اهتمت عدة دول كبيرة مطلع القرن العشرين بإقامة دولة خاصة باليهود لعدة أسباب منها رغبة دول أوروبية في أن يغادر هؤلاء أوروبا في أسرع وقت لحل هذه "المشكلة".
المثير للذهول أن اليابان سعت هي الأخرى في هذا الاتجاه، بدافع الرغبة في جنى فوائد وأرباح اقتصادية واستمالة خصوم ولذر الرماد في العيون وتأمين توسعها في جنوب شرق آسيا.
مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، أعدت مجموعة من اليابانيين بينهم شخصيات من الجيش الإمبراطوري وسلاح البحرية واقتصاديون مشروعا لإقامة "وطن لليهود" في منشوريا بشمال شرق الصين.
كانت هجمات التوسع الياباني قد امتدت إلى منشوريا في عام 1931، حيث اقامت السلطات الإمبراطورية اليابانية دولة دمية هناك سميت "مانشوكو".
اليابانيون اجتذبتهم منشوريا بأهميتها الاستراتيجية نتيجة لموقعا بالقرب من الاتحاد السوفيتي واحتياطياتها الهامة من المواد الخام ولاسيما الفحم والحديد.
العسكريون اليابانيون أدركوا بعد احتلال المنطقة صعوبة زيادة الاستثمارات والاستغلال الاقتصادي من دون شركاء خارجيين، ولذلك فكروا في جعلها وطنا لليهود الفارين من الاضطهاد في أوروبا.
المشروع الياباني أصبح يعرف بشكل غير رسمي باسم "خطة فوغو"، وهي سمكة منتفخة سامة يمكن أن تقتل إذا لم يتم تحضيرها بطريقة صحيحة.
الإمبراطورية اليابانية ضمنيا كانت تسعى من وراء هذا المشروع للحصول على "طبق شهي ومغذ" لمصالحها.
الخطة اليابانية "السمكة السامة" لإقامة وطن لليهود في منشوريا فُصلت في كتاب بعنوان "خطة فوغو" كان صدر في عام 1979، وهو من تأليف الأمريكيان، مارفن توكاير وماري شوارتز.
بموجب "خطة فوغو" التي أعدت في عام 1934، أراد اليابانيون دعوة 50000 يهودي ألماني للاستقرار في دولتهم المصطنعة "مانشوكو" في منشوريا الصينية، على أمل أن يقوموا ببناء دولة لهم في هذا المنطقة الصحراوية، تكون عازلة بين بلادهم والاتحاد السوفيتي، علاوة على طمعهم في أن تجتذب استثمارات اليهود الأمريكيين.
القائمون على خطة "السمكة السامة" سعوا من خلال هذا المشروع إلى تحقيق تقارب مع الجالية اليهودية في أمريكا الشمالية وتبعا لذلك تحسين صورة اليابان في الغرب، علاوة على تحقيق نهضة اقتصادية في تلك المنطقة الصينية المحتلة.
لم تكن القيادة اليابانية على معرفة كبيرة باليهود، إلا إنها كانت تعتقد بأنهم مؤثرون في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وقد سعى أنصار خطة إقامة وطن لليهود في منشوريا من بين الدبلوماسيين والعسكريين اليابانيين صيف عام 1939 إلى بث تقارير سرية بغرض حشد دعم رجال الأعمال اليهود الكبار في الصين للتأثير على الرأي العام الأمريكي لصالح التوسع الياباني.
المؤلف المشارك لهذا الكتاب، الحاخام توكاير، ذكر أن رعاة "خطة فوغو"، كانوا ينتظرون إشارة موافقة من شخصيات يهودية بارزة، وخاصة الحاخام ستيفن وايز، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في ذلك الوقت والذي كان يعرف بصداقته للرئيس فرانكلين روزفلت.
الحاخام روى أن ميتسوزو تامورا، وهو رجل صناعة ياباني ومؤيد متحمس للخطة، زار أوائل عام 1940 الحاخام وايز في نيويورك بناء على طلب من قبل ليو زيكمان، وهو صناعي يهودي من منشوريا، إلا أن الحاخام وايز، بحسب توكاير، لم يتجاوب معه.
أصحاب خطة إقامة وطن لليهود في منشوريا تلقوا دعما من رجال الاعمال اليابانيين الذين كانوا واثقين من إمكانية اجتذاب الاستثمارات من اليهود وخاصة في الولايات المتحدة، وبدأت عملية تحديد خطط لهذه المستعمرات واختيار موقعها في منشوريا وحتى في مناطق قريبة من شنغهاي، حيث كانت توجد جالية يهودية.
أصحاب "خطة فوغو" أكدوا أن التجمعات اليهودية التي ستقام في منشوريا ستتمتع "بحرية الدين والاستقلال الثقافي والتعليمي"، ولكن يجب السيطرة عليها وذلك "لمنعها من أن تصبح تهديدا "للحكومة اليابانية".
غيرت الظروف مع اندلاع الحرب العالمية الثانية بغزو حليفة اليابان المانيا النازية لبولندا في عام 1939. المشروع طوي مع توقيع المعاهدة الثلاثية التي جمعت ألمانيا واليابان وإيطاليا، وبحلول عام 1940 تم إلغاء "خطة فوغو" بشكل نهائي.