سيريا ستار تايمز - وكالة إخبارية عالمية


الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب: تغيير الأوضاع ليس مستحيلاً شرط تغيير مقارباتنا وتفعيل عمل مؤسساتنا.. الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل


أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن مجلس الشعب هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، مشدداً على أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل الدؤوب والإنجاز والإثمار. وأوضح الرئيس الأسد في خطاب أمام مجلس الشعب بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس أن الأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان، وتأتي الحروب لتظهر هذه الحالة من الضعف وحدتها، وعلينا أن نبحث في عمق توجهاتنا الاقتصادية التي اتبعناها على مدى عقود وتحديد الحلول الأكثر مناسبة والأقل ضرراً لنا في سورية. وأشار الرئيس الأسد إلى أن الوضع الراهن متأزم عالمياً، وانعكاساته علينا تدفعنا للعمل بشكل أسرع لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن آلام الجروح من طعنة صديق، وبهذا تعاملت سورية مع المبادرات بشأن العلاقة مع تركيا والتي تقدم بها أكثر من طرف “روسيا وإيران والعراق”، مبيناً أن أي عملية تفاوض بحاجة إلى مرجعية تستند إليها كي تنجح، وعدم الوصول إلى نتائج في اللقاءات السابقة أحد أسبابه هو غياب المرجعية، واستعادة العلاقة تتطلب أولاً إزالة الأسباب التي أدت إلى تدميرها ونحن لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا، وسورية تؤكد باستمرار ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي التي تحتلها ووقف دعمها للإرهاب. وشدد الرئيس الأسد على أن أبناء الجولان السوري المحتل قدموا لنا الكثير من العبر فبرهنوا أن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض، وأثبتوا أن انتماءهم متجذر وأرواحهم لا تحيا إلا لسورية، مؤكداً أن المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق واليمن قدوة وأنموذج ومثال نقتدي به في طريق التحرير والكرامة والشرف والاستقلال الناجز.


وفيما يلي النص الكامل لخطاب الرئيس الأسد:

“السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب الكرام أهنئكم ببدء أعمال الدور التشريعي الرابع وبنيلكم ثقة ناخبيكم للتشرف بخدمتهم، ولنتذكر بداية أن الثقة العامة هي رصيد سريع النفاد إن لم يغذ بالعمل الدؤوب وبالتواصل المستمر وبالإنجاز والإثمار، وإذ تبدؤون مهامكم وسط حراك تطويري بمؤسسات الدولة، فإن تأثيره لن يكون ملموساً إن لم يكن التطوير شاملاً للمؤسسات كافة، بحكم العلاقة الوثيقة بين مؤسسات الدولة، ومجلسكم هو المؤسسة الأهم لانعكاس أدائها على مؤسسات الدولة كافة، وبذلك على المواطنين عامة، لذا فإن تطوير أنظمته وآليات عمله هو أولوية أولى تستند إليها بقية الأولويات.

التطوير يبدأ بتصحيح المفاهيم العامة التي تشكل القاعدة الأساسية لعمل المؤسسة، والتي بغياب فهمها على المستوى الوطني العام سيبقى السؤال القديم الجديد ماذا فعل المجلس؟ ولماذا لم يفعل المجلس؟ دون جواب، فالحصانة التي يتمتع بها أعضاء المجلس هي وقاية لهم من أي تأثير يعيق مهامهم الدستورية والقانونية، هي ليست امتيازاً أو استثناءً، وهي لا تعني أبداً أن يكون صاحب الحصانة فوق القوانين والأنظمة، بل تعني أن يكون الأعضاء سباقين إلى تطبيق القوانين والخضوع لها، باعتبارهم مسؤولين عن إصدارها وسلامة تطبيقها، أما الرقابة وهي جوهر عمل مجلسكم فلا يمكن أن تتم من دون مرجعية تستند إليها، وأنا لا أقصد المرجعيات التشريعية كالدستور أو قانون مجلس الشعب، وإنما أقصد المرجعيات الإجرائية التي تحدد طبيعة العلاقة بين المجلس وبين بقية المؤسسات وخاصة في السلطة التنفيذية، وفي مقدمة هذه المرجعيات السياسات التي تقترحها تلك المؤسسات والتي يصادق عليها مجلس الشعب.

الرقابة ليست حالة مؤقتة أو مزاجية أو رأياً شخصياً، بل هي أداة منهجية ثابتة من أجل قياس الأداء وقياس الإنجاز، هناك الكثير من المؤسسات التي تعمل بحسب الأنظمة والقوانين التي تحكمها، وقد لا يكون هناك أي خلل في عمل هذه المؤسسة إذا أردنا أن نقيس الأداء، لكن حسن الأداء لا يعني الإنجاز، لذلك هناك فرق بين الأداء والإنجاز.. ماهي مرجعية الأداء بالنسبة لكم كمجلس شعب؟.. هي القوانين والأنظمة، إذا كان هناك خلل يتدخل المجلس من خلال آليات الرقابة، أما إذا كان هناك عدم إنجاز فعلينا أن نسأل ماهي السياسة المتبعة بالنسبة لهذه المؤسسة، هناك رؤية، هناك سياسة تنبثق عن الرؤية، هناك خطط تنبثق عن السياسة، وهناك أهداف المطلوب أن نصل إليها.

هذه السياسات هي مرجعيتنا كمجلس شعب بالنسبة للرقابة تجاه السلطة التنفيذية، فإذاً الرقابة تكون على المؤسسات، أما المحاسبة فتكون للمسؤولين في حالة التقصير، هذا يعني من خلال ارتباط الرقابة مع المحاسبة، إذا لم يكن هناك آليات سليمة للرقابة فلا يمكن أن تكون هناك آليات سليمة للمحاسبة، هذه النقطة نقطة هامة طبعاُ – نتحدث لاحقاُ عن النظام الداخلي الذي يحدد كل هذه الأمور – وكلاهما الرقابة والمحاسبة مسؤولية قبل أن يكونا سلطة، فالسلطة من دون مسؤولية تؤدي إلى الخراب، والمسؤولية من دون معرفة تؤدي إلى الفوضى، وأنتم تحملون مسؤولية مناقشة السياسات والإستراتيجيات والخطط انطلاقاً من معرفة أسبابها وسياقها ونتائجها وضررها وكيفية الإفادة منها، أنتم تحملون مسؤولية مناقشة الرؤى انطلاقاً من امتلاككم لرؤى، كل ذلك يتطلب منكم اعتماد آليات عمل منهجية واضحة تمنع العمل الفردي على حساب المؤسسي، والشخصي على حساب العام، والشعبوي على حساب الوطني، والارتجالي على حساب العلمي المبني على أسس واضحة سببية معللة، فلا يجوز أن نناقش الإجراءات والخطط ونحن لم نناقش أو نقر السياسات والإستراتيجيات التي تحكمها وتؤطرها، والتي من دونها ستكون الخطط والإجراءات عبارة عن حالة عشوائية، غير منسجمة، لا متجانسة، تضر أكثر مما تنفع، بغض النظر عن صحتها أو خطئها، عندما يأتينا شخص بفكرة محددة، فكرة جيدة، فكرة صحيحة.. نتحمس ونندفع ونؤيد ونشجع، وإن كنا في موقع رسمي نصادق ونوافق، لكن نكتشف بعد فترة من الزمن أن هذه الفكرة الجيدة والصحيحة لم تحقق نتائج، وربما حققت نتائج عكسية، لماذا؟ لأننا لم نسأل السؤال البسيط البديهي، ما هي السياسة التي تظلل أو التي تشكل المظلة أو المصدر أو الراعي لهذا الإجراء؟.

هناك مئات الإجراءات ربما آلاف الإجراءات.. ما الذي يربط بين تلك الإجراءات؟ ما الذي يمنع التناقض بينها؟ ما الذي يحقق التكامل بينها؟… هو السياسات، وبالتالي عندما نذهب الى إجراء مفرد مهما يكن هذا الإجراء صحيحاً فهو إجراء بأحسن الأحوال غير فعال، لذلك علينا أن ننطلق دائماً من السياسات وليس من الخطة ولا من الإجراء، السياسات والرؤى هي أهم شيء نركز عليه في علاقتنا مع السلطة التنفيذية، ولا يجوز وهذه نقطة هامة، لا يجوز إقرار السياسات التي تقترحها السلطة التنفيذية قبل البحث مع مسؤوليها بتوفر الأدوات الضرورية لتنفيذها لأن ذلك يؤدي لهدر الوقت في انتظار نتائج لن تأتي، وبالتالي تمنعون حدوث التقصير مسبقاً وهدر الوقت لاحقاً، وتقطعون الطريق على تقديم وعود لا يمكن للمسؤول الإيفاء بها، مع ما يخلقه ذلك من خيبة على المستوى العام، أيضاً بحكم الظروف وربما بحكم الطبيعة، أي واحد فينا يميل إلى سماع الكلام المطمئن، الكلام المليء بالأمل، الكلام الوردي، ولكن بعد فترة أيضاً هذا الكلام لا يتحقق، من جانب آخر المسؤول يميل لإرضاء الأطراف المختلفة سواء كانت مجلس شعب أو مواطنين أو غير ذلك، وبنفس الوقت أيضاً هذا المسؤول ربما لا يحب النقد لا يريد أن يسمع لنقد، دور مجلس الشعب في هذه الحالة هو أن يسأل عن الأدوات، عندما يصادق مجلس الشعب أو يوافق سواء بإصدار قانون أو بإقرار سياسة أو مشروع أو غير ذلك من دون أن يسأل عن الأدوات ولا تنجح السلطة التنفيذية بالتنفيذ يصبح مجلس الشعب حاملاً لمسؤولية التقصير مع السلطة التنفيذية لأن الاقتراح والمصادقة هما وجهان لمسؤولية واحدة.
إذاً.. لننطلق في كل ما سبق من مناقشة السياسات العامة أو الكلية للحكومة ثم القطاعية المنبثقة عنها في السياسات الوزارية ولنبنِ نقاشاتنا على تشخيص دقيق للواقع والأسباب، والتشخيص أساسه الوضوح والشفافية، فمعظمنا يعيش اليوم في خضم تساؤلات حول الوضع المعيشي حول كيفية الخروج من الوضع الراهن، حول الحاضر والمستقبل، والأولوية في هذه الحالة وفي مثل هذه الظروف ليست للطمأنة ورفع المعنويات على أهميتها بل لشرح الواقع كما هو ودون تجميل وتحليله وطرح الحلول الممكنة، فلا شيء أخطر علينا اليوم من اتباع سياسة الهروب إلى الأمام وإنكار الواقع بدلاً من مواجهة التحديات ومعالجة المشكلات، وواقعنا اليوم هو بالإضافة إلى نتائج الحرب المعروفة بالنسبة لكم، نتيجة تراكمية لعقود من السياسات العامة في مختلف القطاعات، لذلك لا يمكننا الخوض فيه وتغيير هذا الواقع من دون ربطه بما سبقه من مراحل، طبعاً ربما يقول أي شخص خاصة أصحاب النوايا السيئة بأنني خرجت وأدنت المرحلة السابقة، أو المراحل السابقة، أو حمّلت مسؤولية كل المشاكل التي نمر بها على الماضي، لا.. هذا الكلام غير صحيح، لأن الحاضر هو ابن الماضي، الحاضر هو نتيجة الماضي، الحياة هي سياق مستمر، لا نستطيع أن نتحدث عن الحاضر بشكل مجرد ومنفصل عما سبقه ولا عما سيليه.
بنفس الوقت الأزمات الكبرى الوطنية على مستوى بلد، على مستوى أمة، إلى آخره لا تأتي فجأة، ولو ظهرت فجأة، هي حالة تراكمية لعوامل عديدة هي التي تؤدي إليها وبالتالي لا بد من مناقشة الماضي بنفس المقدار الذي نناقش فيه الحاضر، لكي نعرف أين كنا وأين أصبحنا ولماذا وصلنا إلى هذا المكان وإلى هذا الواقع، وهذا الربط بين الماضي والحاضر يساعدنا على التمييز بين الأسباب الموضوعية والأسباب غير الموضوعية، الأسباب الموضوعية أولاً هي التي لا نحمل مسؤوليتها بشكل مباشر هي أكبر من طاقة البلد، كالحرب.. كالحصار.. كالإرهاب.. كالسياسات القديمة على مدى عقود.. على مدى أجيال، التضخم العالمي الذي يضرب في كل مكان الآن ولا تستطيع دولة لا غنية ولا فقيرة أن تهرب منه، وارتفاع الأسعار، والأسباب غير الموضوعية المتعلقة بتقصير المسؤولين في السلطة التنفيذية.
فالأسباب مختلفة لا يمكن أن نعالجها بطريقة واحدة كما نفعل اليوم، كل سبب من الأسباب له طريقة للمعالجة، فمن الضروري أن نشخص، ومن الضروري أن نميز بين هذه الأسباب، أما عن الأسباب فمعظمنا يفترض أن الحرب والحصار والإرهاب هي المسببة للوضع الراهن وهذا صحيح، لكنه غير كاف، لا نستطيع أن نقول الحرب هي المشكلة، وبنفس الوقت طالما أننا لا نستطيع أن نعالج كل شيء تحت عنوان الحرب والإرهاب والحصار، فنحن لا نستطيع أن نعالج كل شيء تحت عنوان الأخطاء للمسؤولين، لا الأولى صحيحة ولا الثانية صحيحة، فالأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان، تأتي الحروب لكي تظهر هذه الحالة من الضعف وتفاقم حدتها، ولكي نبحث في أسباب نقص المناعة علينا أن نبحث في عمق توجهاتنا الاقتصادية التي اتبعناها على مدى ستة عقود، طبعاً البعض من هذه السياسات أكثر من ستة عقود، سبعة عقود تقريباَ.. منذ الخمسينيات تقريباَ، فهل كانت تلك التوجهات مناسبة لمجتمعنا؟ هل كانت مناسبة لظروفنا؟ متى كانت مناسبة؟ متى لم تكن مناسبة؟ وإذا كانت مناسبة فهل كانت مناسبة من دون ثمن؟ هل كانت مناسبة من دون سلبيات على الهامش؟ هل كان ممكناً تلافي تلك السلبيات بنفس تلك السياسات التي كانت قائمة في ذلك الوقت؟ وأسئلة كثيرة على هذا المنوال لكي نعرف أين تكمن المشكلة؟ من وجهة نظري السياسات طبعاً كانت مناسبة وكانت صائبة، لكن هل هناك شيء مطلق في الحياة؟ هل هناك شيء مطلق لكل زمان ومكان.. هذا الكلام غير ممكن، لو تحدثنا عن سورية خلال ستة عقود أو سبعة عقود، فهي تغيرت تغيرات جذرية لا حدود لها باتجاه الأمام.. تقدم؟ تراجع.. أقصى اليمين وأقصى اليسار.. صعوداً وهبوطاً.
وهذا ليس كلاماً مجازياً، هذا كلام حرفي بالنسبة للتغيرات التي حصلت بكل هذه الظروف مع تغير المنطقة، مع تغير العالم، مع تبدل قواعد الاقتصاد في العالم والسياسة والأمن والثقافة، كل شيء تغير، لا شيء يشبه ما كان موجوداً، هل من الممكن لسياسة ما ولو كانت صائبة أن تكون صحيحة كل هذا الزمن ..هذا كلام أعتقد واضح للجميع .. فلذلك يجب أن نعرف في أي مرحلة كان هناك ضرورة للتبديل ولم نبدل، ضرورة للتغيير ولم نغير، هل نستطيع اليوم أن نقوم بنفس التغيير أم تأخرنا، هل علينا أن نغير السياسات .. نعدل بها؟، أسئلة كثيرة يجب أن نناقشها في مجلس الشعب وفي سورية بشكل عام .

أيضاً حتى عندما تكون السياسة صائبة فأي شيء إيجابي فيه سلبيات، هذه هي طبيعة الحياة، عندما تتراكم السلبيات مع الزمن ولا تعالج تتحول السياسة الصائبة إلى سياسة سلبية بالرغم من أنها سياسة صحيحة، وبالتالي عندما نأتي اليوم ونقول بأننا أمام تراكم لسلبيات كثيرة من الصعب أن نحدد المسؤولية، لا يمكن أن نقول بأن هناك مسؤولاً ما أو مجموعة مسؤولين أو مؤسسة اليوم تتحمل المسؤولية عن الوضع القائم، ولا نستطيع أن نلوم مسؤولين سابقين، ولا نستطيع أن نلوم مؤسسات سابقة.. فإذاً من نلوم؟ علينا أن نتساءل حول النهج، هناك نهج عام، من يتحمل مسؤولية النهج؟ هو السؤال الأهم ليس بهدف تحديد المسؤولية لكن لكي نحدد من سيتحمل المسؤولية اليوم ، فهل التوجهات الإستراتيجية والتي أسميها نهجاً أو سياسات كلية.. لا تهم التسمية.. هل هي توجهات حكومية لكي نحمل الحكومات المسؤولية ..هل هي توجهات حزبية لكي نحمل الحزب المسؤولية ..أم وهو الأهم هل أصبحت هذه السياسات الكبرى الكلية والتوجهات سياسات أو توجهات شعبية يؤيدها معظم السوريين، لكن وفي تلك الحالة لن يجرؤ أي مسؤول على الاقتراب من هذه السياسات لمجرد أن هناك دعماً شعبياً لها كسياسات الدعم والتوظيف والصحة والتربية والتعليم العالي والقطاع العام، وغيرها من السياسات التي لم تناقش.

طبعاً أنا لا أقول بأن هذه السياسات هي سبب المشكلة، هي سياسات صحيحة، هي سياسات ضرورية تحتاجها سورية من الناحية السياسية، من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية الاقتصادية، من كل النواحي نحتاجها، لكن أن تكون هذه السياسات صحيحة شيء وأن تتحول إلى مقدسات ومحرمات يمنع النقاش بها ويمنع المساس بها شيء آخر، لذلك ليس بالضرورة أن تكون المشكلة هي في السياسات وإنما قد تكون المشكلة هي في طريقة تعاطينا مع السياسات وبالتالي تعاطينا الخاطئ يحول السياسة الجيدة إلى سياسة سلبية، لذلك قلت في اجتماع الحزب منذ أشهر قليلة بأن هناك سياسات نقول عنها هذه السياسات لصالح أصحاب الدخل المحدود، ونكتشف لاحقاً أن نفس هذه السياسات هي التي أدت إلى انحدار في وضع هذه الشريحة التي يفترض أننا أوجدنا هذه السياسة من أجل خدمتها .

هذه التوجهات تفرض نفسها على أي حكومة.. ماذا يعني؟ يعني أي حكومة لا تستطيع أن تقدم أي مقترح أو تقوم بأي بإجراء أو تقترح أي سياسة أو خطة خارج هذه السياسات الكبرى، وبالتالي ممنوع على أي حكومة -بغض النظر عن أي حكومة- أن تبحث عن حلول خارج إطار هذه السياسة، يعني نتوقع سلفاً أي حكومة ستأتي في المستقبل، أو أي حكومات ستأتي في المستقبل لديها شيء وحيد تقدمه للمواطن ما هو؟ المزيد من الوعود لا شيء آخر، وبنفس الوقت بهذه الطريقة لن نتمكن من التمييز بين سلبيات التوجهات العامة وأخطاء المسؤولين، لا نميز.. فاليوم نضع كل القصور في سلة الحكومة أو الوزير، عندما لا نعرف أسباب الخطأ بشكل دقيق ذلك يعني نحن لا نعرف الحقيقة، من لا يعرف الحقيقة لن يتمكن من الوصول إلى الحل، أيضاً هذه من البدائه.

لكي نلخص الصورة الآن.. كل هذا الكلام حول لماذا لا تتحرك الأمور، نحن نفرض سياسة ونطلب من الحكومة أن تحقق أهدافاً، أيضاً أنا أتحدث عن أي حكومة كي لا يفهم من كلامي أنني أدافع عن أي جهة.. أنا أتحدث عن المؤسسات- مطلوب من الحكومة أن تحقق هذه الأهداف المطلوبة لكن هذه الأهداف جزء منها خارج إطار السياسات المفروضة، وجزء آخر مناقض لهذه السياسات، فالحكومة بحاجة لأدوات، إحدى أدوات تحقيق هذه الأهداف هو تغيير السياسات ولكن تغيير السياسات ممنوع، فإذا نحن أمام حالة استعصاء -نسميه استعصاء البندقية باللغة العسكرية – هذا يشبه أن نطلب من شخص القيام بمهمة ولكن نقول له أنت محروم من أدوات التنفيذ، هذا يشبه ما نقوم به الآن ، أن نأتي بشخص ونقول مطلوب منك الإبداع بشرط أن تفكر داخل الصندوق، الإبداع من شروطه التفكير خارج الصندوق، والأهم من ذلك أننا بشكل عام نطالب بالتطوير ولكننا نرفض التغيير، كل الأمم التي تطورت من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق تغيرت لكي تتطور، بعض هذه الدول كانت ظروفها تشبه ظروف سورية، والبعض ظروفها لا تشبه ظروف سورية، فإذا نحن الآن أمام حالة من آلية تفكير معينة هي التي تحتاج إلى تفكير لكي نصل إلى حالة التطوير التي نسعى إليها جميعاً.

فإذاً علينا مجتمعين كأبناء هذا الوطن أن نحدد التوجهات العامة التي نعتقد أنها مناسبة وأن نترك للسلطة التنفيذية تحديد آلية التنفيذ بعد أن نناقش معها الأدوات، العملية ليست حرة بشكل مطلق، طبعاً عندها يمكن تحميل السلطة التنفيذية مسؤولية النجاح أو الفشل، وكثيراً ما تكون الخيارات المتاحة أمامنا متناقضة في فوائدها وأضرارها، ولكن لا يمكن أن نقبل بإيجابيات السياسة ونرفض السلبيات ونقول السلبيات تحمّل لجهة ما ،هذا الكلام غير موضوعي والعملية ليست عملية انتقائية، وسأعطي أمثلة كالخيار بين سعر الصرف اليوم والإنتاج، هناك اليوم تناقض بين سعر الصرف والإنتاج، وتسمعون عن كثير من النقد والتأثير على الصناعة أو الإنتاج في المجالات المختلفة، طبعا نقول سعر الصرف لأنها باللغة المتداولة، لكن فعليا بالعالم يتحدثون عن التضخم مقابل الإنتاج، لكي نتحدث من الواقع.. الآن كثير من دول العالم خلال السنتين الماضيتين وخاصة في الغرب والدول الغنية ذهبت باتجاه التركيز على التضخم، رفعت الفائدة، قامت بإجراءات كثيرة، اليوم دفعت الثمن إفلاسات ..إغلاقات .. وصلوا إلى مرحلة الركود، دول أخرى أقل ذهبت بالاتجاه المعاكس، قالت أريد أن أدعم الإنتاج من أجل فرص العمل، ولا أهتم بالتضخم ولا سعر الصرف، انهارت العملة فوصلوا إلى الركود، ذهبوا باتجاهات متناقضة ولكنهم وصلوا إلى نفس المكان .

هذا السؤال لا أحد يتحدث به في سورية، أو هذا الخيار، لا في المؤسسات الرسمية ولا لدى الاختصاصيين ولا لدى المهتمين ولا لدى الهواة، لا أحد يتحدث به، كل الاقتصاد محكوم بهذه المعادلة، أي شيء نتحدث به من إجراءات اقتصادية إن لم نحل هذه المشكلة فستكون التأثيرات محدودة جداً وربما لا يكون هناك تأثيرات، هل يا ترى هذا جزء من إنكار الواقع أو من الهروب إلى الأمام .. لا نعرف، ولكن علينا أن نعالج هذه المشكلة ..أي خيار نختار ونتحمل مسؤولية أي اتجاه نذهب، إن ذهبنا بالاتجاه الأول هناك سلبيات وإيجابيات وإن ذهبنا بالاتجاه الآخر هناك سلبيات وإيجابيات، علينا أن نحدد أيهما أكثر مناسبة لنا وقد يكون الخيار في أغلب الحالات هو الخيار الأقل سوءاً وليس الأفضل، ربما الآن أوضاع العالم كلها سيئة، الكل يبحث عن الأقل سوءاً وليس عن تحسين الوضع في الوقت الحالي، أي تخفيف الخسائر، أو الخيار بين تحميل العجز المالي الكبير الناتج عن الدعم على الموازنة العامة أم تحميله على المصرف المركزي كما يحصل منذ عقود ونتائج ذلك على إضعاف المصرف، وبالتالي إضعاف دوره في تثبيت سعر الصرف في الظروف الصعبة كما هو الواقع اليوم.

كالخيار بين سياسة الاستيعاب الجامعي وما تعنيه من تأمين فرص تعليم للجميع مقابل تراجع مستوى الخريجين نتيجة الأعداد التي تفوق طاقة الجامعات الاستيعابية، كالخيار بين الطبابة المجانية الضرورية والحيوية لأصحاب الدخل المحدود مقابل الهجرة المتصاعدة للكوادر الطبية وما يعنيه ذلك من تراجع للخدمات الصحية الأساسية لنفس الشرائح، طبعاً هذه أمثلة متنوعة من قطاعات مختلفة، لكن لدينا الكثير من الأمثلة المشابهة، هذا غيض من فيض، أسئلة كثيرة، هامة، صعبة، لا يهم كيف نصفها، ولكن إن لم ننطلق منها لن نتمكن من تحديد الحلول الأكثر مناسبة والأقل ضرراً بالنسبة لنا في سورية، فكل حل يحمل في طياته عيوباً وسلبيات في الأحوال العادية، فكيف يكون الوضع في ظرف مثل ظروف سورية القائمة، أو ظروف المنطقة، أو ظروف العالم الراهنة، بكل تأكيد ستكون السلبيات أكبر، والخيارات الصعبة لا تعني الاستحالة، لا تعني بأنه لا يوجد إمكانية لتجاوز هذه الظروف ولو بشروط صعبة، ولا تعني عدم وجود ما نقوم به من أجل تحسين الأحوال، كي لا يفهم الطرح بالمعنى الإحباطي بأنه “لا يوجد أمل لا يوجد حل أبداً”.

والأهم من ذلك الخيارات الصعبة لا تعني الانقلاب على سياساتنا، ولا تعني الانقلاب على التزامات الدولة تجاه المواطنين، نحن لن نخلع عباءتنا الاشتراكية، سنبقى في نفس المكان، ولكن هذه العباءة لا يمكن أن تكون عباءة جامدة مقيدة، لا يمكن أن تكون قالباً، يجب أن تكون متحركة ومرنة بحسب الظروف، الخيارات الصعبة تعني أن الرؤى والسياسات والخطط تبنى على الحقائق لا على الأحلام الوردية، وتأجيل النقاش بهذه الأسئلة الصعبة كما كنا نفعل دائماً حوّلها إلى وحول أقعدتنا.. شلتنا.. منعتنا من التفكير ومنعتنا من الحركة ولم نعد قادرين على الخروج منها، لذلك تأجيل الحوار فيها أصبح غير مقبول.. الحوار فيها أصبح ضرورة ملحة.

في مقدمة العناوين دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تحدثت في هذا الموضوع سابقاً، وهو موضوع قديم ليس جديداً لكن حتى بعد أن بدأنا بالحراك به هناك سوء فهم لهذا الموضوع، طبعاً هنا أقول عنوان.. لم أقل هو ليس قطاعاً ولا اختصاصاً ولا وزارة لأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي تقريباً كل شيء في كل مكان في كل مجال، لذلك هي جزء أساسي من الاقتصاد أكثر من كونها مشروعاً، لكن ربما نطلق عليها أحياناً اسم مشروع، لكن هناك سوء فهم أحياناً لدور هذا المشروع، البعض يعتقد بأن هذا المشروع بهذه الظروف ..ظروف الفقر ومعاناة الناس جيد لأنه يحسن أو يؤمن مصدر رزق ..يعيش الشخص ..تعيش العائلة.. إلى آخره، الحقيقة لا.. أي فرصة عمل هي مصدر رزق وهذا شيء طبيعي، لكن مبدأ المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو أن تكون صغيرة وتنمو، فالمتناهية الصغر يجب أن تصبح صغيرة لكي يكون هناك نجاح، والصغيرة أن تصبح متوسطة، والمتوسطة كبيرة، فإذاً هي نواة للنمو وليست مشروعاً لكي نحل مشكلة قائمة مؤقتة، بالبداية نعم، ولكن هذا ليس هو الهدف، البعض الآخر سيقول هي جيدة الفكرة، هي محور داعم للاقتصاد.. الحقيقة هي ليست محوراً داعماً للاقتصاد هي عصب الاقتصاد، وسيأتي من يقول بأن هذا القطاع أو هذا العنوان هو مناسب لنا، دولة أوضاعها الاقتصادية صعبة، أبداً هو عصب الاقتصاد للدول الصناعية الكبرى أيضاً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، عندما ندرس الأرقام والنتائج الاقتصادية أهم شيء فيها هذا المستوى من الاقتصاد، فإذاً هي عصب الاقتصاد للدول الكبرى، ولكن في ظروفنا تصبح أكثر أهمية، نحن مجتمع نامٍ، مجتمع زراعي، وهي هامة للمجتمع الزراعي، بالإضافة لأننا لسنا دولة صناعية كبرى بكل الأحوال، ولا أعتقد بأننا بالمدى المنظور دول مثل سورية وغيرها، بحجمها وبإمكانياتها يمكن أن تكون دولة صناعية كبرى، يمكن أن تكون ناجحة اقتصادياً هذا موضوع آخر، ولكن ليس بالضرورة بالصناعات الكبرى فمن الطبيعي أن تكون أكثر مناسبة لاقتصادنا.

المشكلة في هذا الموضوع هي ليست التمويل، منذ 20 عاماً بدأنا بالحديث عن هذا الموضوع، ولكن كما قلت لم يكن هناك رؤية واضحة، المشكلة هي الرؤية غير الواضحة والإدارة غير السليمة، هناك عمل حثيث في هذا الاتجاه مؤخراً في السلطة التنفيذية، الرؤية تتوضح ولكن أهم منها أن البنية الإدارية هي بنية عشوائية بكل معنى الكلمة ويتم العمل الآن على إعادة الهيكلة وإعادة توزيع الصلاحيات والمسؤوليات لكي ينطلق هذا العنوان، طبعاً على أهمية برامج التدريب والتمويل وقد تكون موجودة لدينا ليست هي مشكلة، إلا أن هذا النوع من المشاريع لا يمكن أن ينجح في ظل المركزية الشديدة، لأنه يعتمد على تطور المؤسسات العديدة ذات العلاقة بهذا القطاع من خلال زيادة كفاءتها واستقلاليتها، أي المزيد من اللامركزية وخاصة لمؤسسات الإدارة المحلية لأن هذه المشاريع يجب أن تكون موجودة في كل منطقة في سورية، هذا لا يحققه سوى الإدارة المحلية الموجودة في كل مدينة وفي كل بلدة وفي كل قرية، وهذا العنوان يرتبط بمجالات كثيرة تتوسع بحكم التطور العالمي، والنجاح فيه سينعكس بشكل مباشر وعميق على الحياة المعاشية والتطور المهني للأفراد، وعلى عدالة التنمية بين الريف والمدينة وبين شرائح المجتمع المتنوعة .
بكل الأحوال العناوين المطروحة كثيرة جداً لمناقشتها وإقرار المناسب منها وتحمل مسؤولية الاقتراح أو الإقرار أو التنفيذ أو الرفض من قبل كل مؤسسة من المؤسسات، يعني حتى الرفض فيه مسؤولية لأن من يرفض عليه أن يتحمل مسؤولية نتائج هذا الرفض.

وللمجلس دور محوري في قيادة الحوار والحراك ومواجهة التحديات الجمة، وممارسة هذا الدور بطريقة فاعلة وبآليات فعالة ترتقي إلى مستوى دوره الوطني بحاجة ماسة إلى تطوير النظام الداخلي لمجلس الشعب، لكي يتماشى مع التطوير القائم في باقي المؤسسات، ويتوافق مع متطلبات المرحلة وتحدياتها، كل العناوين التي تحدثنا فيها الآن وغيرها من العناوين من دون نظام داخلي سليم لا يمكن للمجلس أن يقوم بدوره، وهذه إحدى نقاط ضعف المجلس، لذلك أنا في الفقرة الأولى ابتدأت بكلمة أن تعديل آليات عمل المجلس هي أولوية أولى، أول شيء يجب أن يناقش النظام الداخلي والمثال موجود لديكم.. بالنسبة للعلاقة مع القضاء والبند أو البنود التي تم تعديلها في الدور التشريعي السابق، بسبب النظام الداخلي كان من غير الممكن للكثير من الأشخاص أصحاب الحقوق أن يأخذوا حقهم عن طريق المؤسسة القضائية ونفس الشيء بالنسبة للجهات العامة، يعني الحق الخاص والحق العام ممكن أن يضيع بسبب نظام داخلي للمجلس بعكس مهام مجلس الشعب القيّم والمسؤول عن عمل المؤسسات أو سلامة عمل المؤسسات وعن تطبيق القوانين، الآن نفس الشيء بالنسبة لعلاقة المجلس مع المؤسسات التنفيذية، هل المجلس مسؤول عن المتابعة بعد أن يُصدر قانوناً، ماهي آلية المتابعة، هل يقوم هو بقياس النتائج، إذا أراد أن يستجوب أو أن يسأل وزير من الوزراء ماهي الآلية؟ هل فقط يطلب منه أن يأتي ونقوم بطرح الأسئلة، أم هناك آلية منهجية قبل الزمن المحدد ما بين طلب الاستجواب والمجيء، وهل تحدد المواضيع مسبقاً، ومن ثم يأتي الوزير بأسئلة مكتوبة، هو ليس استجوابا للوزير وإنما هو للمؤسسة.. لديه مؤسسة يجب أن تساهم معه في هذا الموضوع.


سيريا ستار تايمز - syriastartimes,