كُشِف زيف الرواية الإسرائيلية الأميركية التي حاول الاحتلال مِن خلالها فبركة الأخبار الخاصة بقصفه للمستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزّة، وارتكابه مجزرةً ارتقى ضحيتها مئات الشهداء الفلسطينيين، وذلك بتوجيه أصابع الاتهام بالمسؤولية عن المجزرة تجاه صواريخ مقاومة الشعب الفلسطيني نفسه، في سرديةٍ واضحة الافتراءات ومليئة بالخداع المكشوف.
وتدور الرواية الإسرائيلية حالياً على أنّ "عدم وجود حفرة" في موقع القصف، دليلٌ على أنّ الصاروخ الذي استهدف المستشفى "لم يأت مِن طائرةٍ إسرائيلية"، ليقوم خبراءٌ ومتخصّصون ومراسلون غربيون بنفي السردية الإسرائيلية وتفنيدها بعدّة أدلةٍ مادية.
"حفرة الصاروخ".. سردية ساقطة
وفصّل الخبراء في دحض الرواية الإسرائيلية، موضحين أنّ الاحتلال الإسرائيلي يستخدم في قصفه، ضمن عدوانه على قطاع غزّة، قنابل "JDAM" الأميركية، وهي عائلة كاملة من القنابل، وليست من نوعٍ واحد.
وأشار الخبراء الغربيون إلى أنّ القنبلة التي اُستخدمت في قصف المستشفى الأهلي المعمداني، هي ذات وضعٍ انفجار جوي، وهو الوضع الذي لا ينتج عنه حفرة يتسبب بها اصطدام الكتلة المتفجرة بالأرض، حيث تقتل عبر الشظايا والموجات الصدمية والكرة النارية التي يُحدثها الانفجار، مُرفقين في تحليلهم مقاطع فيديو توضّح ذلك.
وبناءً على ذلك، فإنّ عدم وجود حفرةٍ لا يستبعد مسؤولية "إسرائيل"، كما أنّ عدد الضحايا الكبير يُثبت أنّهم تأثروا بالشظايا وصدمة الانفجار التي تسبّبها قنبلة "JDAM"، الأمر الذي أشار إليه عدّة محللين، إضافةً إلى مراسلين غربين وإسرائيلين أثناء تحليلهم الأولي للقصف.
كما كشف مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إريك تولر، أنّ الفيديو الذي نشرته حسابات رسمية إسرائيلية على أنّه "للحظة سقوط صاروخ لحركة الجهاد الإسلامي على المستشفى" لم يكن كذلك، موضحاً أنّ توقيت المقطع هو على الساعة الثامنة مساءً، أي بعد 40 دقيقة من توقيت قصف المستشفى.
وأوضح المراسل أنّه على إثِر كشف ذلك، قام الحساب الإسرائيلي الرسمي "Israel@" بتعديل التغريدة لإزالة الفيديو الذي تمّ تقديمه كدليل.
وأورد مفندو الرواية الإسرائيلية، صوراً لتغريدة حنانيا نفتالي، المستشار الرقمي لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، والتي تمّ حذفها لاحقاً، وقال فيها عقب القصف إنّ "إسرائيل قصفت قاعدة إرهابية لحماس داخل مستشفى في غزة".
وقدّم محلّلون نقطة ضعفٍ أخرى بارزة في الرواية الإسرائيلية، حيث نشر "جيش" الاحتلال الإسرائيلي مقطعاً صوتياً، زاعماً أنّه لعناصر في المقاومة، يشير إلى المقبرة الواقعة خلف المستشفى المُستهدف كموقعٍ لإطلاق الصواريخ، في الصورة أدناه.
بينما خريطة الرادار التي قدمها المتحدث باسم "الجيش" الإسرائيلي، دانييل هاغاري، تقول إنّه "تمّ إطلاق الصواريخ من النقطة الملونة باللون الأحمر"، والتي يُقدّر أنّها تبعد 5 كيلومترات عن المستشفى، في لاصورة المرفقة أدناه.
شهادات واكبت المجزرة
يُشار إلى أنّه مع ورود الأخبار الأولى للمجزرة التي وقعت في المستشفى الأهلي المعمداني بمدينة غزّة، والتي أحدثت صدىً كبيراً وسريعاً على وسائل الإعلام العالمية، تحدّث عدّة صحافيين بوضوح عن كون المجزرة نتيجة قصفٍ إسرائيلي استهدف المستشفى الذي لجأ إليه نازحون مِن مناطق قُصفت ودُمّرت في قطاع غزّة. وكان صحافي شبكة "BBC" البريطانية، جون دونيسون، صرّح بأنّه "بالنظر إلى حجم الانفجار، من الصعب أن نرى ما يمكن أن يكون عليه هذا بخلاف غارةٍ جوية إسرائيلية، أو عدّة غارات جوية". وتحدّث مراسل قناة "MSNBC" الأميركية مِن القدس، مباشرةً على شاشة القناة بعد القصف، قائلاً إنّ "هذا العدد من الضحايا لا يترافق عادةً مع الصواريخ الفلسطينية". وأوضح الصحافي الاستقصائي، شاين باور، الحائز على جائزة "غولد سميث"، أنّه ولنتيجة ذهابه 3 مراتٍ إلى محافظة الرقّة في سوريا، مشيراً إلى أنّها المدينة التي سوتها الولايات المتحدة بالأرض بفعل ضرباتٍ جوية، يؤكّد أنّه "من الصعب جداً تدمير مبنى كبير بصاروخ واحد، حتى عندما يكون موجهاً بدقة، ووفاة 500 شخص في مستشفى في غزّة مِن صاروخ طائش لا يبدو صحيحاً على الإطلاق".
احتلال يعتاد إنكار
مسؤوليته مِن جهتها، أوضحت الكاتبة في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ميغان ستاك، أنّ "الجيش" مُعتاد على أن ينكر بشكلٍ سريع كل ما يقترفه مِن فظائع وانتهاكات، قائلةً: "لا أعرف ما حدث في المستشفى، لكنّني مثل العديد من المراسلين الذين غطوا الجيش الإسرائيلي، أتذكر الإنكار الإسرائيلي الأولي، مثل قصة قتله الصحافية شيرين أبو عاقلة المتغيرة".
وقدّم الصحافي الأميركي، أليكس شامس، شهادته التي كوّنها بعد عمله لمدة سنتين كمراسلٍ في مدن ومخيمات الضفة الغربية، مؤكّداً إنكار الاحتلال لجرائم وأحداث اقترفها، حيث صرّح بقوله: "اتصلت بالجيش الإسرائيلي يومياً للتعليق، كثيراً ما أنكروا الأحداث التي رأيتها بأم عيني". كما ذكّر الكثيرون بالشهيدين الصبيين لؤي كحيل وأمير النمرة، الذين استشهدا في مدينة غزّة عام 2018، مِن جرّاء قصفٍ إسرائيلي، أصدرت بعده "إسرائيل" مقطع فيديو مزيف يحاول إلقاء اللوم على الفلسطينيين أنفسهم، لتكشف هيئات ومنظمات دولية، مِن ضمنها معهد الهندسة المعمارية في بريطانيا، الحقيقة التي أكّدت الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمبنى الذي كان يلتقط الصبيين مِن على سطح صوراً لهم. كما تُستَذكر المسعفة الفلسطينية الشابة، رزان النجار، وهي المتطوعة التي قتلتها إسرائيل في غزة عام 2018 أيضاً، مما أثار غضباً عالمياً، لتصدر "إسرائيل" بعد ذلك مقطع فيديو تمّ التلاعب به، محاولةً إلقاء اللوم على الشهيدة نفسها. وكان الاحتلال قد استهدف سيارتي إسعاف في حربه على لبنان عام 2006، ثم زعم أنّها "كانت خدعة"، ليؤكّد تحقيقٌ لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" أنّها كانت ضربةً إسرائيلية.
وبخصوص مقتل الصبي الفلسطيني، نديم نوّارة، عام 2015، على يد قوات الاحتلال الإسرائيليي التي نفت القيام بذلك، وقد كذب الاحتلال بشكلٍ مُثيرٍ للسخرية، بأنّ قواته لا تستخدم الذخيرة الحية، ملقياً باللوم على الفلسطينيين في قتله، حيث حقّقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وأكّدت مسؤولية الاحتلال عن قتل الصبي.
المقاومة تفنّد رواية الاحتلال
ونشرت حركة حماس بياناً مُطوّلاً وهاماً، فنّدت فيه رواية الاحتلال وافتراءاته الكاذبة على المقاومة والشعب الفلسطيني، ومحاولته التهرّب مِن المسؤولية والمجزرة، مُشيرةً إلى عدّة أدلة وقرائن تثبت كذب روايته وتهاوي سرديته. الحركة أوردت بدايةً مسألة قصف العدو للمستشفى قبل أيامٍ من المجزرة، وتلقي إدارته لاتصالات مِن "جيش" الاحتلال، تطالبهم بإخلائه تمهيداً لقصفه. وأكّدت "حماس" أنّ الاحتلال قام بالاتصال أيضاً بمدراء 21 مستشفى في قطاع غزّة، وخاصةً محافظتي غزّة والشمال، وأبرزها مستشفيات (العودة، الإندونيسي، كمال عدوان، الكويتي، القدس، والمعمداني)، طالباً منهم الإخلاء الفوري باعتبار المستشفيات تقع في "النطاق الجغرافي للعمليات العسكرية الإسرائيلية"، وقد تحدّث بذلك الناطقون الرسميون باسم الاحتلال، وعدد من مدراء المستشفيات في مقابلات على الهواء مباشرة عبر وسائل إعلامٍ مختلفة. وشدّدت الحركة على أنّه قُبيل وخلال القصف الإسرائيلي، "لم تطلق فصائل المقاومة أي صواريخ تجاه الاحتلال"، وأنّه لم تُفعّل صفّارات الإنذار لدى الاحتلال، ولم تنطلق مضادات القبة الحديدية الإسرائيلية، لافتةً إلى أنّ عشرات الطائرات الاستطلاعية التي لا تبرح سماء قطاع غزة، وتقوم بتصوير ورصد كل شبر فيه على مدار الساعة، يمكنها الخروج بصورة واحدة للعالم تدلّل على ما إذا كانت المجزرة بفعل صواريخ المقاومة كما يدّعي ويكذب الاحتلال. وردّت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في بيانٍ نشرته الثلاثاء، على محاولة الاحتلال الإسرائيلي تزوير الحقيقة بشأن اتهام الحركة بقصف مستشفى الأهلي المعمداني في غزّة. وأكد البيان أنّ توجيه الاتهام نحو الجهاد الإسلامي "لن يعفي العدو من مسؤوليته عن المجزرة"، وأنّ الاحتلال يحاول فبركة الأكاذيب كعادته ليتنصل من مسؤوليته عن المجزرة الوحشية. وشدّدت الحركة على أنّها كما باقي قوى المقاومة في غزة، "لا تستخدم دور العبادة ولا المنشآت العامة، ولا سيما المستشفيات، مراكز عسكرية أو لتخزين الأسلحة أو لإطلاق الصواريخ". وكان تعرّض المستشفى الأهلي المعمداني لأضرارٍ مِن جرّاء استهدافه بقذيفتين إسرائيليتين، قبل أربعة أيام، وبعد ذلك حذر الجيش الإسرائيلي إدارة المستشفى بإخلاء المبنى. وفي اليوم التالي، اتصل الجيش الإسرائيلي بمدير المستشفى، الطبيب ماهر عيّاد، وانتقده بشدّة بسبب "عدم إخلاء المنشأة"، حيث تمّ إبلاغ عيّاد أن القذائف كانت بمثابة تحذير. وكتب القس في كاتدرائية القديس جورج الأنغليكانية في القدس، الأب دون بيندر، قبل 3 أيام في منشورٍ على حسابه في منصّة "فايسبوك"، تحدث فيه عن أنّ المستشفى الأهلي المعمداني تعرّض لقصف إسرائيلي ألحق أضراراً بالغة بالطبقتين العلويتين، وأُصيب 4 موظفين. وأشار إلى أنّ هذا هو القصف الإسرائيلي الثاني للمستشفى، مُضيفاً أنّه "في الشهر المقبل، كان من المقرر أن نفتتح مركزاً جديداً للعلاج الكيميائي بالشراكة مع مستشفى أوغستا فيكتوريا في جبل الزيتون، وهو السبب الرئيس لزيارتنا للمستشفى الأسبوع الماضي".