تتواصل غارات الاحتلال الإسرائيلي على محافظات قطاع غزة كافة، وكذلك الإعتداءات الإسرائيلية على الكوادر الطبية وإعاقة عملها، ما أدّى إلى ارتقاء عشرات الشهداء والإصابات، في ليلة تعدّ من الأعنف منذ بدء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 48 يوماً.
ويركّز الاحتلال عدوانه على مستشفيات شمالي القطاع، إذ تعتلي قناصة الاحتلال أبراجاً قبالة المستشفى الإندونيسي، وتطلق النار على كل من يتحرك في المنطقة.
وتحدث مراسلنا في شمال غزة عن انتشار أشلاء الشهداء في الطابق الثاني من المستشفى الإندونيسي، فيما اختطف الاحتلال عدداً منها.
يأتي ذلك في وقتٍ لا يزال نحو 200 جريح برفقة الطواقم الطبية محاصرون في المستشفى الإندونيسي شمالي القطاع.
كذلك، اعتقل الاحتلال مدير عام مستشفى الشفاء، محمد أبو سلمية، وطبيب جراح آخر خلال إجلاء الأطباء والجرحى من المستشفى.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني أنّ قافلة إجلاء الجرحى والمصابين من مستشفى الشفاء لا تزال، منذ ساعات، عند الحاجز الإسرائيلي الذي يفصل شمالي غزة عن جنوبها، إذ يعيق جنود الاحتلال مرورها ويقومون بتفتيش دقيق لمركبات الإسعاف، ما يعرّض حياة الجرحى والمرضى للخطر.
وأفاد مراسلنا في الشمال أيضاً باستهداف الاحتلال مقر الدفاع المدني الأكبر في المنطقة، ما أدّى إلى استشهاد 5 من عناصره.
قصف هستيري
وتستمر الغارات الإسرائيلية في مختلف قطاع غزة، فقد نفّذت طائرات الاحتلال عدداً من الأحزمة النارية في القطاع، مستهدفةً المباني السكنية والأماكن الزراعية بغارات عنيفة. وشملت الغارات الاسرائيلية كل محافظات وأحياء قطاع غزة في الساعات الماضية بشكل هستيري، مؤكّداً استشهاد عشرات المدنيين من جراء الغارات التي استهدفت مربعات سكنية.
وأوضح مراسلنا أنّ القصف الاسرائيلي استهدف مناطق لم يسبق أن استهدفها من قبل ولا سيما في عمق الوسط، مشيراً إلى استهداف طائرات الاحتلال منزلاً في شارع السوق بمشروع بيت لاهيا شمالي القطاع.
ونقل وصول عدد من الإصابات إلى مستشفى الكويت بعد استهداف طائرات الاحتلال منزلاً في حي البراهمة غربي رفح جنوبي القطاع.
وفي آخر إحصائية أعلنها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتفع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى أكثر من 14500 شهيداً، بينهم نحو 70% من النساء والأطفال.
وأوضح المكتب الحكومي، في بيان، أنّ من بين الشهداء أكثر من 6 آلاف طفل، و4 آلاف امرأة.
المحامون الدوليون يسلَمون محكمة الجنايات الدولية دلائل على اتهام "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية
تأخذ مبادرة المحامي الفرنسي، جيل ديفير، تقديم دعوى ضد "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في غزة، أبعاداً استثنائية، مع انضمام أكثر من 600 محامٍ و150 منظمة حقوقية وعشرات الشخصيات القانونية، كأساتذة القانون الدولي والنقابات، إلى هذه المبادرة.
المحامي الفرنسي يرد، في هذه المقابلة التي أجرتها معه الميادين، على من يَعُدّ أن عناصر الإبادة الجماعية غير مكتملة في العدوان على غزة، مستنداً إلى القانون الدولي الذي اعترف به الجميع عام 1945، ويؤكد أنّ محاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم ستتمّ، وأن الهدف هو إصدار مذكرات توقيف قادة إسرائيليين مسؤولين عن هذه الإبادة ومحاكمتهم، ولا سيما كل من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت.
سؤال: هل عناصر الاتهام بارتكاب إبادة جماعية في غزة مكتملة وموجودة؟
السيد جيل ديفير: ما نسمعه عن عدم وجود عناصر الإبادة الجماعية في غزة هو أمر خاطئ، فهناك نوعان من الإبادة الجماعية.
الأول ما حدث لليهود على أيد النازيين في الحرب العاليمة الثانية، والنوع الآخر ينطبق على ما يجري في غزة، فهي إبادة قائمة على تدمير المقومات الاجتماعية لشعب معين، وهذا ليس اختراعاً من عندي، بل هو منصوص عليه في القوانين الدولية منذ عام 1945، ومعترف به تماماً كالنوع الأول، وهذا ما تم تطبيقه في حالة الروهينغا (في كانون الثاني/يناير 2020، اعتمدت محكمة الجنايات الدولية قراراً يقضي بحماية المسلمين الروهينغا، الذين بقوا في ميانمار من الإبادة الجماعية).
في حالة النوع الثاني، فإن مصطلح الإبادة ينطبق على التدابير التالية: قطع الكهرباء، قطع إمدادت الطاقة، قطع المياه، منع وصول الغذاء إلى الشعب المحاصر، منع الحصول على الرعاية الصحية، تدمير المنازل والتهجير القسري، والأهم، استهداف المدنيين بالقصف المستمر مع معرفة مسبّقة بأن لا مكان للجوء إليه، فما يجري في غزة لم نرَ مثيلاً له من قبل، بحيث يستهدف 98% من المدنيين.
إبادة جماعية وليس جريمة حرب فقط
كل هذه العناصر التي بين أيدينا يمكن التعامل معها، بصورة فردية، على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكن موضوعنا لا يتعلق بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، لأنه عند هذه الحالة سيقولون حسناً فلنفتح تحقيقاً يستمر أعواماً طويلة وسندخل في التفاصيل، كالبحث مثلاً عن هوية الجندي الذي أطلق النار على هذا الهدف أو ذاك، أو عن الطيار الذي قصف هذا المبنى أو ذاك.
يجب التحرك انطلاقاً من رؤية شاملة ، هي الإبادة الجماعية، وسنبلغ المدعي العام الذي سنلتقيه قريبا (الأربعاء 22 تشرين الثاني/نوفمبر) أن عناصر القضية واضحة وموجودة، ونحن نستند الى اعترافات المجرم ذاته.
فهم يقولون إنهم يريدون قطع الكهرباء ويقطعونها، ويقولون نريد أن تخلوا منازلكم لأننا سنقصفها، فتخلى المنازل.
ويقولون إنهم يريدون قصف المستشفيات وإقفالها فتقصف المستشفيات وتقفل.
هذه اعترافات واضحة، لذلك ما بين أيدينا اليوم هو عناصر مرتبطة بتهمة الإبادة الجماعية، مع نية ارتكاب الإبادة الجماعية.
سؤال: هل يمكن الوثوق بمحكمة الجنايات الدولية، وخصوصا عندما يهمل المدعي العام القضية الفلسطينية؟
السيد جيل ديفير: السؤال الذي يجب طرحه بداية، هو بشأن دور مجلس الأمن الدولي المتواطئ في هذه الجريمة، نظراً إلى رفضه الدائم وقف إطلاق النار، وبشأن موقف الدول الغربية التي تُمضي وقتها على إعطاء دروس للعالم عن حقوق الإنسان، ورأيناها تُمضي أياماً طويلة في الحديث عن حقوق الإنسان في أوكرانيا.
وعندما يأتي دور فلسطين، فإنهم يصمتون جميعا.
نحن لا نطلب من المدعي العام أن يحل محل كل هذه الهيئات، نقول له أنه يجب أن يكون على مستوى التحديات التي يفرضها موقع هذه المحكمة ودورها المفصلي في العالم، وهذه المحكمة لديها القدرة للقيام بما يلزم.
وجهة نظرنا تكتسب الزخم والقوة ونحن جاهزون لنقول: كفى، هناك حقوق للفلسطينيين يجب احترامها من قبل الجميع، وعلى المدعي العام أن يقيس خيبة الأمل الهائلة التي يمكن أن تنتج عن عدم اتخاذ القرار الصحيح، فالعالم لن يفهم كيف تم اتخاذ قرار خلال أيام قليلة بسجن غباغبو (رئيس ساحل العاج السابق الذي اتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وسجن في مقر المحكمة في لاهاي من العام 2011 حتى العام 2019)، كما أنه لن يفهم كيف صدرت في خلال أيام ايضا، مذكرة توقيف بحق أحد أبناء القذافي، ومذكرة أخرى بحق الرئيس بوتين بظرف اسابيع قليلة، بسبب ادعاءات بالتجارة بالأطفال، لكن عندما يتعلق الأمر بقتل نحو 5 آلاف طفل فلسطيني واصابة 1,2 مليون طفل في غزة بالصدمة النفسية مدى الحياة، لا أحد يتحرك.
5 دول ترفع دعاوى ممثالة
ما حصل الاسبوع الماضي، عندما أعلنت خمس دول هي افريقيا الجنوبة وبوليفيا وجيبوتي وبنغلادش ودولة الكومور، رفع دعوى مماثلة ضد اسرائيل هو أمر مهم جدا ويعطي دفعا هائلا لتحركنا، ودعوى هذه الدول تقول إن اسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بقصد الإبادة الجماعية، ويجب ان يجري تحقيق على كافة المستويات، وأرى بعض الجديد في موقف المدعي العام منذ يوم السبت الماضي عندما أعلن بشكل رسمي أنه بصدد فح تحقيق في حرب غزة، وهذا لم يحصل سابقا، ولكن من الواضح أن هناك ضغط كبير تمارسه الولايات المتحدة الاميركية، التي هي ليست عضوا بالمحكمة، لكنها تعد أكبر مثيري الشغب في العالم ولها الدور الاساسي في هذا العدوان وسنرى كيف سيتصرف المدعي العام مع هذه الضغوطات.
مذكرات توقيف بحق نتايتاهو وغالنت؟
اعتقد أنه مع هذا التحرك الذي بدأنا به قبل اسبوع، استطيع القول اننا حققنا أول نجاح من خلال وضع ما يجري في غزة في خانة الإبادة الجماعية، والتحقيقات المنتظرة ستجري تحت هذا العنوان، واليوم الجميع يتحدث عن هذه التوصيف.
إن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بات واقعاً وفي حال قرر المدعي العام اصدار مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالنت فهذا سيكون أمرا جيدا، علما اننا نعلم أن أمر توقيفهما لن يكون سهلا، وبكل الحالات فإن الحرب ستتوقف يوما من الايام، وسيكون هناك بالتأكيد محاكمة أمام هذه المحكمة وأمام محاكم وطنية وهيئات قضائية أخرى، ولن يفلت هؤلاء من واقع انهم ارتبكوا إبادة جماعية ولن يفلتوا من دون محاسبة، لأن ذلك سيشجع أي دولة في العالم على احتلال أرض دولة أخرى وتهجير السكان وتدمير منازلهم وبنهاية الأمر يمكن أن تفلت بلا محاسبة! نحن أمام معادلة اساسية للسلام العالمي وستكون مسؤوليتنا كمحامين أن نقوم بدورنا الكامل مهما طال الزمن.