يتميز التوحد المكتسب بفقدان مفاجئ أو تدريجي للمهارات بعد فترة من التطور الطبيعي، فهو اضطراب تطوري يبدأ في الطفولة المبكرة.
فما هي أهم أسبابه وطرق علاجه؟ التوحد المكتسب هو حالة معقدة، ينتج من تفاعل بين العوامل الوراثية والبيئية، إلى جانب التغيرات العصبية، قد يكون له دور في تطوير هذه الحالة.
وتتطلب الحالة المزيد من الأبحاث لفهم الآليات الدقيقة والتوصل إلى طرق فعالة للتشخيص والعلاج.
فما هي العوامل التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابه به، وكيفية علاجه؟
ما هو التوحد المكتسب وكيف يختلف عن التوحد النمائي؟
وفقًا لموقع SpringerLink التوحد المكتسب (Regressive Autism) هو نوع من اضطراب طيف التوحد، حيث يتطور الطفل بشكل طبيعي في البداية، ثم يفقد بعض المهارات المكتسبة مثل اللغة والتفاعل الاجتماعي بين سنة ونصف إلى 3 سنوات.
يبدأ الطفل في استخدام اللغة والتفاعل الاجتماعي بشكل طبيعي، ثم يحدث تراجع مفاجئ أو تدريجي في هذه القدرات.
وقد يبدأ الطفل في فقدان الكلمات التي تعلمها، ويصبح أكثر انعزالًا، أو يظهر سلوكيات متكررة غير نمطية.
يعتبر التوحد المكتسب أقل شيوعًا من التوحد النمائي، ويُعتقد أن حوالي 20-30% من الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من هذا النوع.
ويكون التوحد النمائي هو الشكل الأكثر شيوعًا لاضطراب طيف التوحد، حيث تظهر الأعراض مبكرًا وتستمر في التأثير على تطور الطفل.
تظهر الأعراض منذ الطفولة المبكرة، وغالبًا ما يُلاحظ تأخر في المهارات النمائية من البداية.
بينما التوحد المكتسب هو نوع فرعي من التوحد يتميز بفقدان مفاجئ أو تدريجي للمهارات بعد فترة من التطور الطبيعي، يحدث فقدان واضح للمهارات بعد فترة من التطور الطبيعي، مما يثير القلق لدى الأهل عندما يلاحظون هذا التراجع.
أسباب التوحد المكتسب
- هناك عدة عوامل محتملة تم اقتراحها كأسباب أو محفزات للإصابة بالتوحد المكتسب، منها:
- تلعب العوامل الوراثية دورًا رئيسيًا في تطور اضطراب طيف التوحد بشكل عام.
- بعض التغيرات في تطور الدماغ قد تؤدي إلى التوحد المكتسب.
- الإصابة بالتهابات معينة في الدماغ أو الجهاز العصبي المركزي قد تؤدي إلى تراجع في المهارات المكتسبة.
- يمكن أن تكون بعض العوامل البيئية مثل التعرض للمواد السامة أو العدوى أثناء الحمل أو في مرحلة الطفولة المبكرة مرتبطة بتطور التوحد المكتسب.
- بعض أنواع العدوى الفيروسية قد تكون مرتبطة بفقدان المهارات عند بعض الأطفال، ولكن هذا الموضوع لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث.
- بعض الباحثين يعتقدون أن الضغوط النفسية أو البيئية الشديدة قد تؤدي إلى تراجع مفاجئ في المهارات لدى الأطفال المعرضين وراثيًا.
- بعض اضطرابات التمثيل الغذائي أو اضطرابات المناعة الذاتية قد تؤدي إلى فقدان المهارات.
- تفاعل معقد بين الاستعداد الوراثي والتعرض لعوامل بيئية معينة.
العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالتوحد المكتسب
- هناك بعض العوامل التي يُعتقد أنها قد تزيد من خطر الإصابة بالتوحد المكتسب، منها:
- إذا كان هناك أفراد آخرون في العائلة يعانون من اضطراب طيف التوحد، فقد يزيد ذلك من خطر إصابة الطفل بالتوحد المكتسب.
- بعض الطفرات الجينية أو الاختلافات في التركيب الجيني قد تزيد من احتمالية الإصابة بالتوحد، بما في ذلك التوحد المكتسب.
- التعرض لمواد كيميائية سامة أو ملوثات بيئية معينة أثناء الحمل أو في مرحلة الطفولة المبكرة قد يزيد من خطر الإصابة.
- نقص بعض العناصر الغذائية الأساسية أثناء الحمل قد يكون له تأثير على تطور الجهاز العصبي للجنين.
- بعض أنواع العدوى الفيروسية أو البكتيرية التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي في مراحل مبكرة من الحياة.
- العدوى أو الالتهابات أثناء الحمل، مثل الحصبة الألمانية أو الزهري، قد تزيد من خطر إصابة الطفل بالتوحد.
- وجود اضطرابات في الجهاز المناعي أو تاريخ عائلي لاضطرابات المناعة الذاتية قد يزيد من خطر التوحد المكتسب.
- الأطفال الذين يولدون لآباء أو أمهات أكبر سنًا قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالتوحد.
- الأطفال الذين يولدون قبل الأوان أو الذين يعانون من مضاعفات أثناء الولادة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالتوحد المكتسب بسبب نقص الأكسجين أو إصابات أخرى في الدماغ.
- التوتر الشديد أو الصدمات النفسية في الطفولة المبكرة قد يكون له تأثير على تطور الدماغ وزيادة خطر التوحد المكتسب.
هل يمكن أن يصاب الشخص بالتوحد في مرحلة متقدمة من العمر؟
نعم، من الممكن أن يكون شخص بالغ مصابًا بالتوحد لكنه لم يتم تشخيصه في مرحلة الطفولة. في بعض الحالات، قد يتمكن الفرد من التكيف مع أعراض التوحد حتى مرحلة متأخرة من الحياة، وعندها يمكن تشخيصه بعد أن تتداخل الأعراض مع حياته اليومية أو المهنية بشكل واضح.
وقد يواجه بعض الأشخاص البالغين سمات شبيهة بالتوحد بسبب حالات طبية أو نفسية أخرى مثل القلق الاجتماعي، الاكتئاب، أو اضطرابات أخرى.
وفي بعض الحالات النادرة، قد يؤدي تلف الدماغ أو الأمراض العصبية إلى ظهور أعراض تشبه التوحد في مرحلة متقدمة من الحياة، مثل التغيرات في السلوك الاجتماعي أو القدرة على التواصل.
لكن هذه الأعراض تختلف عن التوحد لأنها ناتجة عن مرض أو إصابة بدلاً من أن تكون جزءًا من اضطراب تطوري.
كيف يتم تشخيص التوحد المكتسب بشكل دقيق؟
يتطلب تشخيص التوحد المكتسب (Regressive Autism) تقييمًا شاملًا من قبل متخصصين في اضطرابات طيف التوحد.
ويتميز التوحد المكتسب بفقدان الطفل للمهارات اللغوية والاجتماعية بعد فترة من التطور الطبيعي.
ولتشخيص هذا النوع من التوحد بشكل دقيق، يتم اتباع مجموعة من الخطوات والإجراءات، منها:
- جمع معلومات شاملة عن صحة الطفل، بما في ذلك وجود أي أمراض أو حالات طبية قد تؤثر على تطوره.
- تقييم تطور الطفل منذ الولادة، بما في ذلك المعالم النمائية مثل الكلام، التفاعل الاجتماعي، والمهارات الحركية.
- إجراء فحص طبي شامل للتأكد من عدم وجود حالات طبية أو عصبية قد تفسر فقدان المهارات.
- التقييم النفسي والعصبي للمهارات اللغوية والاجتماعية والإدراكية للطفل باستخدام مقاييس معيارية.
- ملاحظة الطفل مباشرة في جلسات تفاعلية لتقييم كيفية تفاعله مع الآخرين، وقدرته على التواصل، وأنماط سلوكه.
- استخدام أنشطة أو ألعاب معينة لتقييم استجابة الطفل وكيفية تعامله مع التحديات الاجتماعية.
هل هناك علاج نهائي للتوحد المكتسب؟
لا يوجد علاج نهائي للتوحد المكتسب، ولكن هناك العديد من العلاجات الفعالة التي يمكن أن تساعد في تحسين نوعية حياة الأطفال المصابين وزيادة قدرتهم على التكيف. ويكون المفتاح هو التدخل المبكر والتقييم المستمر لتحديد الاستراتيجيات التي تناسب احتياجات الطفل بشكل أفضل.
طرق علاج التوحد المكتسب
يعتمد علاج التوحد المكتسب على مجموعة من التدخلات التي تهدف إلى تحسين مهارات الطفل الاجتماعية، واللغوية، والسلوكية. ولا يوجد علاج واحد يناسب جميع الأطفال، لذا يتم تصميم البرامج العلاجية لتلبية احتياجات كل طفل بشكل فردي، كما يلي:
1. تحليل السلوك التطبيقي (ABA)
التحليل السلوكي التطبيقي (ABA): هو أحد أكثر العلاجات فعالية للتوحد المكتسب. يركز على تعليم الطفل مهارات جديدة من خلال تعزيز السلوكيات الإيجابية وتقليل السلوكيات السلبية. يتم تصميم برامج ABA بشكل فردي بناءً على احتياجات الطفل ويُنفذ بواسطة معالجين مدربين. وكذلك برامج التدخل المكثف المبكر (EIBI)، التي تستند إلى ABA وتستهدف الأطفال الصغار، غالبًا دون سن الخامسة، لتعزيز التطور في مهارات التواصل والسلوك.
2. العلاج اللغوي والتخاطب
يساعد الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التواصل، سواء كان ذلك عن طريق الكلام أو التواصل غير اللفظي. يعمل أخصائيو التخاطب مع الأطفال لتحسين مهاراتهم في الفهم والتعبير. بالإضافة إلى تدريبات التواصل البديل والمنتظم (AAC)، ويمكن أن تشمل استخدام الصور، أو الأجهزة اللوحية، أو لغة الإشارة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من صعوبة في الكلام.
3. العلاج الوظيفي
يركز على تحسين المهارات الحركية الدقيقة والقدرة على أداء الأنشطة اليومية مثل اللبس، وتناول الطعام، والعناية بالنفس. يمكن أن يساعد العلاج الوظيفي أيضًا في تنظيم التحفيز الحسي للأطفال الذين يعانون من حساسية حسية مفرطة أو نقص الحس.
4. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يستخدم لعلاج الأطفال الأكبر سنًا الذين يعانون من مشاكل سلوكية أو عاطفية مرتبطة بالتوحد، مثل القلق أو الاكتئاب. يركز CBT على تغيير أنماط التفكير السلبي وتعليم مهارات التعامل مع المشكلات.
5. العلاج التكاملي الحسي
مخصص للأطفال الذين يعانون من اضطرابات حسية. ويهدف هذا العلاج إلى تحسين قدرة الطفل على تنظيم المعلومات الحسية من البيئة، مما يساعد على تقليل الانزعاج أو السلوكيات المرتبطة بالتفاعلات الحسية.
6. التدريب على المهارات الاجتماعية
يتضمن تعليم الأطفال كيفية التفاعل مع الآخرين بطريقة صحية وفعالة. يمكن أن يتم ذلك من خلال جلسات فردية أو جماعية تساعد الأطفال على تعلم كيفية تكوين الصداقات، وحل النزاعات، والتواصل مع الآخرين.
7. الدعم التعليمي
يمكن أن تستفيد الأطفال المصابين بالتوحد المكتسب من برامج تعليمية متخصصة تُقدم في بيئة مدرسية داعمة. يشمل ذلك خطط التعليم الفردية (IEP) التي تُصمم لتلبية احتياجات الطفل الأكاديمية والاجتماعية. وفي بعض الحالات، قد يكون التعليم المنزلي أو البرامج التعليمية الفردية مناسبة أكثر لتحسين تعلم الطفل.
8. العلاج الدوائي
لا يوجد دواء يعالج التوحد بشكل مباشر، ولكن يمكن استخدام أدوية معينة لعلاج الأعراض المرتبطة مثل القلق، الاكتئاب، اضطرابات النوم، أو السلوكيات العدوانية. يجب استخدام الأدوية تحت إشراف طبيب مختص.
9. الدعم الأسري والمجتمعي
يساعد في تعليم الوالدين كيفية دعم أطفالهم في المنزل، بما في ذلك كيفية التعامل مع السلوكيات الصعبة وتعزيز المهارات المكتسبة. كما يمكن أن توفر المجموعات الداعمة للوالدين والأطفال بيئة لتبادل التجارب والحصول على الدعم من أسر أخرى تواجه تحديات مماثلة.
وأخيرًا، يمكننا القول أن علاج التوحد المكتسب يتطلب نهجًا شاملًا يشمل مجموعة متنوعة من التدخلات، يعتمد اختيارها على احتياجات الطفل الفردية.
الهدف هو تحسين جودة حياة الطفل وتعزيز مهاراته في التفاعل الاجتماعي، التواصل، والتكيف مع البيئة المحيطة. التدخل المبكر والدعم المستمر من الأسرة والمتخصصين هما المفتاح لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.