بصراحة استثنائية، أعاد الصحفي الإسرائيلي آري شافيت رسم أهم الأحداث حول المذبحة التي ارتكبت في مدينة اللد يوم 11 يوليو 1948 وأودت بحياة أكثر من 400 فلسطيني.
وصف شافيت وهو من مواليد عام 1957، مدينة اللد قائلا إنها "الصندوق الأسود للصهيونية.
والحقيقة أن الصهيونية لم تحتمل مدينة اللد العربية.
منذ البداية، كان هناك تناقض كبير بين الصهيونية واللد.
لو كان على الصهيونية أن توجد، لما كان في استطاعة اللد أن تبقى موجودة.
لو كان على اللد أن توجد، لما استطاعت الصهيونية البقاء.
إذا نظرنا إلى الماضي، فالأمر واضح للغاية.
حين وصل زيغفريد ليمان (طبيب ومعلم ومؤسس قرية بن شيمن الشبابية) إلى وادي اللد عام 1927، كان عليه أن يرى أنه إذا قامت دولة يهودية في فلسطين، فلا يمكن أن توجد اللد العربية في وسطها.
وكان عليه أن يعلم أن اللد كانت عقبة تسد الطريق إلى الدولة اليهودية، وأنه في يوم من الأيام سيتعين على الصهيونية إزالتها.
لكن ليمان لم ير، والصهيونية اختارت ألا تعرف.
وعلى مدى عقود، نجح اليهود في إخفاء التناقض عن أنفسهم بين حركتهم الوطنية وحركة اللد.
لمدة خمسة وأربعين عامًا، تظاهرت الصهيونية بأنها مصنع عتيد وبساتين الزيتون وقرية بن شيمن الشبابية التي تعيش بسلام مع اللد.
وبعد ذلك، وفي غضون ثلاثة أيام من صيف عام 1948 الكارثي، لم تعد اللد موجودة".
الصحفي يبرز أهمية ما جرى في مدينة اللد عام 1948 في سياق حديثه عام 2013 عن التوقعات حيال جهود السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
آري شافيت "إن الإجابة يمكن أن تكون موجودة في تاريخ اللد، وهي مدينة فلسطينية صغيرة، تعرف الآن باسم اللد، وتقع شرق تل أبيب وغرب رام الله والقدس، بؤرة الصراع العربي الإسرائيلي.
ويجب على أي شخص يسعى إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط أن يعترف بمأساة اللد وأن يفهم آثارها".
الطريق إلى المجزرة:
يروي شافيت المقدمات التي أفضت إلى مذبحة اللد، مشيرا إلى أن "توترا داخليا بين مشروع وادي اللد الصهيوني ومدينة اللد الفلسطينية كان ظهر منذ فبراير 1947، بقرار البريطانيين مغادرة الأرض المقدسة والسماح للأمم المتحدة بتحديد مصيرها".
الصحفي الإسرائيلي يصل بنهاية المطاف إلى يوم الكارثة في 11 يوليو عام 1948 ، ساردا أن "فصيلين من الكتيبة الثالثة تقدما من قرية دانيال المحتلة باتجاه بساتين الزيتون التي تفصل بن شيمن عن اللد.
وقامت الميليشيا العربية التي تدافع عن المدينة بصدهم بنيران الرشاشات.
في هذه الأثناء وصلت الكتيبة 89 بقيادة موشيه ديان إلى بن شيمن.
وفي وقت متأخر من بعد الظهر، غادرت الكتيبة المكونة من مركبة مدرعة عملاقة مزودة بمدفع، وعربات جيب مجهزة بمدافع رشاشة، بن شيمن واقتحمت اللد.
وفي الهجوم الخاطف الذي استمر سبعا وأربعين دقيقة، قتل العشرات من العرب بالرصاص، بمن فيهم النساء والأطفال والمسنون.
فقدت الكتيبة 89 تسعة رجال.
وفي وقت مبكر من المساء تمكن فصيلان من الكتيبة الثالثة من دخول المدينة.
وفي غضون ساعات، سيطر الجنود على مواقع رئيسة في وسط المدينة وحاصروا آلاف المدنيين الفلسطينيين في المسجد الكبير".
مذبحة اللد استمرت يومين.
في اليوم التالي 12 يوليو 1948، بحسب ما ورد في كتاب بعنوان "1948" للمؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "دخلت عربتان مدرعتان أردنيتان إلى المدينة المحتلة، مما أدى إلى اندلاع موجة جديدة من العنف.
كان الجيش الأردني على بعد أميال إلى الشرق، ولم تكن للمركبتين أي أهمية عسكرية، لكن بعض المواطنين العرب في اللد اعتقدوا أنهما نذر تحرير.
خشي جنود الكتيبة الثالثة من تعرضهم لخطر وشيك من هجوم أردني.
وأطلق بعض الفلسطينيين النار على جنود إسرائيليين بالقرب من مسجد صغير.
ومن بين المقاتلين الشباب الذين احتموا في خندق قريب كان خريجو بن شيمن، الذين يرتدون الزي العسكري في ذلك الوقت.
وكان قائد اللواء من خريجي بن شيمن أيضا.
أعطى الأمر بفتح النار.
وقام بعض الجنود بإلقاء قنابل يدوية على المنازل العربية.
وأطلق أحدهم قذيفة مضادة للدبابات على المسجد الصغير.
وفي ثلاثين دقيقة قُتل مئتان وخمسون فلسطينيا.
وكانت الصهيونية قد نفذت مجزرة في مدينة اللد".
بن غوريون ملوحا بيده:
اطردوهم! عقب ذلك يروي ذات الصحفي أن أخبار ما جرى في مدنية اللد حين وصلت "إلى مقر عملية لارلار (العملية التي تم بموجبها احتلال اللد والرملة واللطرون ورام الله) في قرية يازور الفلسطينية، سأل القائد العسكري الجنرال يغال ألون بن غوريون عما يجب فعله مع العرب.
ولوح بن غوريون بيده: اطردوهم.
وبعد ساعات، أصدر إسحق رابين، ضابط العمليات، أمراً مكتوباً إلى لواء يفتاح: "يجب طرد سكان اللد بسرعة، بغض النظر عن أعمارهم".
يصل الصحفي شافيت إلى نقطة هامة ويطرح على نفسه تساؤلات تقول: "هل أغسل يدي من الصهيونية؟ هل أدير ظهري للحركة القومية اليهودية التي قامت بتدمير مدينة اللد؟".
يجيب بصراحة لا لبس فيها ولا تورية بقوله: "لا، مثل قائد اللواء، أواجه شيئا هائلا للغاية بحيث لا يمكنني التعامل معه.
مثل الحاكم العسكري، أرى واقعا لا أستطيع احتواءه.
عندما يفتح المرء الصندوق الأسود، يدرك أنه في حين أن المذبحة التي وقعت في المسجد كان من الممكن أن تكون ناجمة عن سوء فهم نتج عن سلسلة مأساوية من الأحداث العرضية، فإن احتلال اللد وطرد سكان اللد لم يكن من قبيل الصدفة. كانت تلك الأحداث مرحلة حاسمة في الثورة الصهيونية، وقد أرست الأساس للدولة اليهودية.
اللد جزء لا يتجزأ وأساسي من القصة.
وعندما أحاول أن أكون صادقا في هذا الأمر، أرى أن الاختيار صارخ: إما رفض الصهيونية بسبب اللد أو قبول الصهيونية مع اللد.
على العكس.
إذا لزم الأمر، سأقف إلى جانب الملعونين، لأنني أعرف أنه لولاهم ما ولدت دولة إسرائيل.
لولا ذلك، لما ولدتُ.
لقد قاموا بالعمل القذر الذي مكن شعبي وأمتي وابنتي وأبنائي وأنا من العيش".