مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتزايد أعداد القتلى المدنيين، كانت هناك ضغوط دولية متزايدة على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب، لكنه رفض تلك الدعوات وتعهد بتدمير حركة حماس. وفي الـ11 من يناير/كانون الثاني، تقدمت حكومة جنوب أفريقيا بدعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، للحكم على تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، وإصدار أمر يجبرها على سحب قواتها. وفي حكم مؤقت صدر يوم الجمعة 26 يناير/كانون الثاني 2024، طلبت محكمة العدل الدولية من إسرائيل اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، كما ردت الطلب الإسرائيلي برفض الدعوى. لكنها في المقابل رفضت طلب جنوب أفريقيا بوقف إطلاق النار. وقالت المحكمة في النص الذي تلاه القضاة إن على إسرائيل أن تتخذ "كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية". فما هي الاتهامات الموجهة لإسرائيل؟ وكيف يرد عليها فريق الدفاع الإسرائيلي؟ وما هي صلاحيات المحكمة؟ وإمكانية إصدار حكم بإدانة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟
ماذا قالت جنوب أفريقيا عن تصرفات إسرائيل في غزة؟
قالت جنوب أفريقيا إن إسرائيل انتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، وإن تصرفات جيش الاحتلال الإسرائيلي "ذات طابع إبادة جماعية" لأنها تهدف إلى تدمير الفلسطينيين في غزة. ودعت إلى وقف القتال وقالت إنه ينبغي محاكمة المسؤولين عن الحرب الإسرائيلية. ويرتبط حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا بعلاقات تاريخية وتعاطف مع القضية الفلسطينية، قائلا إن القضية تعكس كفاحه ضد حكم الفصل العنصري.
كيف ردت إسرائيل على ذلك؟
نفت الحكومة الإسرائيلية هذه المزاعم، قائلة إن الحرب هي دفاع عن أراضيها، وإنها عملت على منع سقوط ضحايا من المدنيين في حربها ضد حماس. وبعد الحكم المؤقت لمحكمة العدل الدولية، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفض المحكمة لقرار جنوب أفريقيا طلب وقف إطلاق النار. وقال نتنياهو إن الادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين كاذب وبغيض، وإن استعداد المحكمة حتى لمناقشة هذا الأمر هو وصمة عار لن تمحى لأجيال".
ما هو التعريف الرسمي للإبادة الجماعية؟
في اتفاقية الإبادة الجماعية الصادرة عام 1948، تم تعريفها أنها الأفعال المحددة التي تهدف إلى تدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًا أو جزئيًا. والأفعال المذكورة في الاتفاقية هي القتل أو إلحاق أذى عقلي أو جسدي خطير بأفراد المجموعة، وإخضاعهم لظروف تهدف إلى إحداث التدمير الجسدي للجماعة كليًا أو جزئيًا، وفرض تدابير لمنع الولادات أو إبعاد الأطفال قسرا. ولا يتم استهداف ضحايا الإبادة الجماعية لأسباب فردية، بل بسبب عضويتهم في إحدى المجموعات الـ4 المحددة. ويمكن احتساب الأفعال المرتكبة ضد جزء من المجموعة إذا كان يمثل حصة "كبيرة".
من أين أتت فكرة الإبادة الجماعية؟
صاغ هذا المصطلح رافائيل ليمكين، وهو يهودي بولندي فر من بلاده بعد الغزو الألماني عام 1939. وهي كلمة مركبة من الكلمة اليونانية "genos" أو العرق، وكلمة "-cide" التي تعني القتل. ووفقًا لموسوعة الهولوكوست، فقد قدم ليمكين الكلمة أثناء عمله في وزارة الحرب الأميركية خلال مشاركته في الاستعدادات الأميركية لمحاكمات جرائم الحرب في نورمبيرغ، وتمكن من إدراج كلمة الإبادة الجماعية في لائحة الاتهام ضد القيادة النازية.
ما هو أصل اتفاقية الإبادة الجماعية؟
تم إقرار اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في عام 1948 كرد فعل على محاولة ألمانيا قتل جميع اليهود في المحرقة، وإسرائيل وجنوب أفريقيا من بين 153 دولة صدقت على المعاهدة. وتجعل المعاهدة الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الدولي، ويجب على الدول الموقعة العمل على منع الإبادة الجماعية وإدراجها كجريمة في قوانينها الوطنية. وتعتبر محكمة العدل الدولية أن الإبادة الجماعية محظورة في أي مكان، بما في ذلك الدول التي لم توقع على الاتفاقية.
ما هي محكمة العدل الدولية وما هي صلاحياتها؟
تنظر محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي، والتي يطلق عليها أحيانًا اسم "المحكمة العالمية"، فقط في القضايا بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشأن تعارض القانون الدولي العام، ويمكن لأجهزة الأمم المتحدة أيضًا أن تطلب من قضاتها إصدار آراء استشارية، ولا يمكن للأفراد رفع قضايا أمامها. وتصدر محكمة العدل الدولية أحكامها ولكنها لا تستطيع تنفيذها بنفسها، وهي تعتمد عادة على امتثال الأطراف المعنية وعلى الجهات الفاعلة الدولية الأخرى للضغط عليها للقيام بذلك.
ما الفرق بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية؟
يحق لمحكمة العدل الدولية أن تعلن أن دولة ما تنتهك قواعد الحرب أو اتفاقية الإبادة الجماعية، ولكن لا يمكنها محاكمة أو معاقبة أي شخص، فقد أسند القانون الدولي هذه المهمة إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي لديها مدع عام يمكنه التحقيق وتوجيه الاتهامات للأفراد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. ولم تصدق إسرائيل على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف باختصاصها. ومع ذلك، فإن "دولة فلسطين" أصبحت عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015. وفي عام 2021، بدأت المحكمة التحقيق في جرائم الاحتلال بقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. وقال مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في نوفمبر/تشرين الثاني، إن التحقيق "يمتد إلى تصعيد الأعمال العدائية والعنف منذ الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
ماذا سيحدث لإسرائيل بعد أن فازت جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية؟
أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة، وغير قابلة للاستئناف، وينص ميثاق الأمم المتحدة على كل طرف "تعهده بالامتثال للقرار"، وهذا يعني أن إسرائيل ستكون ملزمة قانونًا بالامتثال. ومع ذلك، ليس لدى محكمة العدل الدولية آلية خاصة بها لتنفيذ مثل هذا الأمر، وهذا يعود إلى الحكومات الوطنية، ومن المرجح أن يتطلب الأمر قرارا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة.
وسيتطلب الحكم في تهمة الإبادة الجماعية مداولات مطولة من قبل المحكمة، وقد يستغرق الأمر سنوات قبل صدور حكم نهائي.
سورية ترحب بقرار محكمة العدل الدولية بشأن دعوى جنوب أفريقيا ضد الكيان الإسرائيلي
أعربت سورية عن ترحيبها بقرار محكمة العدل الدولية بفرض تدابير مؤقتة فورية لحماية الفلسطينيين مشيرة إلى أن هذا القرار بداية مسار لإنفاذ قواعد القانون الدولي ولإنهاء إفلات /إسرائيل/ من العقاب الذي استغلته على مدى عقود لارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين. وقالت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان تلقت سيريا ستار تايمز نسخة منه.. “ترحب الجمهورية العربية السورية بقرار محكمة العدل الدولية الصادر في ٢٦ كانون الثاني الجاري، بالاختصاص المبدئي للنظر في دعوى ارتكاب الكيان الإسرائيلي جريمة إبادة جماعية في قطاع غزة التي تقدمت بها جمهورية جنوب أفريقيا”. وأضافت الخارجية.. “كما تقدر سورية مطالبة القرار بتطبيق عدد من التدابير المؤقتة الفورية لحماية الفلسطينيين والتي أهمها توقف إسرائيل عن ارتكاب جرائم قتل بحق الفلسطينيين وإلحاق الأذى بهم أو إخضاعهم لظروف معيشية تستهدف التدمير المادي لهم، بالإضافة إلى توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري”. وتابعت الخارجية.. “تعتبر الجمهورية العربية السورية هذا القرار بداية مسار لإنفاذ قواعد القانون الدولي ولإنهاء إفلات /إسرائيل/ من العقاب الذي استغلته على مدى عقود لارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، ووضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تمارسها ضدهم”. وختمت الخارجية بيانها بالقول.. “تشدد الجمهورية العربية السورية على ضرورة مواصلة الجهود العربية والدولية داخل الأمم المتحدة وخاصة في مجلس الأمن لإعطاء قوة إلزامية لقرار المحكمة فيما يخص الإجراءات المؤقتة التي طلبتها”.
بعدما رفضت كل تدابير محكمة العدل الدولية.. أوغندا تتبرأ من القاضية سيبوتيندي
قالت الحكومة الأوغندية، إن القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي التي اعترضت على كل الإجراءات المؤقتة التي طلبتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل "لا تمثل البلاد".
وبعدما تزايد الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، تجاه موقف القاضية، قال مندوب أوغندا الدائم لدى الأمم المتحدة أدونيا أيباري، عبر منصة "إكس"، إن "حكم القاضية سيبوتيندي في محكمة العدل الدولية لا يمثل موقف حكومة أوغندا بشأن الوضع في فلسطين، لقد تم التعبير عن دعم أوغندا لمحنة الشعب الفلسطيني من خلال التصويت في الأمم المتحدة". وكانت جوليا سيبوتيندي هي الوحيدة من بين قضاة المحكمة الـ17 التي صوتت ضد جميع الإجراءات المؤقتة ضد إسرائيل التي أعلنتها المحكمة، وحتى القاضي الإسرائيلي أهارون باراك صوت لصالح إجراءين: توصيل المساعدات إلى غزة، ووقف التحريض العلني على العنف. لكن القاضية سيبوتيندي كتبت في رأيها المخالف أن الأوامر ليس لها ما يبررها لأن اختصاص محكمة العدل الدولية "يقتصر على اتفاقية الإبادة الجماعية ولا يمتد إلى الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي". وقالت القاضية سيبوتيندي في معارضتها إن "النزاع بين دولة إسرائيل وشعب فلسطين هو في الأساس تاريخي ونزاع سياسي يتطلب تسوية دبلوماسية أو تفاوضية حتى يتمكن الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني من التعايش بسلام". يذكر أن سيبوتيندي انتخبت لعضوية محكمة العدل الدولية في عام 2012 وهي أول امرأة إفريقية تنضم إلى المحكمة الدولية.
وكانت محكمة العدل الدولية أصدرت قرارها في الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا، والذي فرض على إسرائيل تدابير مؤقتة "لمنع الإبادة الجماعية" في غزة، حيث تم اعتماد غالبية البنود بموافقة 15 قاضيا في لجنة القضاة المؤلفة من 17 قاضيا.
قبل ساعات من قرار لاهاي.. اتصال أمريكي بأحد أقطاب دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل
استبق وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن قرار لاهاي اليوم بشأن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل "لارتكابها إبادة جماعية في غزة" بمحادثة نظيرته الجنوب إفريقية ناليدي باندور. وشدد بلينكن لباندور على دعم الولايات المتحدة لحق إسرائيل في "ضمان عدم تكرار هجمات 7 أكتوبر الإرهابية أبدا"، بحسب بيان للبيت الأبيض.
وأشار في البيان إلى أن بلينكن ونظيرته الجنوب إفريقية ناقشا "الحاجة إلى حماية أرواح المدنيين، وضمان استمرار المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والعمل من أجل سلام إقليمي دائم يضمن أمن إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة". هذا وتترقب حكومة جنوب إفريقيا صدور حكم محكمة العدل الدولية في الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل. وأجرت محكمة العدل الدولية في لاهاي في 11-12 يناير الجاري محاكمة في دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة انتهاكها للاتفاقية حول الإبادة الشاملة في قطاع غزة. ومن شأن صدور قرار عن محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل أن يزيد الضغط السياسي عليها، ويتوقع مراقبون أنه يمكن أن يكون بمثابة حجة لفرض عقوبات عليها. بحسب ما ذكرته وسائل إعلام أمريكية يوم أمس.