم، مع الجدل الكبير الحاصل بعد قرار وزير التربية والتعليم غابريال أتال حظر ارتداء العباءة على الطالبات في المدارس الحكومية. المدافعون عن قرار الوزير يكررون القول إنه لا يستهدف الطالبات المسلمات لأنهن مسلمات، بل لهدف "أسمى" وهو احترام العلمانية المنصوص عليها في المادة الأولى من الدستور الفرنسي، لكن سرعان ما ينكشف تناقض هؤلاء عندما تمتلئ شاشات قنوات التلفزة بأطروحاتهم التي تجهل التاريخ والمجتمع والخالية من أدنى درجات الثقافة العامة، عندما يتهمون الفتيات اللواتي يرتدين العباءة في المدرسة بأنهن يأتين بـ"لباس ديني من دول الخليج لفرضه على فرنسا". بهذا الوضوح، يكشف هؤلاء أن العنصرية هو الجوهر الذي تم على أساسه إصدار هذا القرار. وما يعزز القول إن الدافع وراء القرار كان عنصرياً، هو مشاهدات سجّلت في اليوم الأول من بداية الموسم الدراسي، حين وجد بعض المراقبين المدرسيين الذين اصطفوا لمراقبة ما ترتديه طالبات المدارس من ثياب صعوبة في التعامل مع كل أولئك اللواتي ارتدين ثوباً طويلاً. فتعليمات الوزير الحرفية كانت حظر "العباءة" وكُتب اسم هذا اللباس في نص القرار كما يلفظ بالعربية "Abaya" علماً أن ترجمة الكلمة إلى الفرنسية هي "روب" Robe . وهنا أصبحت المعادلة أن الفتاة التي يميل لون بشرتها إلى السمرة قليلاً فهذا يعني أنها من أصول عربية وبالتالي مسلمة وما ترتديه "عباية"، أما إذا كان لون بشرتها فاتحاً فهي ترتدي "روب". هكذا بكل بساطة، مُنعت فتيات من دخول الصف الدراسي وسمح لأخريات بدخوله بناء على تمييز مفرط في العنصرية، ومبالغ في إظهارها.
أمام هذه الحالة يحتار المراقبون في فهم أولويات الحكومة الفرنسية، فبينما تعاني البلاد من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية بنسبة تجاوزت 10% وسطياً في شهر سبتمبر الحالي، ترى الحكومة أن العباءة هي التهديد الأكبر على المجتمع الفرنسي. وناهيك عن ذلك، ليست العباءة مشكلة المدرسة الأولى في فرنسا، إذا ما سلّمنا أصلاً بأن ارتداءها مشكلة، بل قضايا أعمق وأخطر، مثل نقص أعداد المدرسين، وحالات التنمر التي تؤثر على طالب من بين كل عشرة طلاب في فرنسا بحسب إحصاءات وزارة التربية، وبعض هذه الحالات تنتهي بطريقة مأساوية مثل حادث انتحار صبي يبلغ من العمر 15 عاماً بسبب تعرضه للتنمر في المدرسة الماضي. يأتي هذا بينما قتل طالب آخر يبلغ من العمر 15 عاماً بسبب الشرطة التي لاحقته بسبب قيادته لدراجة نارية صغيرة بطريقة "متهورة" قبل يومين في إيلانكور قرب العاصمة باريس. وللمفارقة، كلا الحادثين وقعا في أسبوع تطبيق قرار حظر ارتداء العباءة في المدارس، وكأنهما رسالة تقول للحكومة إن المشكلة في مكان آخر.