استخبارات في إجازة واطمئنان إسرائيلي خدعته المقاومة.. بالتفاصيل والمعلومات: تقرير يكشف مكامن فشل الاستخبارات الإسرائيلية في طوفان الأقصى
أجرت مجلّة "فورين بوليسي" الأميركية، قراءةً تُشرّح أسباب وتداعيات الفشل الأمني الإسرائيلي الكبير الذي اتضح مع عملية "طوفان الأقصى"، وذلك في تقريرٍ مُطوّل جاء تحت عنوان "كيف فشل جواسيس إسرائيل، ولماذا قد يكون التصعيد كارثياً؟". المجلّة لفتت، في تقريرها حول الفشل الاستخباراتي، إلى أنّ "ثقافة وكالات الاستخبارات مهّدت الطريق لكارثة"، كما أنّه من الممكن أن تؤدي الحرب الإقليمية إلى "إحياء الشبح النووي الذي طارد العالم في عام 1973". وأكّدت أن الصدمة التي عانت منها "إسرائيل"، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، "لم يسبق لها مثيل، كما لا يمكن تصوّرها بأي مقياسٍ تاريخي إسرائيلي"، مُشدّدةً على أنّه لم يسبق لكيان الاحتلال أن شهد مِثل هذه الكارثة التي حصلت له مُنذ احتلاله فلسطين.
استخبارات في إجازة
وبالحديث عن تفاصيل الفشل الأمني الإسرائيلي، أوضحت المجلّة أنّه على الرغم من ورود مؤشراتٍ تحذيرية ليلة هجوم المقاومة الفلسطينية، إلّا أنّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، أهارون هاليف، واصل إجازته في مستوطنة "إيلات"، جنوبي فلسطين المحتلة. ودعا تقرير المجلّة إلى أنّه من المهم فهم الديناميكيات الداخلية داخل المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، والتي أدّت في حدّ ذاتها إلى فشل الاستخبارات، موضحاً أنّ جهازي الاستخبارات الرئيسيين المكلفين بتوفير إنذارٍ تحذيري استراتيجي في كيان الاحتلال، بالإضافة إلى إحباط أعمالٍ عسكرية مُحدّدة من غزّة، هما جهاز الأمن العام "الشاباك"، وهو المسؤول عن الاستخبارات البشرية ولكنّه يستخدم الوسائل التكنولوجية، و"أمان"، التي تستخدم بشكلٍ أساسي وسائل تقنية لجمع المعلومات. ويعتمد نظام التحذير الإسرائيلي ضد الهجمات الصغيرة أو الواسعة النطاق من قطاع غزّة، على ثلاث طبقاتٍ دفاعية رئيسية، الأولى تتألف بشكلِ رئيسي من مصادر الاستخبارات البشرية في "الشاباك"، بهدف تقديم تحذيرٍ بأنّ قيادة المقاومة "قرّرت التخطيط والإعداد وتنفيذ هجومٍ كبير". والطبقة الثانية، المستندة إلى قدرات جمع إشارات خاصة بـ"أمان"، وتحديداً الوحدتان "8200" و"81"، إضافةً إلى الوحدة "9900" المُختصّة بالصور الاستخبارية، تتضمن "جمع الأدلة حول استعدادات المقاومة الفعلية للهجوم". في حين تتمثل طبقة الدفاع الثالثة، في الحاجز الأرضي الكبير على طول السياج الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزّة، والذي يضم عوائق مادية، وأجهزة استشعار إلكترونية، ووسائل بصرية أخرى، تهدف إلى توفير خط دفاعٍ أخير ضد أي محاولة لاقتحام المستوطنات. صباح يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، انهارت الطبقات الثلاث، حسب وصف المجلّة، ولم يتم أي تحذير استراتيجي بشأن طبيعة وحجم الهجوم الوشيك، لتنجح "طائرات حماس المُسيّرة في تدمير ما يُقدّر بنحو 100 بُرج للمراقبة يحمل سلاحاً رشّاشاً يتمّ تشغيله عن بعد".
"اطمئنان إسرائيلي".. خدعته المقاومة
المجلّة الأميركية أرجعت جذور الفشل الإسرائيلي الفادح، إلى إخفاقين أساسيين، أوضحت أنّ الأول مفاهيمي محض، وهو كما كان الحال في عام 1973، مُشيرةً إلى التقدير المشترك الذي وصفته بـ"الكاذب، لكنّه ثابت ومتين"، الذي قدّمه كلٌ من "الشاباك" و"أمان". ويتألف التقدير الاستخباراتي الإسرائيلي من عنصرين، أولاً، أنّ التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي من شأنه أن يُشكّل "رادعاً لحماس والفصائل عن الشروع في أي عملٍ عسكري كبير"، وثانياً، أنّه إذا شنّت المقاومة مثل هذا الهجوم الكبير، فإنّ "الشاباك وأمان سيقدمان تحذيراً في الوقت المناسب". وحسب تقرير المجلّة، فإنّ ضبط النفس النسبي الذي أبدته حركة حماس في السنوات الأخيرة، قد أدى إلى تعزيز هذا المفهوم في النفسية الجماعية للقادة السياسيين والعسكريين والاستخباراتيين في كيان الاحتلال، وهو الأمر الذي عزّز الفشل الكبير. وزعمت "فورين بوليسي" أنّ فرصةً كانت خلال ليلة 6 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، "لردع الهجوم أو التقليل منه"، حيث اكتشفت الاستخبارات الإسرائيلية بعض المؤشرات التحذيرية، وقد أرسل "الشاباك عدداً قليلاً من العملاء الإضافيين إلى الجنوب"، لتكشف المجلّة أنّ رئيس "أمان" واصل إجازته في "إيلات"، ولم يتم إجراء أي عمليات انتشار كبيرة. وتناولت المجلّة ما أسمته "الفشل الثاني"، والذي وصفته بأنّه الأكثر إثارةً للدهشة، وهو فشل جمع المعلومات، حيث يبدو أنّ "الشاباك" فشل في مهمته الأساسية ولم يقدم أي تحذير مهم بشأن "نية حماس شنّ هجومٍ كبير". وقالت إنّ "السجل الممتاز للشاباك، فضلاً عن حقيقة أن عدد نُشطاء حماس المُطّلعين على العملية السرية كان كبيراً إلى حدٍّ ما، يُضاعف من الفشل"، موضحةً أنّه وعلى الرغم من الصعوبات المعروفة جيداً في تجنيد مصادر بشرية في الحركات الإسلامية في المقاومة، إلا أنّ "الافتقار إلى أي معلوماتٍ مسبقة من الأصول الاستخباراتية في غزّة أمرٌ مدمر بالنسبة لإسرائيل". وتحدّثت المجلّة إلى عدّة عناصر متقاعدين في جهاز "الشاباك"، أشاروا إلى وجود تفسيراتٍ أخرى تتعلق بسمات محدّدة للجهاز الأمني الإسرائيلي نفسه، خصوصاً وبأهميةٍ بالغة، ثقافته التنظيمية، حيث تمثّلت إحدى ما أنتجته هذه الثقافة وفقاً لهم، أنّ "محاولة واسعة النطاق من قِبل حركة حماس لاحتلال المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود، أُعطيت مرتبة منخفضة في ترتيب أولويات الجهاز"، إضافةً إلى تدهور القدرات البحثية للجهاز. وأشار متقاعدو "الشاباك" إلى أنّه لا يُعرف الكثير عن "مساهمة أمان في الفشل"، إلّا أنّه يبدو أنّ الشعبة عانت من "الضعف المعروف المتمثّل في عدم ربط النقاط"، وذلك في المقام الأول بسبب وجود عددٍ كبير جداً من المحللين لديها، وعدم التكامل الكافي، خصوصاً وأنّه "من الواضح أن تدريبات حماس لاحتلال المستوطنات، تمّت مراقبتها جيداً من قِبل الطائرات بدون طيار الإسرائيلية وغيرها من وسائل تجميع المعلومات". ومع ذلك، فشل محللو "أمان" في التعرف على معناها الحقيقي، واعتبروها بدلاً من ذلك تمارين استعراضية، ووفقاً لبعض التقارير، قامت المقاومة بتضليل وخداع وسائل جمع الإشارات الإسرائيلية، من خِلال التحدّث في مكالماتٍ تراقبها الوحدة "8200"، وربما الوحدة "81" و"الشاباك"، حول "تجنّب حربٍ جديدة"، وبالتالي الكشف عن مستوى أعلى بكثير من التطور مما كان متصوراً في السابق.
أسمنت لم يفِ بالغرض
أما خط الدفاع الأخير، وهو الحاجز الذي يبلغ طوله 40 ميلاً على طول السياج الفاصل بين قطاع غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد وفّر للإسرائيليين شعوراً زائفاً بالثقة، حسبما قالت المجلّة، حيث أعطى انطباعاً بأنّه غير قابل للعبور، خصوصاً عندما كشف "الجيش" الإسرائيلي عن هذا المشروع الذي تبلغ قيمته 1.1 مليار دولار، عند اكتماله في كانون الأول/ديسمبر 2021. وكان العنصر الرئيسي في هذا المشروع هو بناء حاجز ضخم مضاد للأنفاق، مع ما يكفي من الأسمنت "لبناء طريقٍ من غزّة إلى بلغاريا"، على حدّ تعبير "الجيش" الإسرائيلي، مما يوحي بمقدار الثقة بما يمكن أن يحقّقه من أمان. وبالإضافة إلى الأسمنت الموجود تحت الأرض، استثمر مخططو المشروع جهودهم في توفير حمايةٍ إلكترونية فعّالة لنظام التجميع الإلكتروني الموجود على السياج، لكنّهم لم يأخذوا في الاعتبار السيناريو الذي تستخدم فيه المقاومة المواد شديدة التفجير لتحطيمه. كما لم يحسب التقدير الإسرائيلي حساباً للطائرات بدون طيار التي أسقطت المتفجرات على نقاط المراقبة المتطورة التي تنقل المعلومات الاستخباراتية البصرية إلى شاشات الجنود المُدربين الذين يخدمون في الملاجئ تحت الأرض، حيث دمّرت الطائرات بدون طيار ما يُقدر بنحو 100 برج مراقبة وسلاح رشّاش يتم تشغيله عن بعد. ويستخدم "الجيش" الإسرائيلي ثلاثة بالونات مراقبة كبيرة، كمنصةٍ للخط الثاني لمراقبة قطاع غزّة، في مناطقه الجنوبية والوسطى والشمالية، لتكشف "فورين بوليسي" أنّه في الأسابيع التي سبقت الهجوم، "تمّ إخراج البالونات الثلاثة من الخدمة بسبب تفعيلها في ظروفٍ جويّة غير مناسبة"، لكنّ "الجيش أهمل إعادتها إلى الخدمة". واختتمت المجلّة الأميركية تقريرها بالقول إنّه "لا أحد يعرف ما إذا كان حزب الله، وربما إيران، سيبقون على الهامش أثناء هجومٍ إسرائيلي مطوّل ومدمر على قطاع غزّة"، لتشير إلى أنّه من ناحيةٍ أخرى، وبعد الصدمة الناجمة عن فشلها في كشف "طوفان الأقصى"، أصبحت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الآن شديدة الحساسية تجاه أي إشارة إلى وجود تهديدٍ مماثل، وهو "الأمر الذي أدى إلى سلسلةٍ من الإنذارات الكاذبة في الأيام الأخيرة"، في الأيام الأخيرة، خصوصاً تلك المُرتبطة "بشبهات تسلّلٍ وإطلاقات صاروخية" باتجاه شمالي فلسطين المحتلة.